لم تعد حفلات الزواج هي الوحيدة المسيطرة على الأفراح، بل تنافسها بشدة «حفلات الطلاق» التي تضجّ بها منصات التواصل الاجتماعي في كثير من الدول العربية والأجنبية؛ ففي موريتانيا مثلاً، تحتفل النساء بالطلاق الذي يتم غالباً بحضور الصديقات والنساء اللائي يتسامرن مع الأغاني والأهازيج والزغاريد. وفي المجتمعات الصحراوية بالمغرب تحتفل المطلقة بانفصالها في إشارة إلى بدئها حياة جديدة، كما تشهد المدن حفلات يغلب عليها الطرب والغناء، والحال ذاته في تونس، إذ تقام احتفالات الطلاق؛ لتخفيف العبء النفسي على المطلقة، وكذا الحال في العديد من الدول العربية، إذ غزت هذه الاحتفالات كل البلدان العربية ومنها السعودية، وإن خفت الحالات كثيراً وباتت محدودة، لكنها تظهر وتؤثر سلباً على الطرفين وعلى أبنائهما، فالظاهرة تنتشر وسط شريحة واسعة من النساء في الدول العربية كردة فعل على حياتها مع طليقها، وإن كان المختصون في علم الاجتماع والنفس أرجعوا ذلك إلى علاقة الزوجين قبل طلاقهما وإلى فشل الأهل في الإصلاح.«عكاظ» استعرضت هذه الظاهرة لمعرفة الدوافع الحقيقية وراء إقامة هذه الحفلات وأسبابها..هؤلاء يخربون البيوت !البروفيسور في الطب النفسي الإكلينيكي الدكتور جمال الطويرقي قال لـ«عكاظ»: إن موضوع الاحتفال بالطلاق، سواء من الزوج أو الزوجة، وإن كان هذا شائعاً أكثر بين النساء، يعدّ ظاهرة مستغربة. فالرسول ﷺ يقول: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق». فالطلاق يترتب عليه تبعات خطيرة؛ أبرزها تشتت الأبناء، وما يرافقه من مشكلات مادية، اجتماعية ونفسية، تبدأ من الاكتئاب وتصل أحياناً إلى الإدمان أو العزوف عن الزواج، سواء للفتيات أو الذكور ما يثير القلق اليوم هو تزايد نسبة الطلاق، خصوصاً في سنٍّ مبكرة، بينما تقلّ النسبة بشكل ملحوظ لدى من هم فوق الخمسين، ولهذا أسباب عدة:أولها: وسائل التواصل الاجتماعي؛ التي ساهمت في ظهور شخصيات لم تكن معروفة في المجتمع، بدأت تبث أفكاراً خاطئة وسامة، وأحياناً مريبة، ما يثير التساؤل: هل هذه الأفكار ناتجة عن عقد نفسية، أم معتقدات تهدف لهدم المجتمع؟فمجتمعنا منذ القدم، يتعرض لهجمات متواصلة؛ لأنه مجتمع قائم على الحق، والحق هو الإسلام. ولهذا نجد أن هناك من يسعون لهدم المجتمع الإسلامي.ونلاحظ أن كثيراً من الأفكار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي باتت مخيفة. إذ يقوم بعض الأشخاص بنقل أفكار تهدم القيم والمجتمع، دون أن يدركوا خطورة ما يفعلونه، مثل ترويج ونشر معلومات مضللة مثل: «تزوجي أفضل منه»، «أنتِ أعلى منه مكانة»، أو «عندك مال.. اخلعيه»، وكذلك للرجال: «تستحق أفضل منها»، أو «طلّقها وتزوج أحسن منها».في الماضي، لم تكن المرأة متعلمة، لكنها كانت تربي أجيالاً. وهذا يعود إلى أهمية التربية، التي لا تُستقى فقط من الكتب، بل تُورَّث عبر الأجيال. واليوم، هناك من يحرص على الانفصال بين الأزواج دون وعي.والنتيجة بعد الطلاق والفرح الزائف، تجد المرأة نفسها وحيدة، بعدما تعود من احتفال الطلاق إلى منزلها دون زوج أو معيل، بينما كل من شاركنها الفرح عدن إلى بيوتهن وأزواجهن. وهنا يبدأ ما يصفه المثل المصري بـ«خراب بيوت».هل الحل في محركات البحث؟يرى الدكتور جمال الطويرقي أن كل ذلك يؤثر نفسيّاً على الأطفال، إذ ينشأ لديهم تصور أن الطلاق هو الحل الأمثل للمشكلات، بدلاً من تعلم المسؤولية واللجوء للحلول التي أوصى بها الله في كتابه الكريم. والمشكلة اليوم، أن البعض يهرب من المسؤولية، ويلجأ إلى ما يريده فقط، دون اعتبار للمصلحة الحقيقية. ويلجأ الناس إلى مواقع مثل «شات جي بي تي» أو «قوقل» للبحث عن حلول، بدلاً من العودة للثوابت والقيم، وهذا خطر كبير. فهذه الأدوات تعطيك ما تريد، لا ما تحتاج إليه. ويختم الدكتور الطويرقي: كثيرون يلجؤون للمحامين والقوانين للانفصال، دون إدراك لحجم الدمار الذي قد يلحق بأسرة كاملة. الطلاق، وإن كان حلالاً، إلا أنه أبغض الحلال إلى الله، لأنه قد يؤدي إلى الضياع، التشرد، الاكتئاب، الانتحار، أو حتى إدمان المخدرات. وهكذا يصبح الفرد أنانيّاً، لا يرى إلا نفسه، ولا يفكر بعواقب قراراته.عادة سيئة.. وسلوك خاطئالأخصائية الاجتماعية بجامعة الملك سعود أميرة مطر الزهراني وصفت لـ«عكاظ» الظاهرة بأنها اجتماعية إنسانية، اجتماعية؛ كونها ذات علاقة بأهم مؤسسة اجتماعية في المجتمع، وهي الأسرة لما لها من أثر بالغ في حياة الأولاد وعمليات التنشئة والتربية والتثقيف الاجتماعي.وفي الأواني الأخيرة، ظهرت كعادة لا صلة لها بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، وهي عادة مستحدثة على مجتمعاتنا؛ لأن الزواج له عقد وشروط وحرمة والفراق منه له أحكام وآداب ينبغي أن يحترمها الأزواج بعد الانفصال، فغير مقبول تصرفات من يحتفل بأبغض الحلال، الأمر الذي يترك آثاراً نفسية على الطرفين وعلى الأولاد على حدٍّ سواء. وعلى الزوجين الراغبين بالانفصال أن يكونا أكثر حكمة ووعياً في تصرفاتهما وسلوكهما لسبب واحد وهو وجود الأبناء، وألا يكونا سبباً في تشتتهم وخلق معركة أسرية في غير معترك.التوعية بالدراما والبرامجعن دور الإعلام في نشر الوعي في المجتمع يرى الإعلامي عبدالله المحمد، أنه لا يمكن أن ننكر دور الإعلام، فهو العمود الفقري لأي عملية تغيير اجتماعي أو ثقافي، وهناك جوانب عديدة كالتثقيف والتنوير لمواجهة الشائعات وتصحيح المعلومات وتعزيز قيم الانتماء وتوجيه الرأي العام عبر الدراما، الإعلانات، والبرامج الاجتماعية، ويمكن للإعلام أن يعزز قيمة الاحترام والتسامح ويواجه ظواهر مثل العنف الأسري، التنمر، أو التعصب وغيرها من الظواهر السالبة.محتفلات أم مريضات نفسيّاً؟«عكاظ» استمعت إلى آراء سيدات حول حفلات الطلاق؛ إذ تقول زكية فقيهي (ربة منزل) إنها حالات محدودة انتشرت وسط مجاميع من النسوة اللائي يحتفلن ابتهاجاً وسروراً بفك الارتباط الزوجي، إذ تعمل الواحدة على إرسال بطاقات الدعوة لصديقاتها وقريباتها في إشارة إلى أن قرار الطلاق لم يشكل لها أية حالة أسى أو غضب، بل فرح ممتد وسعادة غامرة. وتضيف هذا توجه غريب ومستهجن فحفلات الطلاق لا تمت للرقي والأخلاق بصفة، وتعكس طبيعة الشخص ومدى وعيه وثقافته، فمهما كانت الأسباب فالقضية هنا «طلاق» وهو أبغض الحلال إلى الله، فكيف نحتفل به ونبتهج.. هذا أمر غريب وسيئ ويجب تصحيح هذا السلوك غير السليم.إن الاحتفال بالطلاق عادة غربية، وأستغرب أن تحتفل أمٌّ بتفكك أسرتها وتشريد أطفالها، هؤلاء النسوة في حاجة إلى علاج نفسي، لا نؤيد إقامة مثل تلك الحفلات في البلاد العربية والإسلامية، ونرى أن من يحتفل بطلاقه شخص لديه مشكلة في عقله ويستخف بالقضايا العظيمة التي تحدث في الحياة. لا تنسوا الفضل بينكم مهما كانت الحياة تعيسة وشقاء، لتحمد المرأة الله وتطلب العوض من رب العالمين.حرية أم تباهٍ جارح؟«عواطف».. موظفة مطلقة، قالت إن حفلات الطلاق باتت تثير الجدل فهناك من يراها تعبيراً عن التحرر النفسي من علاقة مؤذية أو فاشلة، ومن يراها نوعاً من التباهي غير اللائق أو استهتاراً بمؤسسة الزواج. إذا كنت ترى أن هذه الظاهرة مؤسفة، فقد يكون ذلك بسبب:تحوّل حدث مؤلم كـ(الطلاق) إلى مناسبة احتفالية علنية، قد تُجرّح مشاعر الطرف الآخر أو الأبناء، هناك خلط بين «التعافي» و«الاستعراض»، فبعض هذه الحفلات تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة قد تحمل رسائل استفزازية أو مبالغات بغرض إضعاف صورة الزواج في نظر البعض، خصوصاً إذا بدا الأمر وكأن العلاقة كلها كانت عبثاً أو وسيلة للوصول للشهرة أو لمرحلة لاحقة. لكن من جانب آخر، يجادل بعض المدافعين عن هذه الحفلات بأنها وسيلة للمرأة (أو الرجل) لطي صفحة صعبة وبدء حياة جديدة ورد فعل على علاقة كانت مليئة بالعنف أو التقييد، والاحتفال ليس بالطلاق، بل بالخلاص.تضيف عواطف: الاحتفال بحد ذاته ليس هو المشكلة، بل المقصد من ورائه والطريقة التي يتم بها.. هناك فرق بين الاحتفاء بالحرية الشخصية والتباهي الجارح. ليس الاحتفال بحد ذاته هو المشكلة، بل النية خلفه والطريقة التي يتم بها. وهناك فرق كبير بين «الاحتفاء بالحرية الشخصية» و«التباهي الجارح بالانفصال».أصبح وأمسي «مضروبة»«هدى» تقول لم نحتفل بالألم رغم وجود الألم، حدثت حفلات طلاق وانتهت بصاحباتها بالندم، فالزواج رابط مقدس رغم حدوث المشكلات، وإن كان هناك بدٌّ من الانفصال فليحدث بهدوء بلا مشاكل أو أزمات تؤثر على مستقبل الأطفال وسمعة الأب والأم نفسها، فالهروب بالانفصال من زوج غير مستقر نفسياً ليس قصة عابرة، هناك رباط أسري لا بد من مراعاته.أما عايدة فتقول: عشت مع رجل نرجسي الطباع منذ أن تزوجنا، يصفى لي يوم ويقلب في اليوم الثاني، لم تكن حياتي مستقرة. ومع أني كنت خير زوجة له لكنه تمادى في إهانتي، أصبح وأمسي مضروبة، وحياتي معه كانت جحيماً لم أحتمل، وطلبت الانفصال عنه احتراماً لأولادنا وبناتنا ولم احتفل احتراما لمشاعرهم.أما ناصر أب لطفل واحد قال: لم أحتفل بالطلاق بالمعنى الحرفي للحفل، وإنما احتفلت مع عدد بسيط لا يزيد على ثلاثة أصدقاء كانوا من أقرب الناس إلى قلبي، وكانوا ملمين بكل صغيرة وكبيرة بيني وبين أم طفلي.. حاولت التعايش معها لكن كل الأبواب أغلقت في وجهي وأنا أحاول أن أعالج خلافاتنا، لكنها أصرت على الافتراق، وتركت لي طفلي الذي لم يتجاوز سبعة أشهر من عمره.تصرفات فرديةأوضح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق لـ«عكاظ»: أن إقامة حفلات الطلاق ليس لها علاقة بالشرع، وهي تصرفات فردية، ومن حق أي إنسان أن يحتفل بأفراحه بالطريقة التي يراها؛ شريطة ألا تؤثر على الآخرين ولا تمس الشرع. أخبار ذات صلة