عرب وعالم / السعودية / عكاظ

المتبلّم ما يتعلّم

ندم (قِرْشان) أنه ما حطّ نصايح أبوه عند حبّة قلبه، حكّ شعفته المتدلية من خلف أذنيه؛ وقال وهو يتحسّس ما تحت شعره؛ الله يحلّل عبس وطبس غنمي؛ وكرر على نفسه؛ موال الندم؛ متمنيّاً لو سمع كلام (فدح الأقران)؛ ورفع صوته، لتسمع زوجته المنهمكة في تحريق سمن البقرة؛ قائلاً؛ النصايح كانت تجينا في وردة الصِّبا وما نلقي لها بال؛ واليوم بعدما شبنا عرفنا قيمتها، لكنها غدت مثل العُملة القديمة اللي ما لها قيمة، قيمتها في وقت ما تقتضي بها لزومك؛ وبعدها يحفظونها للذكرى، ليقارنوا بين زمن البركة، وزمن محقها.

وضعت زوجته (أُم مخاوز) حجر مرو في قِدر السمن، وقليل من الدقيق؛ وحُلبة؛ وغطّت عليها؛ واقتربت منه؛ وطلبت؛ يسمعها بعض نصايح أبوه الفاني؛ فردّ عليها؛ فات فوتها؛ وطُردان في الفايت نقصان في العقل، علّقت؛ أربّه ما كان له نيّة تأخذني، وكان ودّه يعطيك بنت عمك (شِحذان) إلا ما قد شبع في بيته ما يشبع إلا عند الناس، فمجّ سيجارته بأقصى ما عنده وقال؛ يا الله هب لها عقل، والا التحس الباقي.

افتتحوا مدرسة في القرية، واقترب العام الدراسي؛ وهو متردد في إلحاق كل البنين بالمدرسة؛ وزوجته افتنته ليل الله ونهاره؛ خلّ الورعان يدرسون في هذا الزمان ما ينفع الأوادم إلا التعليم؛ لزم الصمت، وسرح به التفكير في لقمة العيش اللي يوفرها لهم وتعليمه على قده، ثم وضع سيجارة أبو بس بين أصابعه؛ أشعلها ثم نسيها، ولم يتذكرها إلا حينما أونس لذعتها في أنامله؛ التي اكتست صُفرةً من فلينة النيكوتين؛ وتذكّر انحناء ظهره؛ فردّد؛ (كثر الشقا أحناني وأنا أوّل صليب راس).

دعا ولده (مخاوز) ونشده؛ وش أصلح تنزل المدرسة، والا تعاون أبوك في البلاد؟ فنظر إلى أُمه وإذا هي تفرصع عيونها فيه؛ فأجابه؛ أصلح لي أكبّر المخدة وادعي على من ظلمني، فقال؛ انت قحّمت يا ولد؛ وما بيقبلونك إلا ليلي؛ فردّ عليه؛ قلبي مكبوب على قفاه من الدراسة، وان وزينا نقرأ أوّل النهار، ونعاونكم بعد الظهر، فانفرجت أسارير الوالدة، وعبّس الأب؛ وقال؛ قد عبطت رأسك ما في الحُكى فايدة وأضاف؛ بعد ياهبون لك كرسي وماصة جنب بن سليمان، وأردف (يقل علي ولد زايد؛ ما يجبر الفقر جابر، إلا البقر والزراعة، وجِمال تنقل بضاعة).

تناولوا عشاهم، وأوصى زوجته تعدّ لها طبخة قهوة، وتلقيمة سكّر وشاهي؛ لأنهم بيسرون؛ يسمرون عند أرحامهم في علوّ الدار، قال الأب لمخاوز (ألمح لي مامة الكشّاف) ما لقيتها؛ لف في البيت لفّة وعوّد قال ما لقيتها؛ فطلب منه يولّع اتريك بريموس؛ وحمله على كتفه، ووالده وراه، ثم والدته وإخوته وأخواته، عبروا مسراب طويل؛ ووصلوا ولقيوا الأرحام فوق عشاهم؛ رحبّوا بهم؛ زِلّوا؛ قال كبير البيت؛ الزاد لازمه؛ ردّ (قرشان) سبقانكم عسى معه العافية.

كان لرياح الخريف، زريم وراء الأبواب؛ فطلب (قرشان) من (مخاوز) يلمح ايش ذا الصوت اللي ما خلاهم يسمعون بعضهم. لطي خوشه بالأرض؛ وهو يردد؛ ما أسكن؛ خلّ (ريقه) تقوم تسكّني؛ قالوا بصوت واحد؛ أعقب يا الذّلال؛ خرجت معه؛ وهز الهوا طرف زِنق الصندقة، فصاح؛ يا باه؛ قالت ريقه؛ جِنّي، فعجّمته الجنّ، ولصقت لحيانه في بعضها، وتفازعوا؛ وأدخلوه البيت وجُبجبه متطاير من شدوقه، وأربعين يوم وهو في حِجبه.

شاوى؛ وبدأ يتمعرف ببعض الأبيات؛ ويبدع محاريف؛ ووالده يردّ عليه؛ منها (الله ما ابهى شعاعك يا سهيل اليماني؛ الحزة باقي عِشا وانا أحسبنّا ظهيرة) نزل مع إخوته المدرسة، ولقط بعض المعارف ولو أنّ شفه هيّن؛ وكره التعليم؛ واحتقر من ربط المدرّس العمائم على رقبته ورقاب وبعض البلداء، وكلّف عريفة الفصل يطوف بهم على الفصول؛ ويطلب من طلاب كل فصل يتستسون عليهم، فصاروا يضمّون رؤوس أصابع أيديهم لبعضها، ويصدرون بأثمامهم صوتاً يشبه تنسيم هواء؛ فطق بذيك اليمين، يا المدرسة ما عاد يعتّبها، وبغى فيه أبوه، أمه؛ قال؛ سمعتموها؛ يربطني بالعمامة من حلقي كما الشاة ويدرج بي بين الفصول وتبغوني أواصل؛ ما عاد لي وجه؛ وش استفيد من زرع حصد وانحن من يوم نعرف نفوسنا نزرع ونحصد وما شبعنا قُرص، وذكّر والده بأنه شاعر وبدع؛ (والقصايد بتغنيني عن المدرسة) فوقف عِرق جبهة أبيه؛ وصاح بأقصى ما تسمح مساحة صوته؛ يموت المُتبلّم ما تعلّم.

لمحته بنت أرحامهم (ريقه) يتصفّح مجلّة مليانة صور؛ ونشدته من أين جابها؛ فقال؛ أعطانيها المدرّس المصري؛ وبدأ يقرأ عليها بحسب ما تسعفه قدراته؛ وتعجّبت أنه ما سرح المدرسة؛ فقال؛ يهناني أقعد في الوادي من صبحا إلى مغربا، لو ما هِلّا أشوف غنمك، وإلا أشيل القربة على ظهر أمك، وحلف لها أن النوم اللي يعرفونه الخلق ما دبّ عينه ليلة البارحة؛ لأنه كلما بدا من ؛ وشاف نور قازتهم يضيح؛ قال في نفسه؛ أكيد تتحرين أهلك يرقدون وتبدين بالردّ على القصيدة! فأقسمت أنها رقدت ما تعشّت، ونشدها عن القازة اللي ما انطفت وهو يسامرها؛ فقالت؛ تخليها أُمي والعة عشان البقرة لا تدعس حسيلها في الغُ!.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا