سنكمل في هذا الجزء ما بدأناه في الجزء الأول من المقال للحديث عن باقي الاختلافات بين Mafia: The Old Country و 3 Mafia. فهرس المقال الجزء الأول من هنا. الجزء الثاني الذي تقرأه الآن. اختلاف اللغة اللغة كانت دائمًا القلب النابض لسلسلة Mafia، والعنصر الذي يمنحها ذلك الإحساس الغامر بالواقعية. لكن مع Mafia: The Old Country، قرر فريق Hangar 13 أن يرفع سقف الانغماس إلى مستوى غير مسبوق. لأول مرة في تاريخ السلسلة، لا يُراد للعبة أن تُخاض باللغة الإنجليزية، بل باللغة الصقلية. النص الأصلي كُتب بالصقلية، والممثلون الصوتيون هم من أبناء المنطقة، ويؤكد الفريق أن هذه هي الطريقة “الشرعية” لتجربة اللعبة كما أرادوا لها أن تكون. ورغم توفر دبلجات بلغات متعددة، بما فيها الإنجليزية، فإنهم اختاروا عن قصد ألا يقدموا نسخة إيطالية، احترامًا للفروق الثقافية واللغوية بين الإيطالية والصقلية. صحيح أن Mafia III لم تكن ضعيفة من حيث الصوتيات، فقد احتوت على لهجات ومصطلحات دقيقة تعكس الحقبة الزمنية، لكنها لم تصل إلى مستوى الالتزام اللغوي والثقافي الذي تقدمه The Old Country. هنا، اللغة ليست مجرد وسيلة، بل جزء من الهوية، من الطقوس، من العالم الذي تُبنى فيه القصة. إنها ليست ترجمة، بل انتماء. ترقية محرك اللعبة بينما اعتمدت Mafia III على نسخة مطوّرة من محرك Illusion المستخدم في Mafia II، قرر فريق Hangar 13 الانتقال إلى Unreal Engine 5 في Mafia: The Old Country. من الناحية البصرية، يصعب إنكار أن هذا القرار كان موفقًا، خصوصًا مع التركيز الكبير على المشاهد السينمائية داخل اللعبة لسرد قصة مصقولة بعناية. تقنيات مثل MetaHuman ساهمت في رفع جودة تعابير الوجه بشكل ملحوظ، بينما تظهر آثار Nanite و Lumen بوضوح في تضاريس صقلية الوعرة والمضاءة بشكل حيّ في عروض اللعب والفيديوهات الترويجية. إلغاء نظام إدارة الزعماء في Mafia III، كان بناء الإمبراطورية مدعومًا بنظام إدارة الزعماء، حيث يقوم لينكولن بتوزيع السيطرة على المناطق التي استولى عليها لصالح زعمائه الفرعيين. الحفاظ على علاقة جيدة معهم من خلال توزيع الموارد بشكل عادل كان ضروريًا لبناء إمبراطورية مستقرة. أما في Mafia: The Old Country، فبسبب طبيعتها السردية المركّزة، لا يوجد مجال لنظام مشابه. إلغاء المهام الجانبية إلى جانب التخلي عن إدارة الزعماء، تخلّت Mafia: The Old Country عن العديد من عناصر العالم المفتوح التي ميزت Mafia III. المهام الجانبية أُزيلت بالكامل تقريبًا، نظرًا لأن القصة تُروى بطريقة خطية صارمة لا تسمح بتشعبات. حتى المقتنيات تم تقليصها إلى الحد الأدنى، مع تأكيد Hangar 13 أن هناك فرصًا محدودة لاستكشاف جمال صقلية واكتشاف بعض المقتنيات العرضية فقط. السكاكين بدلًا من الأسلحة النارية في صقلية أوائل القرن العشرين، لم يكن الوصول إلى الأسلحة النارية أمرًا شائعًا حتى بين رجال العصابات. كانت النزاعات تُحسم بحد السكين. والأهم من ذلك، أن السكاكين كانت تحمل دلالات ثقافية عميقة، حيث لعبت مدرسة القتال الصقلية بالخنجر دورًا كبيرًا في تشكيل أساليب القتال الوحشية التي استخدمها رجال المافيا في تلك الحقبة. ندرة الموارد في Mafia: The Old Country، لا يتعلق القتال بالقوة أو الكثرة، بل بالبقاء على قيد الحياة بأقل الإمكانيات. أراد فريق Hangar 13 أن يشعر اللاعبون بأن حياتهم معلّقة بخيط رفيع في كل مواجهة، وأن النجاة تتطلب تفكيرًا حادًا وتخطيطًا دقيقًا. الذخيرة نادرة، والموارد محدودة، مما يجعل كل طلقة في مسدس إنزو ثمينة. هذا التوجه يفرض على اللاعبين أن يتعاملوا مع القتال كفن تكتيكي، لا كاستعراض ناري. الموسيقى الأصلية على عكس Mafia III التي استخدمت موسيقى مرخّصة من حقبة الستينيات لتثبيت هويتها الزمنية، تعتمد Mafia: The Old Country على موسيقى أصلية بالكامل. تم تأليفها خصيصًا للعبة باستخدام آلات شعبية تقليدية من أوائل القرن العشرين، وتغلفها أجواء صوتية خافتة تضيف عمقًا سينمائيًا للتجربة. هذا الخيار لا يرسّخ فقط الإحساس بالزمن والمكان، بل يعكس أيضًا الطابع الثقافي المحلي لصقلية، ويمنح اللعبة نغمة فريدة تتماشى مع سردها الهادئ والمركّز. السينمائية بحسب وصف فريق Hangar 13، فإن تجربة Mafia: The Old Country تشبه مشاهدة فيلم مافيا كلاسيكي. لتحقيق هذا الهدف، تم تصميم اللعبة بأسلوب سينمائي متكامل، حيث تتداخل لحظات اللعب الموجهة بدقة مع مشاهد تمثيلية محكمة. الأحداث تسير بشكل زمني متسلسل دون أي قفزات زمنية، مما يمنح القصة طابعًا سرديًا متماسكًا يليق بالأفلام. الأسلوب البصري ما يعزز هذا التدفق السينمائي هو اللغة البصرية التي تعتمدها اللعبة. المشاهد تتكشف بوتيرة هادئة، والديكورات الداخلية مضاءة بأسلوب مستوحى من أفلام الجريمة، بينما تحتضن الريف الصقلي الهدوء والسكينة. بالمقارنة مع سابقتها، فإن Mafia III كانت أكثر جرأة بصريًا، بألوانها الزاهية وتقديمها الصاخب، مما يجعل أسلوب The Old Country أكثر نضجًا وهدوءً. سعر أقل من المتوقع في خطوة تخالف الاتجاه السائد نحو الألعاب المليئة بالمحتوى الزائد، تأتي Mafia: The Old Country بسعر أقل من Mafia III عند الإطلاق. هذا القرار يعكس احترامًا لمحتوى اللعبة المصقول، ويمنح اللاعبين فرصة لتجربة سردية مركّزة دون دفع أسعار مبالغ فيها. في زمن أصبحت فيه أسعار الألعاب الجديدة تلامس حاجز الـ80 دولارًا، فإن تسعير The Old Country يبدو منعشًا ومقدرًا للجهد المبذول دون المبالغة. كاتب أعشق ألعاب الفيديو منذ أيام جهاز العائلة، و أفضل ألعاب المغامرات أمثال Tomb Raider و Assassins Creed (قبل التحول للـRPG)، ليس لدي تحيز لأي جهاز منزلي بالنسبة لي الأفضل هو الذي يقدم الألعاب الأكثر تميزاً. ما يهمني هو التجارب ذات السرد القصصي المشوق فالقصة هي أساس المتعة أكثر من الجيمبلاي.