بعد أن استعرضنا الجزء الأول والجزء الثاني من ترتيب كل جهاز ألعاب كلاسيكي وفقًا لمدى ما يسببه من ألم لليدين نستكمل الجزء الثالث Fairchild Channel F يُعتبر جهاز Fairchild Channel F واحدًا من أوائل المحاولات الجادة لتطوير تجربة لعب قائمة على عصا التحكم (Joystick)، وكان بالفعل خطوة مبتكرة في تاريخ صناعة الألعاب. فقد اعتمد على تصميم غريب نسبيًا في ذلك الوقت، حيث تميزت وحدة التحكم بوجود مقبض عصا كبير في نهايته رأس يمكن الإمساك به، بالإضافة إلى عمود طويل للحمل. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضافت وحدة التحكم وظائف إضافية مثل إمكانية تدوير المقبض، أو دفعه للداخل، أو سحبه للخارج لتنفيذ أوامر مختلفة، وهو ما وفر مستوى عالٍ من التنوع الوظيفي لم يكن مألوفًا حينها. لكن رغم هذه المرونة الكبيرة في الوظائف، إلا أن التجربة الفعلية لاستخدام وحدة التحكم لم تكن مريحة على الإطلاق، بل كانت مزعجة أكثر مما قد يتوقعه اللاعب. فالمقابض الثلاثية الشكل (Triangular knobs) كانت تضغط على اليد وتترك آثارًا مؤلمة إذا تم الإمساك بها بإحكام أثناء اللعب، بينما إذا حاول اللاعب الإمساك بها بشكل خفيف لتجنب الألم، فإن ذلك كان يؤدي بسهولة إلى التسبب في حركات غير مقصودة، مثل التدوير أو الدفع أو السحب، مما يؤدي إلى تنفيذ أوامر لم يكن اللاعب ينوي القيام بها. المشكلة الأخرى كانت في مادة التصنيع نفسها، حيث كانت الوحدة مصنوعة من البلاستيك الصلب الذي لم يساعد أبدًا على تحسين التجربة. فبدلًا من أن توفر ملمسًا مريحًا أو تصميمًا انسيابيًا، جعلت الخامة الصلبة كل تفاعل مع الجهاز أكثر قسوة على اليدين، وزادت من الشعور بعدم الراحة أثناء جلسات اللعب الطويلة. وبذلك، يمكن القول إن Fairchild Channel F كان جهازًا مبتكرًا للغاية من ناحية تقديم وظائف جديدة ومتعددة في وحدة التحكم، لكنه في الوقت نفسه فشل في تقديم تجربة مريحة للاعبين. فهو مثال واضح على أن الطموح في إضافة ميزات متقدمة إذا لم يُصمم بعناية ليتناسب مع الاستخدام الفعلي والراحة الجسدية، يمكن أن يتحول إلى عبء يجعل التجربة مرهقة أكثر منها ممتعة. Magnavox Odyssey يُعتبر جهاز Magnavox Odyssey من الأجهزة التاريخية التي وضعت اللبنة الأولى لعالم ألعاب الفيديو المنزلية، فهو أول جهاز ألعاب منزلي حقيقي تمت تجربته في السوق. في تلك الحقبة، لم يكن هناك تصور واضح لما يجب أن تكون عليه وحدة التحكم المثالية، ولم يكن هناك وعي كافٍ بمفهوم Ergonomics أو راحة اليدين أثناء اللعب. كما أن التكنولوجيا كانت محدودة جدًا، إذ لم يكن بالإمكان تقديم رسوميات معقدة أو ألعاب متقدمة. بل اعتمد الجهاز على إجراءات بسيطة للغاية، بل إن جزءًا من التجربة البصرية كان يتم من خلال استخدام أوراق بلاستيكية شفافة cling-on film تُلصق يدويًا على شاشة التلفاز لإضافة أشكال ورسوميات بدائية للعبة. أما وحدة التحكم الخاصة بالـ Odyssey فكانت بدائية إلى حد بعيد، إذ لم تكن على شكل وحدة تحكم كما نعرفها اليوم، بل كانت عبارة عن صندوق مستطيل يحتوي على مقبضين دائريين (dials) على الجانبين، وفي بعض النماذج كان هناك ثلاثة مقابض للتحكم. فكرة التصميم كانت أن يتم وضع الصندوق على سطح الطاولة، ثم يستخدم اللاعب كل يد للتحكم بأحد هذه المقابض لإدارة عناصر اللعبة. لكن هذا جعل التجربة صعبة للغاية وغير عملية، لأن الوحدة لم تكن مهيأة للاستخدام في وضعية الإمساك المباشر، بل كانت تتطلب وجودها مثبتة على سطح صلب حتى يمكن التحكم فيها. المشكلة الكبرى كانت أن هذه الآلية فرضت على اللاعبين أوضاعًا غير مريحة لأيديهم، حيث كان عليهم لفّ المقابض بزاوية غير طبيعية، مما تسبب في تيبس الرسغين وشعور بالتشنج عند اللعب لفترات طويلة. كان التعامل مع الجهاز ثقيلًا وصلبًا، ولم يمنح اللاعب أي شعور بالانسيابية أو السهولة، بل كانت التجربة ميكانيكية بشكل زائد عن الحد. ورغم هذه العيوب الكبيرة من ناحية الراحة وسهولة الاستخدام، فإن عنصر الحداثة والابتكار لعب دورًا كبيرًا في جعل اللاعبين يتجاهلون هذه السلبيات. فقد كان مجرد وجود لعبة فيديو يمكن لعبها في المنزل حدثًا ثوريًا في ذلك الوقت، بحيث غطى الإحساس بالدهشة على المشاكل الجسدية التي سببتها وحدة التحكم. اللاعبون لم يهتموا كثيرًا بآلام الرسغ أو صعوبة الإمساك، لأنهم كانوا يعيشون تجربة جديدة كليًا لم يسبق لها مثيل. وبهذا يمكن القول إن Magnavox Odyssey كان جهازًا بدائيًا جدًا من حيث التصميم والوظائف، لكنه رغم ذلك يُعتبر حجر الأساس لصناعة كاملة. فهو أظهر أن الألعاب المنزلية ممكنة، حتى لو كانت وحدات التحكم مربكة وغير مريحة. هذه التجربة كانت البداية التي مهدت الطريق للتطور الهائل الذي شهده مجال تصميم وحدات التحكم لاحقًا، حيث تعلمت الشركات من هذه الأخطاء وبدأت في التركيز أكثر على راحة اللاعبين وجودة التجربة. Nintendo 64 لقد كان من الواضح منذ البداية أن هذه القائمة ستنتهي عند هذا الجهاز تحديدًا. فمن بين جميع أجهزة الألعاب الكلاسيكية عبر التاريخ، لم ينجح أي جهاز في التسبب بمشاكل طبية حقيقية للاعبين مثلما فعل جهاز Nintendo 64. فقد تميز هذا الجهاز بوحدة تحكم فريدة من نوعها بتصميم ثلاثي الشعب (Three-Pronged Controller)، حيث احتوت على عصا تحكم (Joystick) موضوعة في المنتصف. كانت الفكرة أن يقوم اللاعب بإمساك الوحدة بطرق مختلفة تبعًا لطبيعة اللعبة، وهو ابتكار مثير للاهتمام من الناحية النظرية، لكنه تحول إلى مشكلة كبيرة عند التطبيق العملي. أحد أبرز المشاكل كان بسبب مادة البلاستيك القاسية التي استُخدمت في صناعة عصا التحكم. فعند الاستخدام الطويل، كانت هذه المادة تسبب احتكاكًا مباشرًا مع الجلد، مما يؤدي إلى تهيج البشرة والشعور بالألم. ولكن الكارثة الحقيقية جاءت مع الشعبية الجارفة للعبة Mario Party، التي تضمنت لعبة صغيرة تعتمد على تدوير عصا التحكم بسرعة كبيرة في حركة دائرية. الطريقة الأشهر والأكثر فعالية بين اللاعبين آنذاك كانت وضع العصا في منتصف راحة اليد وتحريكها عن طريق فركها بقوة. هذه الحركة أدت إلى احتكاك شديد بين البلاستيك الصلب وبين الجلد الطري في راحة اليد، وهو ما تسبب في إصابات وجروح حقيقية عند كثير من اللاعبين. في بعض الحالات، كان الأمر يصل إلى خدوش عميقة وحتى بثور مؤلمة في اليدين. لقد أصبحت هذه المشكلة مألوفة لدرجة أن معظم مالكي جهاز N64 واجهوها على الأقل مرة واحدة، وتحولت إلى جزء من ذاكرة اللاعبين مع هذا الجهاز، حتى أن الصحافة آنذاك تناولت هذه القضية. ورغم أن تصميم وحدة تحكم Nintendo 64 كان مبتكرًا وفتح آفاقًا جديدة في طريقة التفاعل مع الألعاب، فإنه أثبت أيضًا أن الابتكار إذا لم يراعِ الراحة وسلامة المستخدم يمكن أن تكون له عواقب جسدية حقيقية. وهكذا أصبح N64 ليس مجرد جهاز كلاسيكي ناجح، بل أيضًا رمزًا لمخاطر التصميم غير المدروس الذي قد يحول تجربة اللعب من متعة إلى إصابة مؤلمة. لاعب متمرس، أعشق ألعاب القصة، ولا أجد حرجًا في قول أنني أحب ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أيضًا.