نستكمل مقالتنا : Nitro (1990) في زمن أجهزة الحاسوب المنزلية بنظام 16-بت، لم يكن يُطلب الكثير من ألعاب السباقات ذات المنظور العلوي لتبرير وجودها. بمجرد أن يكون المسار واضحًا والسيارة عبارة عن مجموعة بيكسلات يمكن تمييزها، كانت اللعبة تؤدي المطلوب. لكن ما جعل Nitro تستحق التقدير هو محاولتها البطولية لإيصال قصة تحذيرية عن تفكك المجتمعات في حقبة ما بعد الحرب الباردة، من خلال مطاردة سيارات صغيرة وسط عالم على وشك الانهيار. تدور السباقات على طرق مهجورة في مستقبل قاتم، ويقودها ثلاثة شخصيات مستوحاة بشكل شبه ساخر من Clint Eastwood وRambo وJames Bond في زمن Roger Moore، ويبدو أن المحامين المتخصصين في حقوق الملكية الفكرية لم يكونوا من أولويات ذلك العالم المنهار. عند الوصول إلى المراحل الأخيرة من اللعبة، يتضح أن القنابل قد سقطت فعلًا، إذ تُعرض شاشة تحميل يظهر فيها إنسان وحيد في مواجهة وهج نووي هائل. لكن ما يبعث على السخرية -أو ربما الطمأنينة- أن سباقات السيارات استمرت رغم كل شيء، وسط عالم ملوّث ومتفتت، تمامًا كما فعلت الصراصير والمليارديرات الذين استعدوا لنهاية العالم. تُعرض مسارات السباق ملوّثة ببقع دم بشرية، في صورة حزينة ومأساوية، رغم أن المأساة الحقيقية تحدث عندما تمر فوق إحدى تلك البقع، فتتباطأ سيارتك لحظة وتخسر السباق. وبانسجام تام مع فكرة الانهيار المجتمعي، لا تنتهي اللعبة حين تخسر مركزًا في أحد السباقات، بل عندما ينفد الوقود لديك. الفوز يمنحك دفعة جديدة، لكنك تحتاج أيضًا لاصطدام البراميل على الطريق لتجديد المخزون. يشبه ذلك إلى حد ما “أزمة الوقود” الأخيرة، لكن بدلًا من الوقوف ثلاث ساعات في طابور أمام محطة Texaco، تصطدم بقوة بتعزيزات الوقود على الطريق وأنت تسابق خصومك بسرعة. وعندها يبدو أن نهاية العالم ليست سيئة تمامًا. Driver (1999) في وقت كانت فيه معظم ألعاب القيادة تضعك إما داخل سيارة خارقة حديثة أو في عربة كارتون مملوءة بالمتفجرات تقودها سلحفاة، جاءت لعبة Driver على جهاز PlayStation الأصلي لتكسر هذا النمط تمامًا. أعادت اللعبة عقارب الزمن إلى الوراء، وقدّمتك في دور شرطي متخفٍ يعمل كسائق هروب جريء، ضمن قصة تُشبه أفلام السرقة من السبعينيات. لكن هذه التجربة لم تبدأ إلا بعد تجاوز اختبار أولي بالغ الصعوبة: مهمة تدريبية في مرآب سيارات تحت الأرض، يفترض أن تُثبت فيها قدراتك على القيادة أمام أفراد العصابة. ولكثير من اللاعبين، تحوّلت هذه المهمة إلى اللعبة بأكملها، لأنهم فشلوا مرارًا في اجتياز المسار المتعرج دون الاصطدام المباشر بأحد الأعمدة الخرسانية. وبعد تجاوز هذا التحدي الصارم، تبدأ رحلتك في شوارع ميامي السبعينية، بمربعاتها المليئة بالمنعطفات القائمة بزاوية 90 درجة، وهي بيئة مثالية لمطاردات القط والفأر مع سيارات الشرطة. أما المهام المرتبطة بالقصة، فكانت مجرد غطاء؛ الجاذب الحقيقي كان في حرية التجوّل عبر نسخ ثلاثية الأبعاد مخلصة نسبيًا لمدن مثل نيويورك، ولوس أنجلوس، وسان فرانسيسكو، وميامي، بينما تلاحقك سيارات الدورية في كل زاوية. أتاحت لك اللعبة نمط “المخرج”، حيث يمكن تسجيل مشاهد الإعادة وتعديل زوايا الكاميرا لتُظهر أفضل اللحظات: القفزات المجنونة، والانجرافات، والدورانات العكسية. ومع أنظمة التعليق المتمايلة، والقطع التي تتطاير من السيارات، والأزقة المليئة بالصناديق القابلة للتحطيم، أصبحت Driver محاكاة مثالية لمطاردات أفلام هوليوود. MegaRace (1993) يصعب التحكم في لحظة الإلهام، ولهذا كان من حسن الحظ وسوئه في الوقت نفسه أن تظهر فكرة لعبة سباقات خيال علمي ضخمة لدى فريق Cryo Interactive عام 1993، في زمن لم تكن فيه أجهزة الحاسوب المنزلية قادرة بالكاد على تشغيل جدول بيانات بسيط للميزانية العائلية. وبدلًا من محاولة بناء مدينة ديستوبية باستخدام حفنة من المضلعات القليلة المتاحة، لجأ الفريق إلى خطة ذكية. تخلّى عن الرسوم ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي، واستعان بفيديوهات CGI مسبقة التصيير بجودة عالية تُعرض كخلفية للمضمار، بينما تُوضع سيارات اللاعب كصور متحركة فوقها. وبهذا أصبح الضغط على دواسة البنزين في اللعبة أقرب لتقديم شريط VHS أكثر منه محاكاة للقيادة الحقيقية. ورغم كل الصعوبات، جاءت تجربة MegaRace سلسة بشكل مفاجئ، خاصة أن السباق لم يكن يدور حول إتقان المنعطفات، بل كان يدور حول رشّ المنافسين بالرصاص. وكان دورك كـ”منفّذ” هو مطاردة وتصفية “قائد العصابة” من مجموعة سباق عدوانية، وكلها عبارات من المؤكد أنها بدت شديدة الروعة في أوائل التسعينيات. وما جمع كل هذه العناصر معًا هو فكرة عرض تلفزيوني واقعي من المستقبل، يقدّمه مذيع مباشر مقصود في كونه مزعجًا يُدعى Lance Boyle، بروح دعابة مزرية وذوق أسوأ في الملابس. وكان هدفه الوحيد على ما يبدو هو إثارة غضبك النفسي قبل أن تبدأ السباق. ومع ذلك، ظلّت التجربة ممتعة وآمنة نسبيًا، إذ حرصت اللعبة على التأكيد أن هذا الدم المسكوب والمتعة العدوانية لا تحدث في العالم الحقيقي، بل ضمن واقع افتراضي، وأن أقصى ما يواجهه المتسابقون هو الضرر النفسي من ارتطامهم بشوارع كوكب بعيد. لاعب متمرس، أعشق ألعاب القصة، ولا أجد حرجًا في قول أنني أحب ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أيضًا.