بعد أن استعرضنا الجزء الأول من ترتيب كل جهاز ألعاب كلاسيكي وفقًا لمدى ما يسببه من ألم لليدين نستكمل الجزء الثاني Atari 2600 يُعتبر جهاز Atari 2600 واحدًا من أشهر الأجهزة في تاريخ صناعة الألعاب وأكثرها تأثيرًا، فهو الذي ساهم بشكل كبير في انتشار ألعاب الفيديو المنزلية وربط الناس بتجربة شبيهة بما كانوا يجدونه في صالات الأركيد. وقد تميز هذا الجهاز عن غيره في ذلك الوقت بفضل تصميم وحدة التحكم الخاصة به، التي اعتمدت على فكرة غير معتادة ومختلفة تمامًا عن الوحدات التقليدية. فقد كان التركيز الأساسي على عصا تحكم (Joystick) يتم استخدامها بكامل اليد، وإلى جانبها زر واحد فقط مخصص للتنفيذ أو الهجوم، مما جعلها تبدو بسيطة جدًا من حيث الوظائف، ولكنها في الوقت نفسه فريدة ومختلفة عن غيرها. المشكلة الكبرى لم تكن في عدد الأزرار أو بساطة الفكرة، بل كانت في آلية الإمساك بالجهاز نفسه. فقد كان حجم وحدة التحكم أكبر من المعتاد، وشكلها الضخم والمربع جعلها أكثر صلابة وصعوبة في الإمساك. لم تكن مريحة على الإطلاق، بل إنها تسببت في شعور اللاعبين بالانزعاج سريعًا. فالوحدة كانت تتسم بزوايا حادة وحجم غير متناسق مع راحة اليد، ما جعل الإمساك بها لفترات طويلة أمرًا متعبًا. الأمر الأكثر إرهاقًا كان في طريقة الاستخدام. فعند اللعب، كان على اللاعب أن يستخدم يدًا كاملة لتحريك عصا التحكم في الاتجاهات المختلفة، بينما اليد الأخرى تمسك بجسم الوحدة وتعمل على تثبيتها ومقاومة الميل الناتج عن تحريك العصا. وهذا أدى إلى وضعية مرهقة للغاية، حيث إن إحدى اليدين تحاول التحريك في اتجاه معين بينما اليد الأخرى تضطر إلى مقاومة هذا الميل لإبقاء الجهاز ثابتًا. بمعنى آخر، كان اللاعب يشعر وكأنه يقاوم نفسه طوال فترة اللعب، وهو ما أدى إلى إجهاد كبير للعضلات وإحساس بالشد العضلي في اليدين والمعصمين وحتى الذراعين بعد جلسات ليست طويلة جدًا. وعلى الرغم من هذه العيوب الواضحة من الناحية الجسدية، فإن تصميم وحدة التحكم الخاصة بـ Atari 2600 كان فعالًا من الناحية العملية في وقتها. فقد قدم تجربة لعب متماسكة وأدى الغرض المطلوب، بل وأسّس لأسلوب جديد في التحكم بألعاب الفيديو ظل مؤثرًا لفترة طويلة. لكنه أيضًا كان مثالًا واضحًا على أن الكفاءة التقنية وحدها لا تكفي، وأن تجاهل عنصر الراحة في التصميم قد يجعل التجربة مؤلمة جسديًا رغم المتعة التي تقدمها الألعاب نفسها. ولهذا يتذكر الكثيرون Atari 2600 كوحدة تحكم أيقونية ومهمة في تاريخ الألعاب، لكنها أيضًا واحدة من أكثر الوحدات التي سببت مشاكل جسدية للاعبين. ColecoVision إذا كان جهاز ColecoVision معروفًا بشيء، فهو تجاهله التام لعنصر الراحة (Ergonomics) في التصميم مقابل التركيز على الابتكار والإبداع. فقد كانت وحدة التحكم الخاصة به مثالًا واضحًا على ذلك، إذ جمعت بين ميزتين غريبتين في تصميم واحد: مقبض دوّار (Knob) في الأعلى ولوحة أزرار رقمية مكونة من 12 زرًا في الأسفل. هذا الدمج أتاح عددًا هائلًا من الأوامر والإجراءات الممكنة مقارنة بأي وحدة تحكم أخرى في السوق في ذلك الوقت، لكنه جاء على حساب الراحة وسهولة الاستخدام بشكل كامل. المشكلة الجوهرية أن هذه الوحدة لم يكن لها طريقة إمساك “صحيحة” أو مريحة متفق عليها. فإما أن تضع يدك المهيمنة للتحكم بالمقبض العلوي من أجل الحصول على تحكم أدق، وهو ما يجعل اليد الأخرى مضطرة إلى التعامل مع لوحة الأزرار الممتدة بأسلوب غير مريح، أو أن تستخدم يدك المهيمنة للإمساك بالجهاز ذاته، مما يجبر إبهامك على التمدد والوصول إلى واحد من الأزرار الكثيرة في الأسفل. وفي كلا الخيارين، كانت النتيجة واحدة: ضغط شديد على الأصابع وإجهاد واضح في الإبهام. وما جعل الأمر أكثر سوءًا هو أن محاولة تثبيت وحدة التحكم في وضع ثابت بيد واحدة، مع محاولة اليد الأخرى الوصول إلى الأزرار والتحكم بالمقبض في الوقت نفسه، كان يضع اللاعب في موقف أشبه بتحدٍ بدني أكثر منه تجربة لعب ممتعة. فقد كان على اللاعب أن يقاتل لإبقاء الوحدة ثابتة وفي نفس اللحظة يحاول التنقل بين الأزرار والمقبض، وهو ما أدى إلى إرهاق كبير وشعور بتمدد زائد وغير طبيعي في الإبهام بعد فترة قصيرة من اللعب. يمكن القول إن وحدة تحكم ColecoVision كانت مبتكرة من حيث التنوع والإمكانات، لكنها مثال صارخ على أن الابتكار إذا جاء على حساب راحة اللاعب يصبح عبئًا أكثر منه ميزة. فقدمت تصميمًا فريدًا لكنه صعب، وأثبت أن تجاهل الأساسيات في تصميم الأدوات التفاعلية قد يحول أكثر الأفكار طموحًا إلى تجربة مرهقة وغير عملية. Philips CD-i قد يبدو إدراج جهاز Philips CD-i في قائمة الأجهزة ذات أسوأ وحدات التحكم أمرًا غير منصف تمامًا، وذلك لأن هذا الجهاز لم يُصمم في الأساس ليكون منصة ألعاب فيديو تقليدية. بل كان الهدف الرئيسي منه أن يكون جهاز وسائط متعددة يمكنه التعامل مع مجموعة واسعة من المهام الرقمية المختلفة، مثل أنظمة نقاط البيع في المتاجر، التدريب المؤسسي، والأغراض التعليمية. ولهذا السبب، لم يكن التركيز الأكبر على الألعاب وحدها. في الواقع، بعض إصداراته جاءت مع وحدات تحكم للألعاب كانت تبدو طبيعية نسبيًا وقابلة للاستخدام في سياق اللعب. لكن الأمر تغير تمامًا مع وحدة التحكم الخاصة بالإصدار CD-i 550 والمعروفة باسم paddle controller. فهذه الوحدة كانت، دون مبالغة، واحدة من أسوأ وحدات التحكم في تاريخ الألعاب. ويبدو أن تصميمها كان في الأصل موجهًا بشكل أكبر لاستخدامات العروض التقديمية في بيئة العمل بدلًا من الألعاب. فهي وحدة تحكم تُستخدم بيد واحدة، لكنها لم تراعِ أي شكل من أشكال الراحة أو Ergonomics الذي يجعلها مناسبة للتجربة التفاعلية المطلوبة في ألعاب الفيديو. طريقة توزيع الأزرار وآلية التحكم جعلت استخدامها بيد واحدة عملية بطيئة للغاية وغير عملية نهائيًا. فاللاعب كان يضطر إلى تحريك أصابعه بشكل غير مريح للتنقل بين الأزرار وتنفيذ الأوامر، وهو ما جعل الاستجابة أبطأ بكثير مما يمكن أن يتحمله أي لاعب في تجربة لعب حقيقية. أما إذا حاولت استخدام كلتا يديك مع هذه الوحدة لتسريع الأمور، فستجد نفسك أمام تجربة شبه مستحيلة، إذ إن التصميم لم يكن معدًا أصلًا لاستخدام اليدين معًا. النتيجة النهائية كانت وحدة تحكم مربكة، غير عملية، وبعيدة تمامًا عن أي تصور منطقي لأداة مخصصة للألعاب. هذه المشكلات جعلت paddle controller الخاصة بجهاز Philips CD-i تُذكر حتى اليوم كواحدة من أسوأ وحدات التحكم التي صُنعت على الإطلاق. فهي لم تقدم أي إضافة إلى تجربة الألعاب، بل على العكس، حوّلتها إلى تجربة بطيئة ومحبطة. وبذلك يمكن القول إن السبب الرئيسي في فشلها هو أن الجهاز نفسه حاول الجمع بين الاستخدامات العملية في بيئة العمل والوظائف الترفيهية للألعاب، لكنه لم ينجح في إرضاء أي من الطرفين. وفي النهاية، أصبح CD-i، وخاصة وحدة تحكم 550، مثالًا على كيف أن محاولة توسيع الاستخدامات دون دراسة كافية لاحتياجات اللاعبين يمكن أن تفسد التجربة بالكامل وتجعلها غير قابلة للتحمل. لاعب متمرس، أعشق ألعاب القصة، ولا أجد حرجًا في قول أنني أحب ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أيضًا.