أثناء توجهه للقاء الرئيس الصيني، شي جينبينغ، لإجراء مفاوضات تجارية، نشر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بياناً قصيراً، في 29 أكتوبر الماضي، يبدو أنه يشير إلى أن الولايات المتحدة ستستأنف قريباً التجارب النووية. وقال ترامب على موقع «تروث سوشيال»: «بسبب برامج التجارب التي تجريها دول أخرى، فقد أصدرت تعليمات إلى وزارة الحرب ببدء التجارب لأسلحتنا النووية على أساس متكافئ، وستبدأ هذه العملية على الفور». وما يعنيه ترامب بهذا غير واضح على أفضل تقدير، وقد عارضه وزير الطاقة الأميركي، ما زاد من غموض الموقف، وفي حين افترض البعض أن هذا يشكل أمراً مباشراً باستئناف التجارب النووية، فإن القول بأن الولايات المتحدة ستجري التجارب على «أساس متكافئ» يشير إلى أن الأمر يتعلق أكثر بتجربة أنظمة الإيصال، أو إجراء تجارب ذات عائد منخفض للغاية على المواد والمكونات الفرعية، وليس على الرؤوس الحربية نفسها. وقال الرئيس الأميركي إنه بدأ إجراء تجارب على «أساس متكافئ»، لكن لا الصين ولا روسيا أجرتا تجارب نووية واسعة النطاق منذ توقيعهما على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ومع ذلك، هناك مزاعم بأنهما قد تجريان تجارب نووية «فوق حرجة» صغيرة النطاق، ما يعني أن التجربة تحقق تفاعلاً متسلسلاً مستداماً. ويبدو أن ترامب أشار إلى هذه الادعاءات خلال مقابلة مع برنامج «60 دقيقة»، بُثت الأسبوع الماضي، ويمكن إجراء هذه التجارب نظرياً على نطاق ضيق بما يكفي لتفادي الكشف عنها، ومن الصعب جداً تتبعها عبر وسائل الاستخبارات. كما أن التجارب «فوق الحرجة» ضيقة النطاق تولّد معلومات أقل من التجارب الكاملة النطاق على الرؤوس الحربية، حيث لا يمكن اختبار التفاعل بين المواد المختلفة داخل الرأس الحربي النووي بشكل مباشر خلال انفجار نووي كامل النطاق. وتتطلب هذه الاختبارات أيضاً مرافق متخصصة لم تستثمر فيها الولايات المتحدة، وقد يستغرق إجراؤها سنوات من الاستثمار، ويتم حالياً تحديث مرفق الاختبارات «دون الحرجة» الحالي للولايات المتحدة، المعروف رسمياً باسم «يو 1 أ»، بكلفة تبلغ نحو 2.5 مليار دولار، وقد لا يكون جاهزاً حتى عام 2030. عيوب كبيرة جاء إعلان ترامب، أيضاً، في الوقت الذي اختبرت فيه روسيا اثنين من أنظمة إيصال الأسلحة النووية من الجيل التالي، وهما «بوريفيستنيك»، وهو صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية، وله بعض الخصائص التقنية المشكوك فيها، و«بوسيدون»، وهو طوربيد نووي مصمم لتدمير المدن الساحلية، وقد يرغب ترامب في أن تبدأ الولايات المتحدة في اختبار أنظمة نووية بمعدل يضاهي معدل الاختبارات في الصين وروسيا. ومع ذلك، فإن استئناف التجارب النووية، وزيادة اختبارات الطيران، قد تكون لهما عيوب كبيرة، فمن ناحية، ليس واضحاً مدى السرعة التي يمكن أن تستأنف بها الولايات المتحدة التجارب النووية، وعلى الورق تحتفظ الولايات المتحدة بالقدرة على استئناف التجارب النووية في غضون 24-36 شهراً من إصدار قرار رئاسي، لكن من غير الواضح مدى واقعية هذا الجدول الزمني، فموقع التجارب النووية في «نيفادا» في حالة سيئة، ومن المرجح أن يتطلب استثمارات كبيرة في الموارد. كما أن إجراء تجارب نووية واسعة النطاق لن يعود بفوائد كبيرة، وسيكون ذلك بمثابة تخلٍ عن التزامها بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وقد تحذو حذوها دول أخرى موقعة على المعاهدة، مثل روسيا والصين. وتستفيد الصين أكثر من غيرها من البيانات التقنية من استئناف التجارب، حيث إن بياناتها الحالية محدودة، فقد أجرت 45 تجربة نووية فقط قبل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، في حين أجرت الولايات المتحدة أكثر من 1000 تجربة. وقد يؤدي استئناف التجارب النووية أيضاً إلى عواقب دبلوماسية خطرة مع تزايد استياء الرأي العام في الدول الحليفة، وعلى مدار ما يقرب من عقد من الزمان، حاولت الولايات المتحدة الحفاظ على سمعتها في القضايا النووية، في ظل تشكيك الدول في بطء التقدم المحرز نحو نزع السلاح النووي. وعلى الرغم من الالتزامات بمواصلة المفاوضات بحسن نية لنزع السلاح بموجب المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فقد تراجع التقدم المحرز في مجال نزع السلاح النووي على مدار العقد الماضي، مع استثمار روسيا والصين والولايات المتحدة في أنظمة أسلحة جديدة. شعبية واسعة في غضون ذلك، فقدت بعض الدول صبرها، بسبب عدم إحراز تقدم، وأيدت معاهدة حظر الأسلحة النووية الأكثر صرامة، التي تحظر على الدول الموقعة إنتاج الأسلحة النووية أو نقلها أو السماح بتخزينها على أراضيها، ووقعت 95 دولة على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهي تحظى بشعبية واسعة في الدول الحليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك أستراليا واليابان وهولندا. وقد يؤدي استئناف التجارب النووية، أيضاً، إلى إثارة الرأي العام في هذه البلدان، وجعل مقاومة التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية أمراً غير مقبول سياسياً، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على شبكة التحالفات التي أقامتها الولايات المتحدة لردع روسيا والصين، على سبيل المثال تعمل الولايات المتحدة حالياً على تطوير أسلحة نووية مصممة ليتم نشرها على غواصات هجومية، وإذا وقّعت دول مثل أستراليا واليابان على معاهدة حظر الأسلحة النووية، فسيُحظر عليها إيواء أسلحة نووية على أراضيها، وستطلب من الولايات المتحدة أن تعلن أن الغواصات الهجومية الزائرة لا تحمل أسلحة نووية على متنها. لكن الولايات المتحدة تتبع سياسة صارمة بعدم الإعلان عن وجود أسلحة نووية في أي مكان، وقد أدت المحاولات السابقة التي قامت بها نيوزيلندا لحمل السفن الحربية الأميركية الزائرة على الإعلان عن وجود أسلحة نووية إلى تعليق الولايات المتحدة التزاماتها الدفاعية تجاه نيوزيلندا، وقد تحدث حالة مماثلة في دول حليفة أخرى إذا انضمت تلك الدول إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية، ما يتسبب في مشكلات خطرة لشبكة تحالفات الولايات المتحدة، وقدرتها على ردع خصومها. عن «فورين بوليسي» جهود حثيثة بذلت الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لتوضيح أن اختبارات الطيران للأنظمة ذات القدرات النووية، مثل الاختبارات المنتظمة لصاروخ «مينوتمان 3» من قاعدة «فاندنبرغ»، في ولاية كاليفورنيا، هي جزء من الاختبارات الروتينية، ولا تهدف إلى إرسال أي رسالة إلى الخصوم. وفي إطار الحد من التوترات التي قد تثيرها اختبارات الصواريخ، تقوم الولايات المتحدة بإخطار الدول الأخرى قبل إجراء الاختبارات. وقد فعلت الصين، أخيراً، الشيء نفسه، بعد اختبارها الصاروخي الباليستي العابر للقارات فوق المحيط الهادئ في سبتمبر 2024، وهو تقدم في مجال الحد من المخاطر يستحق الإشادة. إن إجراء المزيد من اختبارات الطيران لمواكبة الإجراءات الروسية والصينية من شأنه أن يقوض هذا التقدم. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App