منذ انطلاق الموسم الثاني من The Last of Us، بدا جليًا أن صنّاع العمل يسعون لتوسيع نطاق السرد، وتعميق الصراع النفسي والإنساني في عالم غارق في البؤس والدمار. ومع أن الحلقات الثلاث الأولى قدمت تركيبة متماسكة من التوتر، والشخصيات المعقدة، والتصعيد المدروس، كانت الآمال كبيرة بأن تمثل الحلقة الرابعة نقلة جديدة في إيقاع الموسم، خصوصًا مع كثافة الأحداث وتعدد الفصائل التي تم التلميح لها في بدايتها. لكن عوضًا عن البناء على هذا الزخم، اختارت الحلقة مسارًا مخالفًا… بل محبطًا في كثير من لحظاته.
تبدأ الحلقة بأسلوب مشحون بالتوتر: كاميرا تلتقط التفاصيل بصمت ثقيل، موسيقى خافتة توحي بالخطر، وشخصيات تتحرك بحذر وترقب. هذه الافتتاحية ترسم توقعًا طبيعيًا بأن تصعيدًا دراميًا في الطريق، وأن المسلسل يتجه إلى مرحلة أكثر صراعًا وأكثر انكشافًا لما يختبئ خلف الشخصيات. هذا الشعور يتعزز بظهور أكثر من فصيل في المشهد العام، وهو ما يوحي بصراعات قادمة وتوسّع في خريطة القوى داخل العالم المنهار.
وجود الفصائل في هذا التوقيت كان فرصة ذهبية لإضفاء عمق على السرد، وإدخال مفاجآت أو تحولات تخدم الحبكة، خصوصًا أن المشاهد أصبح ينتظر انعكاس هذه التهديدات على مسار الشخصيات الرئيسية. ولكن ما حدث هو أن هذه الوعود البصرية والسردية تم التراجع عنها سريعًا، وكأن المسلسل خاف من أن يمضي إلى نهاية التصعيد. تم التخلي عن كل ذلك لصالح استكشافات جانبية لا تمهيد لها، وأحداث ساكنة لا تقدّم ولا تؤخر.
منتصف الحلقة يتحوّل إلى مساحة حوارية تأملية، تركز على مشاعر قديمة ونقاشات فلسفية خفيفة، لكنها لا تحمل أي مضمون فعلي يضيف للشخصيات أو يدفع القصة نحو الأمام. وحتى هذه المسارات، ورغم أنها قد تكون ذات قيمة في سياقات مختلفة، جاءت هنا غير متماسكة، وتفقد قوتها بسبب التوقيت الخاطئ. الحلقة تأتي في منتصف موسم قصير ومكثّف، وكل دقيقة فيه ثمينة، وكان الأجدر أن تُوظّف في الدفع بالقصة لا في التوقف عند نقاط لا طائل منها.
لكن وسط هذا التشتت، تبرز لحظة استثنائية تستحق التوقف عندها: مشهد التعذيب. هذا المشهد، رغم قسوته، كان من أفضل ما قُدّم في الحلقة، سواء من حيث الإخراج أو الأداء أو توظيفه دراميًا. الإضاءة كانت خانقة، الزوايا محددة بعناية لتعكس الخوف والانهيار، والممثلان المعنيان قدّما لحظات صدق نادرة. لم يكن المشهد عن العنف فقط، بل عن الانكسار، والتردد، وحدود إنسانية تنهار في لحظة ضغط نفسي وجسدي عنيف. كان بإمكان هذه اللحظة أن تكون نقطة انطلاق لتصعيد لاحق، لكنها للأسف بقيت معزولة، كأنها قطعة من مسلسل آخر أكثر شجاعة.
هذا التفوّق التقني في مشهد وحيد يجعل الحلقة تبدو غير متوازنة. فعلى الرغم من أن العالم البصري الذي بُني للموسم الثاني حتى الآن ما يزال محافظًا على قوته، إلا أن هذه الحلقة بالذات لم تُحسن استغلال عناصره لخدمة حبكة واضحة. كانت هناك لحظات صمت متقنة الصياغة، وحوارات مؤداها محترم، لكنها لم تثمر أي تحول في الشخصيات أو الأحداث.
وتبدو المقارنة مع بعض الحلقات من الموسم الأول ضرورية هنا. فالموسم الأول تميز بحلقات هادئة لكنها مملوءة بالرمزية والقرار، مثل الحلقة الثالثة الشهيرة التي روت علاقة إنسانية كاملة خلال وقت محدود، ونجحت بامتياز في الجمع بين الهدوء والهدف. أما الحلقة الرابعة من هذا الموسم، فتبدو أقرب إلى وقفة خجولة، تفتقر إلى العمق أو الجرأة.
الإخراج من الناحية التقنية يواصل التألق الذي عرفت به السلسلة. الكادرات مدروسة، وزوايا التصوير تُظهر المساحات المهجورة بطريقة شاعرية. الإضاءة تعكس حالات الشخصيات بذكاء، والموسيقى التصويرية، رغم استخدامها المحدود، تساهم في تكثيف اللحظات المؤثرة دون أن تطغى على المشهد. هذه التفاصيل البصرية تظل نقطة قوة مستمرة، وتمنح الحلقة طابعًا فنيًا عالي الجودة حتى في أحلك لحظاتها سرديًا.
الأداء التمثيلي كذلك يحافظ على مستواه، رغم ضعف المادة الحوارية في بعض المقاطع. الممثلون يجتهدون لاستخلاص ما يمكن استخلاصه من النص، وتبرز لحظات صمت وتوتر كانت مؤثرة في معزل عن السياق العام. هناك مشاهد معينة تشعرك أن الشخصيات على وشك الانفجار أو الانهيار، لكنها لا تكتمل، وتظل كامنة دون تفريغ درامي حقيقي.
النهاية جاءت باهتة إلى حد كبير، مجرد محاولة لربط الحلقة بباقي الموسم، لكن دون أي إحساس حقيقي بالترابط أو التمهيد. لم تحمل صدمة، ولم تفتح بابًا جديدًا، بل أكدت فقط أن الحلقة اختارت أن تكون وقفة جانبية، لكنها لم تُبنى بما يكفي لتكون وقفة “مهمة”. في النهاية، يشعر المشاهد أنه تابع ساعة من التمهيد، بلا مقابل فعلي.
ورغم هذه المآخذ، لا يمكن إنكار أن هناك نوايا جيدة في الكتابة والإخراج، محاولة لتقديم تنوع في الإيقاع بين حلقة وأخرى، وإبراز الطابع الإنساني داخل عالم مدمّر. لكن هذه المحاولة تحتاج لتوازن دقيق وتوظيف ذكي للحظات الهدوء، لا أن تأتي على حساب الدفع السردي، خاصة في موسم محدود الحلقات. ومع اقترابنا من النصف الثاني، فإن مثل هذه الحلقات تشكّل عبئًا على إيقاع الموسم وتوقعات الجمهور.
حلقة تفتقر إلى التركيز، وتُهدر بداية واعدة ومشهدًا قويًا لصالح تكرار بلا أثر. إخراج مميز وتمثيل متقن لا ينقذان حلقة كان من المفترض أن تكون نقطة تحول، لكنها اختارت أن تتراجع عند لحظة التصعيد.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.