قلة ربما من ينظرون أو يضعون الكيان المحتل لفلسطين في مفهومه أو إطاره الصحيح، فهو الحبل السري ربما الوحيد والأخير المتبقي للحالة الاستعمارية التي سادت كثيراً من مناطق العالم قروناً فأوجدت خللاً كبيراً في العلاقات الدولية لا يزال العالم يدفع ثمنه إلى الآن، وبعد طرد الاستعمار من أغلب مناطق العلام بفضل وعي الشعوب وحركات التحرر، ما أدّى إلى رفع كلفة الاحتلال، فكان لا بد للمستعمرين من إيجاد الكيان الصهيوني لتبقي على مصالح ونفوذ المستعمر الغربي بأسلوب وطريقة مبتكرة ومختلفة عن الاستعمار المباشر أو غير المباشر.يمثل الكيان الصهيوني المحتل في فلسطين آخر قلاع الاستعمار للحفاظ على مصالح ونفوذ المستعمر الغربي في الوقت الراهن، زوال هذا الكيان أو سقوطه لا يعني خسارة المصالح الغربية والنفوذ الغربي حالياً فحسب، لكنه يعني انكشاف التاريخ الاستعماري والشروع بمحاسبة المستعمرين الغربيين، وهذا يعني دفع فواتير باهظة قد تكلف بعض الدول الغربية رفاههم ونمط عيشهم والكثير من إنجازاتهم، التي تم تحقيقها وبناؤها من موارد المستعمرات الطبيعية والحضارية للدول والشعوب التي تم استعمارها وإخراجها من التاريخ ومن السياق الطبيعي للدول والمجتمعات.إن سقوط واندحار الكيان الصهيوني المحتل، يعني بداية نهاية الحلم الغربي باستمرار فرض وديمومة وهيمنة الرجل الأبيض والعالم الغربي على العالم وسقوط آخر قلاع وحصون الاستعمار الغربي، ويعني انكشاف المستعمر الغربي، ويعني نهاية العلاقات غير المتكافئة وغير الطبيعية بين الدول على أساس الندية والمساواة والقانون والمواثيق الدولية.من هنا نفهم الاهتمام والتورط الغربي بتأسيس وتحصين هذا الكيان المجرم، فبريطانيا منحته شهادة الميلاد من خلال وعد بلفور، وفرنسا حصنته ببرنامج نووي سري وغير خاضع لتفتيش منظمة منع انتشار الأسلحة النووية، أغلب حكومات أوروبا الغربية تدعم الكيان بمختلف الإمدادات العسكرية والأمنية والاستخبارية واللوجستية والاقتصادية، ولم تقاطعه رغم استهتار هذا الكيان وتفننه بابتكار أساليب إبادة الأطفال والمدنيين في غزة وعموم فلسطين، ورغم انتهاكاته المستمرة لسيادة دول المنطقة ورغم طوفان الشعوب الأوروبية في العواصم والمدن الغربية المساندة للحق العربي الفلسطيني والمنددة بحروب الإبادة والتجويع في غزة.لا يمكن أن نفهم أهداف الكيان الصهيوني المحتل بمعزل عن الحالة الاستعمارية الغربية الماضية والمستقبلية. لذلك تم تحصين وتغليف هذا الكيان بالعديد من التحصينات والأغلفة ليلتبس على أهل المنطقة الأصليين هوية هذا الكيان وأهدافه ومن يقف وراءه. فهو تارة كيان يهودي، وتارة كيان صهيوني، وهو كيان إسرائيلي، وهو الديموقراطية الوحيدة في المنطقة رغم دكتاتورية نتنياهو التي تحكمه منذ سنوات طويلة، وهو الجيش الضارب الأقوى في المنطقة رغم أن المقاومة الفلسطينية المحاصرة منذ عشرين سنة قد لعبت به وجعلت منه مسخرة بين جيوش العالم. وهو الجيش الأكثر أخلاقاً في العالم رغم السادية التي يعاني منها القادة العسكريون والجنود في هذا الجيش، وهو الكيان ضحية معاداة السامية، رغم أن الساميين هم الضحية الحقيقية لهؤلاء المجرمين.يجب أن نفهم وأن نؤمن بأن الاستعمار الجاثم على صدر فلسطين ليس استثناءً من بقية حالات الاستعمار والاحتلال التي أصبحت جزءاً من التاريخ في العديد من مناطق العالم.إن الحبل السري بين الكيان المحتل والدول الغربية التي أوجدته ودعمته سينقطع قريباً وسيتعرى هذا المشروع وينتهي بالتزامن مع نهاية النظام العالمي أحادي القطب، الذي استنفد عوامل قوته. من هنا لا بد من تحديث القوانين الدولية والمواثيق الدولية لتواكب حجم الجريمة التي ارتكبها الغرب في غزة.على الدول غير الاستعمارية أن تعمل على تحديث قوانين ومنظمات دولية وإقليمية بحجم الجريمة في غزة. ولا تتوقف عند الفيتو الأمريكي الذي يعوق وقف الإبادة في غزة، فالقوانين والأحكام الدولية والإقليمية سيأتي لها دور في المستقبل بعد زوال النظام أحادي القطب.على الجامعة العربية أو المنظمات الإسلامية والإقليمية أن تصدر أحكامها بحق الكيان المحتل وقادته ومكوّناته، لأن هذه المنظمات والشعوب الأصلية أبقى من أي مستعمر وأمضى من الفاشيين والنازيين مهما بلغت فاشيتهم ونازيتهم. ففي النهاية هذا الكيان سيعود قادته إلى بلدانهم الأصلية مثل أوكرانيا وبولندا وأوروبا الشرقية وغيرها. وسيتم ملاحقتهم كنازيين وفاشيين مجرمين أسهموا في تعطيل حركة التاريخ لصالح المستعمر، لكنهم سيزولون وسيحاكمون وستنصب لهم المشانق. أخبار ذات صلة