كانت الدروس الخصوصية في السابق مجرد وسيلة لمساعدة الطلبة، وتحولت الآن إلى ظاهرة تربك المنظومة التعليمية وتفتح باباً واسعاً للجدل بين الحاجة والتجارة، حيث يراها بعضهم طوق نجاة يرفع مستوى التحصيل الدراسي ويمنح الطلبة ثقة أكبر، وفي الوقت ذاته يصفها آخرون بأنها سوق موازية تستنزف جيوب الأسر وتُضعف دور المدرسة في بناء الطالب المتكامل.وفي ظل تزايد اعتماد الطلبة على المعلمين الخصوصيين تتعمق مسألة الفجوة بين من يملكون القدرة على دفع كلف الدعم الأكاديمي ومن لا يمتلكونها، وفي هذه المحطة توقفت «الخليج»، لتطرح أسئلة جوهرية عن الظاهرة وجودة التعليم وعدالة الفرص، ودور المدرسة في احتواء هذا التحول المتسارع وتخفيف الأعباء عن أولياء الأمور.قالت الدكتورة عائشة الجناحي، كاتبة ومدربة ومحاضرة في شؤون الأسرة والأبناء، إن ظاهرة الدروس الخصوصية أصبحت من أبرز التحديات التي تربك المنظومة التعليمية وتعمّق فجوة الفرص بين الطلبة. وانتشارها يعود إلى مزيج من العوامل التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، منها ضعف التحصيل الدراسي وازدحام الصفوف وتفاوت جودة المدارس، وضغط الامتحانات الرسمية وطموح الأسر نحو التفوق الجامعي.وتوضح أن هذه العوامل دفعت الطلبة والأهالي إلى البحث عن دعم إضافي خارج أسوار المدرسة، لتتحول الظاهرة تدريجياً إلى سوق مربحة تُغذيها المخاوف من الرسوب والرغبة في الحفاظ على المكانة التنافسية، حتى غدت الحاجة إلى الدروس الخصوصية عادةً راسخة أكثر من كونها وسيلة دعم تعليمي. تأثير مزدوج وترى الدكتورة عائشة، أن تأثير هذه الدروس مزدوج، فهي تساعد بعض الطلبة على تحسين أدائهم الأكاديمي، لكنها في الوقت ذاته تضعف دور المدرسة وتؤثر في مبدأ تكافؤ الفرص، إذ يحظى الطلبة المقتدرون بفرص تعليمية إضافية، فيما يُحرم غير القادرين منها، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة التعليمية وتراجع مهارات الاعتماد على الذات لدى الطلبة. الدوافع وتشير إلى أن الأسباب التي تدفع بعض المعلمين إلى تقديم الدروس الخصوصية تراوح بين الدوافع المهنية والاقتصادية، فبعضهم يسعى لتحسين مستوى الطلبة وتوضيح المفاهيم التي لا يتسع لها وقت الحصة الصفية، بينما يرى آخرون فيها وسيلة لزيادة الدخل. ومع ارتفاع طلب الأسر، تحولت هذه الممارسات لدى بعضهم إلى نشاط تجاري قائم على العرض والطلب.وعن الآثار بعيدة المدى، تحذّر من أن استمرار الاعتماد المفرط على الدروس الخصوصية قد يُضعف الثقة بدور المدرسة ويحوّل التعليم إلى سلعة يمكن شراؤها، ما يهدد العدالة التعليمية وجودة المخرجات الوطنية، ويُكرّس الفوارق بين الطلبة على أسس اقتصادية لا معرفية. اختلال المساواة كما تؤكد أن الدروس الخصوصية تخلّ بمبدأ المساواة بين الطلبة، إذ تمنح أبناء الأسر المقتدرة فرصة أكبر للتفوق، في حين يُحرم أبناء الأسر المحدودة الدخل من الدعم الأكاديمي، ما يجعل التفوق الدراسي انعكاساً للوضع المادي أكثر من الجهد الشخصي.وترى د.عائشة، أن الظاهرة تحوّلت في كثير من الأحيان إلى «تجارة تعليمية» تستغل قلق الأهالي، حيث تُقدَّم بأسعار مرتفعة وتُسوَّق عبر وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها ضماناً للنجاح، لتصبح سوقاً موازية للتعليم الرسمي تدار بمنطق الربح لا الرسالة التربوية. جوهرية الأدوار وتؤكد أن دور المدرسة والوزارة جوهري في معالجة الظاهرة، عبر تقديم حصص دعم مجانية داخل المدارس، وتخصيص أوقات إضافية للشرح، وتطوير المنصات التعليمية الرقمية، وتدريب المعلمين على أساليب حديثة تراعي الفروق الفردية بين الطلبة.وأوضحت أن ضبط الظاهرة يتطلب حلولاً متوازنة تجمع بين الرقابة والتنظيم، وتوفير بدائل فعّالة داخل المدرسة لضمان حصول جميع الطلبة على فرص تعليم متكافئة، بعيداً من الضغوط المالية والتجارية. الفروق وقالت شيخة صالح المخيني، معلمة علوم في مدرسة الرماقية حلقة2، تعود الأسباب الحقيقية لانتشار الدروس الخصوصية إلى ضعف المناهج الدراسية أو اعتماد أساليب تدريس تقليدية لا تراعي الفروق الفردية بين الطلبة، مع ضغط الامتحانات الرسمية والحاجة إلى تحصيل درجات عالية تُمكّن الطلبة من دخول التخصصات الجامعية المرموقة. كما أن ضعف التأسيس في المراحل الأولى يدفع بعض الأسر إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية لتعويض تلك الفجوات التعليمية، فضلاً عن رغبة أولياء الأمور في ضمان تفوق أبنائهم في ظل المنافسة المتزايدة». احتياجات فردية وتضيف: تحولت الدروس الخصوصية في كثير من الحالات إلى وسيلة لتعويض ضعف المناهج أو أداء المعلمين، خصوصاً في المواد العلمية واللغات الأجنبية. ويشعر بعض الطلبة بأن المعلم الخصوصي أكثر تفاعلاً واهتماماً، لأنه يركز على احتياجاتهم الفردية ويعمل على نقاط ضعفهم، بينما يرى آخرون أن هذا الاعتماد يقلل استقلاليتهم ويزيد الضغط النفسي بسبب الالتزامات الإضافية.وترى شيخة أن هذه الظاهرة أثّرت في مبدأ المساواة بين الطلبة، فالأسر المقتدرة قادرة على توفير فرص تعليمية إضافية تعزز تفوق أبنائها، في حين يعاني الطلبة من الأسر المحدودة الدخل ضعف التحصيل لعدم قدرتهم على تحمل الكلف، ما يخلق فجوة تعليمية واضحة. طابع تجاري وعن الجانب التجاري، توضح أن الدروس الخصوصية تحولت إلى سوق موازية للتعليم الرسمي، حيث يحدد بعض المعلمين أسعاراً مرتفعة قد تصل إلى مئات الدراهم للحصة الواحدة، ويعلنون خدماتهم عبر مواقع التواصل، في دلالة واضحة على الطابع التجاري للظاهرة.وتؤكد أن بعض المدارس بدأت بتقديم حصص دعم مجانية ومجموعات تقوية، كما أطلقت الوزارات التعليمية منصات رقمية توفر محتوى تعليمياً إضافياً، لكنها لا تزال بحاجة إلى تطوير وتفعيل أوسع.وأكدت أنه للحد من هذه الظاهرة من دون الإضرار بالطلبة، يجب تقنين عمل المدرسين الخصوصيين وتسجيلهم رسمياً لضمان الجودة، وتحسين مستوى التعليم داخل المدارس، وتدريب المعلمين على أساليب حديثة في التدريس، وتوفير دعم أكاديمي مجاني داخل المدرسة أو عبر المنصات الرقمية، وتوعية أولياء الأمور بمخاطر الاعتماد المفرط على الدروس الخصوصية. طرائق سهلة وأشار منصور عبدالله الحوسني، المتخصص في علوم البساتين من كلية الزراعة والطب البيطري بجامعة الإمارات، إلى انتشار الدروس الخصوصية في الآونة الأخيرة لأن كثيراً من الطلبة يشعرون أن شرح المعلم في المدرسة لا يكفي، خاصة مع ضغط المناهج والامتحانات، فباتت بالنسبة لهم ضرورة أكثر من كونها خياراً. لكن في المقابل، حولت هذه الظاهرة التعليم إلى نوع من التجارة، وأضعفت اعتماد الطلبة على المعلم داخل المدرسة. ويضيف الحوسني: من أبرز دوافع انتشار الدروس الخصوصية ضعف إيصال المعلومة في بعض المدارس، وضغط الاختبارات، ورغبة الطلبة في رفع درجاتهم. كما أن كثيراً من الطلبة يرون فيها وسيلة لتعويض النقص في المناهج وفهم المفاهيم بطرائق سهلة تتناسب مع أسلوبهم في التعلم. وبتجربتي الشخصية خلال المرحلة الثانوية، كنت أقدّم دروساً خصوصية في المواد العلمية، ولاحظت ارتفاع مستوى استيعاب الطلبة وتحقيقهم لمخرجات التعلم المطلوبة بكفاءة عالية. ضرورة تقول أم خالد، إن الدروس الخصوصية أصبحت ضرورة في الوقت الحالي، خاصة مع ازدياد المناهج صعوبة رغم أنها مكلفة وتشكل عبئاً شهرياً على الأسرة، فإنها تمنح الأبناء فرصة للفهم العميق والمتابعة الدقيقة. وأضافت: ابني في المرحلة الثانوية، وأخصص له نحو 1200 درهم شهرياً للدروس الخصوصية، لأنها تساعده على تحسين درجاته واستعداده للامتحانات النهائية. ظاهرة شائعة تشير أم مهرة إلى أن الدروس الخصوصية باتت ظاهرة شائعة بين الأسر، فمعظم أولياء الأمور يعتمدون عليها رغم كلفتها المرتفعة، إذ أصبحت عبئاً مالياً ثقيلاً لا يمكن الاستغناء عنه في ظل حاجة الأبناء إلى دعم إضافي.وأوضحت: لديّ أربعة أبناء في المدارس، وجميعهم يتلقون دروساً خصوصية، وتصل الكلفة الشهرية إلى نحو أربعة آلاف درهم. وأرى أن أبناءنا يعتمدون على المدرسة والمعلم الخصوصي معاً، فالأخير يسهم في رفع مستواهم الدراسي.