حين تتأمل تحوّلات الأغنية الخليجية في العقدين الأخيرين، لا يمكنك المرور دون أن تتوقف طويلاً عند بصمة شاعرٍ شابٍ كتب بروحٍ أكبر من عمره، ونبضٍ يتقد كمن يكتب للمرة الأولى والأخيرة في كل نص. إنه عبدالله أبو راس، الشاعر الذي لم يكن ينسج القصائد بقدر ما كان ينفخ فيها الحياة، ثم يتركها تبحر على ألسنة الأصوات.هو ليس شاعراً ظهر ثم اختفى، بل ركيزة جمالية في قلب الأغنية السعودية الحديثة؛ مَنحها لغتها الجديدة، وجعلها أقرب إلى الشارع، وأصدق في التعبير، وأكثر التصاقاً بالمزاج العاطفي لجيلٍ جديد.عبدالله أبو راس، لم يكن تابعاً لمدرسة سابقة، بل صاغ مدرسته الخاصة. كتب عن الحب لا كمقامٍ عابر، بل كحالة مشروطة بالنضج والخذلان والفرح المؤقت. كتب للوطن، لا كواجب، بل كنداء داخلي. كتب للحبيبة، لا من برج عاجي، بل من نفس الرصيف.رحل باكراً، لكن أعماله بقيت تتردّد في ذاكرة المستمع الخليجي والعربي: من «أيام السراب» التي غناها راشد الماجد، إلى «قالوا الحب أعمى» بصوت رابح صقر، إلى «أبشرك حنا بخير» لماجد المهندس، و«لبيه يا الحد الجنوبي»، و«سحرني حلاها»، التي تجلّت فيها لغته العاطفية المتوهجة.وفي 2022، جاءه المرض كضيف ثقيل، لم يمهله طويلاً، فغادر بصمت موجع في ذروة عطائه. كان رحيله صدمة فنية مؤلمة، لا لأنه غادر، بل لأنه غادر باكراً، قبل أن تشبع الأغنية الخليجية من لغته، وقبل أن يكمل مشروعه الذي كان يتشكل بأناقة وتفرّد.عبدالله أبو راس، لم يكن شاعر مرحلة، بل شاعر تحوّل. رحل جسداً، وبقي أثره يردّد: إن بعض الشعراء لا يطيلون البقاء... لأنهم كتبوا كل ما كان ينبغي أن يُقال. أخبار ذات صلة