01 يوليو 2025, 10:28 صباحاً
تواصل "آبار لينة" الواقعة شمال المملكة إثارة الجدل بين الباحثين والمؤرخين، وسط تباين واسع في تفسير أصلها، فبينما تتواتر روايات تراثية تنسب حفرها إلى جنّ النبي سليمان عليه السلام، يطرح باحثون ميدانيون نظريات حديثة تستبعد ذلك، مستندين إلى شواهد جيولوجية ومعطيات أثرية على الأرض.
وتُعد آبار لينة، التي يزيد عددها على 300 بئر، من أبرز معالم قرية لينة التابعة لمحافظة رفحاء. ويصل عمق بعضها إلى نحو 20 مترًا، فيما تتميز بضيق فوهاتها، إذ لا يتجاوز قطر بعضها نصف متر، كما أنها محفورة في صخور رسوبية صلبة، ما يجعل طريقة إنشائها محط اهتمام وتساؤل مستمرين.
جنّ سليمان يحفر الآبار
وفقًا لكتب تراثية مثل "معجم البلدان" لياقوت الحموي و"لسان العرب" لابن منظور، تعود قصة آبار لينة إلى عهد النبي سليمان عليه السلام. وتذكر إحدى الروايات أنه مرّ بالمنطقة بجيشه، فعطش الناس، فضحك أحد الجن قائلاً إنهم يقفون على ماء وفير دون أن يعلموا. فأمرهم النبي سليمان بالحفر، فانبثقت المياه، وبقيت الآبار شاهدة على ذلك الحدث.
أما العلامة حمد الجاسر، فذكر أن "لينة ماء لبني غاضرة"، مضيفًا رواية أخرى تقول إن من حفرها هم شياطين سليمان عليه السلام، في إشارة إلى تسخيرهم في المهام الخارقة، ومنها شق الآبار في الأرض.
وتجد هذه الروايات صدى في الثقافة الشعبية المحلية، مدعومة بصعوبة الحفر في مثل هذه الصخور قديمًا، وضيق الآبار الذي لا يسمح بدخول الإنسان، ما جعل نسبة الحفر إلى قوى خارقة كالجن أمرًا مقبولًا عند البعض.
باحثون ينفون الأسطورة
في المقابل، يرى باحثون أن هذه الروايات لا تصمد أمام الشواهد العلمية، من بينهم الدكتور عيد اليحيى، مقدم برنامج "على خُطى العرب"، الذي أكد أن ما رآه على أرض الواقع من مجسّات محفورة بجانب الآبار يدل على أن الحفر تم بأيادٍ بشرية، باستخدام أدوات بدائية، مثل صخور بازلتية مُثبتة على أخشاب بطريقة البَري والدوران.
وأضاف أن الجنّ مخلوقات غير مادية، ولا يمكنها القيام بأعمال شاقة كالحفر، لافتًا إلى أن الموقع الجغرافي للينة لا يتطابق مع المسار المحتمل لرحلة النبي سليمان بين بيت المقدس واليمن.
ومن جانبه، فنّد الباحث في الجغرافيا والآثار تركي القهيدان، الروايات التي تنسب آبار لينة إلى الجن، مؤكدًا أنها نتاج عمل بشري، مشيرًا إلى أن الصخور من نوع الدولوميت الرسوبي، القابل للنحت، وأن الحفر تم غالبًا في نقاط ضعف وشقوق طبيعية لتسهيل الوصول إلى المياه.
وأضاف أن هناك آبارًا مشابهة في مناطق مثل القصيم وسكاكا والحِجر، تؤكد قدرة الإنسان القديم على تنفيذ مثل هذه الأعمال، دون الحاجة لنسبها إلى الجن أو القوى الخارقة.
وتابع: "سيدنا سليمان لم يذهب إلى بلقيس في اليمن، ونُبطِل خُرافة حفر الجن لآبار لينة – كما ورد في معجم البلدان ولسان العرب – بكلمة واحدة في القرآن: (وأْتُونِي)، فالصواب أن بلقيس جاءت إلى سليمان في فلسطين، كما قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 31]".
واعتبر القهيدان أن هذه الروايات تُهمّش دور الإنسان القديم، وتُغفل احتمال وجود حضارات متقدمة عاشت في الجزيرة العربية، داعيًا إلى الابتعاد عن التفسيرات الأسطورية، والركون إلى العلم والبحث الميداني.
دعوة للفصل بين الرواية والأسطورة
وبين الروايتين، تتزايد الدعوات لإجراء دراسات أثرية وجيولوجية ميدانية دقيقة، لتحديد عمر آبار لينة، وأدوات حفرها، ونمط إنشائها. ويأمل الباحثون أن تسهم هذه الدراسات في الفصل بين الرواية التراثية والتفسير العلمي القائم على الأدلة المادية.
ولا يزال ملف "آبار لينة" مفتوحًا، بانتظار كلمة حاسمة من البحث العلمي، تُنصف التاريخ، وتفسر هذا الأثر الفريد بعيدًا عن الغموض، دون أن يُطمر تاريخ الإنسان القديم تحت ظلال الأسطورة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.