في تجربةً غارقة في الكوابيس، يسير طفلان صغيران وسط عوالم مشوّهة تتأرجح بين الحلم والجنون، يطاردان بصيصًا من الأمل في أماكن تفيض بالظلال والمخاطر، وفي أعماق كابوسٍ لا يُدرك بالعقل، لا سبيل لدخوله إلا عبر النوم، ولا مفر من أهواله إلا باليقظة المستحيلة، يجدان نفسيهما عالقين داخل متاهة تُدعى Spiral، تتلوى كأنها حلم يوشك أن ينقلب إلى جنون، تتربص بهما فيها وحوش بتصميمات مشوهة، وجدران تنبض بالخوف. هناك، لا يملك الطفلان سوى بعضهما، يتعاونان لنجاةٍ تبدو أبعد من المتناول، وسط عالمٍ يبتلع الأمل كما تبتلع الظلال الضوء.
نرحب هنا بطفلين جديدين يُدعيان Low و Alone، يحاولان الفرار من عالم غامض يُعرف باسم Nowhere، وهو عالم يشبه الحلم ولا يمكن دخوله إلا عبر النوم. يجد الاثنان نفسيهما محاصرين داخل مجموعة من الأماكن المقلقة تُعرف باسم Spiral، ويجب عليهما التعاون معًا لحل الألغاز، والتغلب على وحوش مرعبة بتصميمها الغريب، والبحث عن طريق للخلاص من مصير مخيف ينتظرهما.
تقدّم Little Nightmares 3 مجموعة من التحسينات والاختلافات الواضحة عن الأجزاء السابقة، ما يجعلها تجربة جديدة رغم حفاظها على طابعها الكئيب والمضطرب الذي اشتهرت به السلسلة، وأبرز ما يميز اللعبة هذه المرة هو تقديم شخصيتين جديدتين هما لو، الطفل الذي يرتدي قناع الغراب، وألون، الفتاة ذات الجديلتين وبدلة القفز الخضراء، ويتيح وجود بطلين مختلفين تجربة لعب جماعية تعاونية لأول مرة في السلسلة، رغم أن هذا النمط متاح فقط عبر الإنترنت دون خيار اللعب المحلي، وهو ما يُعدّ خيبة أمل لبعض اللاعبين الذين يفضلون اللعب المشترك على نفس الجهاز وأنا في مقدمتهم.
تبدو اللعبة في هذا الجزء أكثر طموحًا من حيث التصميم والمحتوى، إذ تقدم مجموعة فصول يمتد كل منها لحوالي ساعة، لكنها تركز في جزئها الأكبر على الشعور بالوحدة وتأمل التصميمات الفنية للعوام المنهارة التي تزورها، مما يجعل وقت اللعب الفعلي أقصر بكثير مما تظن، وربما أقصر من الجزئين الماضيين.
ورغم ما سبق، لدى اللعبة كل الحق في التباهي بالتنوع الكبير في البيئات الجديدة، إذ تبتعد كليًا عن المواقع الكلاسيكية مثل The Maw و Pale City، مما يمنح اللاعبين إحساسًا بالتجديد والمغامرة في عالم مختلف تمامًا، وتُعد البيئات نموذجًا لما تبرع به السلسلة دائمًا، مثل مصنع الحلوى، إذ ستجد نفسك في عالم ضخم وقاسٍ يجعلك تشعر بصغر حجمك وعجزك الكامل، وتمرّ عبر خطوط إنتاج هائلة تتدلّى منها أجساد بشرية تُحرّك الآلات، في مشهد يجمع بين الوحشية والحزن. الألوان الباهتة وحركة الكاميرا الهادئة تخلقان تأثيرًا شبه منوّم، بينما غياب السرد الواضح يمنح اللعبة طابعًا أشبه بالأحلام المشوشة التي يصعب نسيانها وتبقى عالقة في ذهنك على هيئة ومضات طوال حياتك.
على الجانب الآخر، فوجود أعداء جدد مثل Monster Baby و Supervisor بقدرات مطاردة مختلفة تشعر اللاعب دومًا بأنه فريسة يضيف عنصر توتر وتشويق لم ينقطع في كل فصل رغم محدودية تلك الأوقات، ويظهر ذلك جليًا في أحد المواقف حين حاول الطفلان التسلل خلسة لتفادي سيدة عجوز غريبة الأطوار يبدو أنها تنوي التهامهما، فالأجواء المزعجة والتصميم المليء بالتفاصيل المقلقة أعادا الإحساس المعروف عن السلسلة، وجعلها تبدو كخليفة ممتازة لجزئيها السابقين ولا تقل عنهما إثارة.
رغم مخاوف انتقال تطوير الجزء الثالث إلى استوديو SuperMassive Games بعد مغادرة Tarsier Studios، إلا أن ذلك منح اللعبة طابعًا مختلفًا على مستوى السرد والأسلوب البصري. يُعرف استوديو SuperMassive بقدرته على تقديم تجارب سينمائية مشوقة تركز على القرارات والتوتر النفسي، مما قد منح هذا الجزء عمقًا دراميًا أكبر وتفاعلًا سرديًا أكثر تأثيرًا، والذي أثر سلبًا على أسلوب اللعب في بعض الفصول من خلال التركيز على شعور الوحدة والخوف بشكل مبالغ فيه، لكنه منح التجربة تحسينات ملحوظة في وتيرة السرد وتتابع الأحداث برتم أفضل وأكثر جذبًا مقارنة بالأجزاء السابقة.
تمنحك اللعبة شعورًا دائمًا أنك لست هنا لتنتصر أو تُغيّر شيئًا، بل لتنجو فقط، وتفعل ذلك من خلال جعل ضعفك نفسه جزءًا من التجربة، ما يعني أن الخطر الحقيقي ليس في الموت، بل في ما قد تراه قبل الوصول إليه. بهذه البساطة، تُثبت اللعبة مرة أخرى قدرتها على تقديم رعب بصري ونفسي لا يشبه أي تجربة أخرى، ويدعو للتفكير والتأمل في كل مشهد.
يعتمد أسلوب اللعب على التعاون البسيط بين البطلان لعبور التحديات المختلفة التي تعترض طريقهما، سواء كانت ألغاز تحتاج لجمع قطع محددة للمضي قدمًا وفتح باب ما، أو معركة سريعة مع حشرات طائرة تحاول إلتهامهما بكل وحشية لإشباع غريزتها، وللمرة الأولى في السلسلة، يملك كل بطل سلاحًا خاصًا به، مما أضاف عنصرًا جديدًا للتنوع في اللعب. ورغم هذه الإضافة، إلا أن أسلوب الحركة والقفز وحل الألغاز مازال قريبًا جدًا من الأجزاء السابقة، إلى درجة تجعل من الصعب تصديق أن مطورًا جديدًا يقف خلف اللعبة.
أما القتال، فهو يظهر في لحظات نادرة لكنه فعّال. عند مواجهة الدمى الحية مثلًا، يضرب لو أولًا سهمه ليسقط الرأس، بينما تتكفّل ألون بتحطيمه نهائيًا بمفتاحها. هذا التناغم بين الشخصيتين يضيف بعدًا جديدًا للتعاون ويُدخل عنصر التوقيت المتزامن في أسلوب اللعب، ما يجعله أكثر تحديًا، خصوصًا أن أي خطأ من أحد اللاعبين قد يؤدي إلى فشل المشهد بأكمله.
تشكل الألغاز التعاونية العمود الفقري للعبة، وتتطلب تنسيقًا مستمرًا بين اللاعبين، وهي دائمًا مشحونة بالتوتر والتشويق. في أحد الألغاز تستخدم ألون مفتاحًا ضخمًا يمكنه كسر الأقفال وفتح الممرات، في حين يمتلك لو قوسًا وسهمًا يُستخدم للوصول إلى أماكن مرتفعة وفتح طرقًا جديدة لم تكن متاحة من قبل، لكن وصف ما يظهر في التجربة بـ"الألغاز" فيه شيء من المبالغة، إذ تميل أغلب المواقف إلى التفاعلات البسيطة مثل تحريك الصناديق، وتشغيل المفاتيح، أو تعطيل الكهرباء لفتح الطريق.تنتقل اللعبة من حين لآخر إلى مقاطع التخفي الكلاسيكية التي تُضفي على اللعبة توترًا مألوفًا، فالرعب هنا لا ينبع من الخوف من الوقوع في قبضة من يطاردة سواء كان طفلًا عملاقًا أو عجوز شمطاء، بل من اضطرارك للنظر في ملامحه تلك المخلوقات الغريبة والمزعجة أثناء محاولتك الهروب.
بوجه عام، يشكل التعاون بين اللاعبين جوهر التجربة، إذ يتطلب التقدم في اللعبة تضافر الجهود، سواء لفتح ممرات أو تجاوز العقبات، ويضفي هذا العنصر التعاوني بُعدًا جديدًا يوازن بين التوتر والمرح، خاصة عندما يحاول اللاعبان استخدام قدراتهم بطرق مختلفة في هذا العالم الكئيب والمليء بالمخاطر.
تقدّم Little Nightmares 3 تجربة تعاونية فريدة لأول مرة في السلسلة، مع شخصيتين مميزتين وتنوع كبير في البيئات التي تجمع بين الجمال والقسوة، ويحتفظ الجزء الجديد بالأجواء القاتمة والتصميم الفني الملفت، مع تحسينات في السرد والسينمائية بفضل لمسات Supermassive، لكن اقتصار اللعب التعاوني على البحث عبر الإنترنت فقط يُعدّ خيبة أمل كبيرة، كما أن بعض الألغاز بسيطة ومكررة، ويطغى التركيز الزائد على الجانب الفني على حساب التحديات الفعلية وأسلوب اللعب.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.