التوجهات الإستراتيجية الحالية لدى وزارة التعليم أن تكون المدرسة الركيزة الأساس في رحلة الطالب التعليمية، والبيئة التي يعوّل عليها تحقيق نواتج تعلّم أفضل، ومحور العمل التربوي فكراً وقيماً وسلوكاً، إلى جانب أن تكون المدرسة منطلقاً للحياة والمستقبل، وحاضنة للمواهب، ومصدراً مهماً في تشكيل العلاقات، ومحكاً في معالجة المواقف، واكتساب التجارب والخبرات.ومع تلك التوجهات؛ تعتزم وزارة التعليم رفع ميزانية المدارس، وتحويل جزء من مخصصات ميزانيات المكاتب والإدارات التعليمية التي تم إغلاقها مؤخراً إلى المدارس؛ لتعظيم الأثر التعليمي والتربوي نحو المزيد من الصرف على الأنشطة والفعاليات التي تحقق عنصر الجاذبية للبيئة المدرسية، وتحديداً بعد أن فقدت الكثير من خصائص تلك الجاذبية، ولعل ظاهرة الغياب الجماعي للطلبة أحد أهم الآثار السلبية في ذلك.اليوم مع إيماننا العميق بسلامة توجهات وزارة التعليم نحو البيئة المدرسية، وأهميتها في هذه المرحلة، إلّا أن متطلبات ذلك يحتاج إلى توفير عناصر أساسية من السلامة، والأثاث، والنظافة، والتكييف، والملاعب، والمكاتب، والأنشطة، وغيرها، والهدف هو تقليل التباين الحاصل الآن بين بيئة تعليمية وأخرى، كما تتطلب هذه البيئة أيضاً التطوير المستمر للمعلم، وتقويم نواتجه، والاحتكام إليها في تقارير الأداء، وخصوصاً مع الدور الكبير الذي تؤديه اليوم هيئة تقويم التعليم والتدريب في هذا التوقيت مع وزارة التعليم.وجود تلك المتطلبات مهم في موضوع الجاذبية للبيئة المدرسية، ولكن هناك أيضاً الأفكار التطويرية للأنشطة والفعاليات التي تقام داخل المدرسة، والتي لا تقل أهمية عن غيرها من المتطلبات الأخرى التي تحقق الهدف الإستراتيجي من تلك التوجهات، وهو أن يذهب الطالب إلى المدرسة ولديه الرغبة والحماس للحضور والتفاعل والمشاركة.إحدى هذه الأفكار المهمة هو تأسيس نادٍ إعلامي في كل مدرسة، حيث أثبتت الدراسات والممارسات أن طلبة المدارس يمثلون اليوم في غالبيته جيل (ألفا) الذي نشأ على الإنترنت، وهو أول جيل رقمي ترعرع في بيئة تهيمن عليها الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وهذا الجيل لديه القدرة الفائقة على استخدام الألعاب كوسيلة للتعبير عن أنفسهم وتعزيز إبداعهم بشكل أكبر، كما أن لديهم الرغبة في التواصل والمشاركة كوسيلة للتعلّم واكتساب المهارات، إضافة إلى أن هذا الجيل الرقمي مختلف تماماً في أولوياته واهتماماته، ونظرته لمن حوله؛ فضلاً عن الحياة والمستقبل.وجود نادٍ إعلامي في المدرسة لا يقلل من التوجهات الحالية لدى وزارة التعليم بتخصيص أيقونات الألعاب والترفيه ضمن «منصة مدرستي»، ولكن هذا النادي تنبع فكرته في محاكاة التجربة التي يقضيها الطالب في منزله أثناء تعامله مع المواقع والتطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث يمارس نشاطه الاتصالي، ويصنع المحتوى، ويشارك فيه، والأهم أن يكون هناك توعية وتثقيف داخل النادي في التعامل مع المنصات الرقمية، وتعزيز مصفوفة القيم الوطنية والتربوية من خلال تلك الممارسات، والكشف عن سلبيات تلك المنصات والتحذير منها، وخصوصاً مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، وظاهرة التزييف العميق في المحتوى المنشور، والحد من ظاهرة شغف هذا الجيل في الشهرة، والبحث عن الإثارة.تخيّل تخصيص فصل دراسي في المدرسة ليكون نادياً إعلامياً، ويتكون من شاشة عرض، وأجهزة ذكية، ويحضر الطلبة، ويقدمون محتوى في المنصات، ويحصلون على التوعية والتثقيف والتوجيه من معلميهم، وتزداد ثقتهم بأنفسهم، وتنمية قدراتهم في التعامل مع المحتوى السلبي، وتعزيز واجبهم في الدفاع عن وطنهم والاعتزاز بالانتماء إليه.تخيّل كل ذلك في مشاركة جماعية تواصلية بين الطلبة في المدرسة، ويقف معهم معلموهم؛ فالنتائج الأولية أن يظهر لنا جيل رقمي محصّن بالقيم، والتعبير عن هويته الوطنية، وقادر أن يدرك منذ الصغر كيف يتعامل مع منصات التواصل الرقمي، والأهم أن المدرسة أصبحت جاذبة لممارسة ما يحبه؛ ليجد نفسه شغوفاً بما سيقدمه من إمكانات وتنافسية مع زملائه في هذا النادي. أخبار ذات صلة