على مرّ العصور ومع تطوّر المجتمعات برع الإنسان في صناعة “السُّبَح”، وتنوعت دلالات ومعاني استخداماتها الاجتماعية، وفي صدر الإسلام كان المسلمون يسبّحون بالأنامل، والحصى، ونوى التمر، وبعد أن ظهرت السبحة وانتشرت بين عامة الناس، أصبحت وسيلة سهلة للتعداد، وتشكل مواد وخامات صناعة “السُّبَح” مثل: الخشب، والعاج، والأحجار الكريمة، الذائقة الشخصية، وقيمتها الثقافية.
وفي أسواق منطقة القصيم تلمع حبات “السُّبَح” بألوانها المتنوعة وخاماتها الفريدة، شاهدةً على حرفة تراثية لا تزال حيّة رغم تعاقب الأجيال، وتحوّلت إلى رمز ثقافي وهديّة ثمينة تعبّر عن الذوق والانتماء.
وتتكوّن السبحة من أجزاء مترابطة، تبدأ بحبات الخرز التي تُعَدّ العنصر الأبرز في التصميم، ويتفاوت عددها بين (33) و(99) حبّة، وتشكل حلقة متناغمة تُستخدم في الذكر، وتُقتنى بصفتها قطعة فنية، وتصنع الحبات من خامات متعددة مثل: العقيق، واليسر، والكهرمان، والباكلايت، والعاج، وخشب الورد؛ مما يمنح كل سبحة طابعًا فريدًا كاللون والملمس والقيمة.
وتتنوع أشكال الحبات لتلبية مختلف الأذواق؛ فمنها الحبة الدائرية ذات السطح الناعم، والأسطوانية الطويلة والمسطحة، والصغيرة البيضاوية أو شبيهة بالقطرة، والمفلطحة التي تجمع بين الاستدارة والانبساط، والحبة المنحوتة المزخرفة، خصوصًا في الخشب والعاج، وتُضاف قطع صغيرة تُعرف باسم “الفواصل” لتسهيل تنظيم العد، بينما تتوسط السبحة حبة مميزة تُسمى “الشاهد”، وتكتمل بوجود “الثُّدْنة” أو الخرزة السفلية المرتبطة بالمئذنة الأسطوانية والشُرّابة المنسدلة، التي تضيف لمسة جمالية وزخرفية لكل مسباح.
وشهدت أسواق منطقة القصيم إقبالًا متزايدًا على حرف صناعة السبح، التي تُصنع يدويًا في ورش متخصصة تعتمد على دقة النقش وتناسق الحبات وتنوع الفواصل؛ مما يجعل المنطقة من أبرز المراكز في المملكة للحفاظ على هذا الإرث التراثي.
وقال لوكالة الأنباء السعودية (واس) الحرفي صالح المجحدي، الذي أمضى أكثر من تسع سنوات في صناعة السبح: “إن هذا المجال يجمع بين الشغف والهواية والفن والاقتناء”، مؤكّدًا أن السبح ليست مجرد زينة، بل موروث يعكس الذوق، وفرص الاستثمار.
وأفاد أن من أبرز الخامات المستخدمة الباكلايت الطبيعي، وهو خام صناعي صُنع عام 1910م وتوقّف إنتاجه عام 1980م، مما جعله من أندر وأغلى الأنواع حتى اليوم، ويُعاد تشكيل القطع القديمة منه إلى مسابح بأحجام متعددة تناسب أذواق المستهلكين، مبينًا أن الاهتمام لا يقتصر على الباكلايت فحسب، بل يشمل خامات طبيعية مثل: الكهرمان، والكوك، والعاج، واليسر المستخرج من البحر الأحمر، وحجر العقيق؛ ليعكس أصالة هذا الموروث.
وأشار إلى أن الطلب يزداد بشكل ملحوظ في مواسم الحج والعمرة والأعياد، ويحرص الزبائن على اقتناء سبحات مميزة كهدايا رمزية، بعضها يُنقش عليه أسماء، أو يُصنع خصيصًا للضيوف والعُرسان، ويطلب آخرون كميات كبيرة لمناسبات الزواج واللقاءات العائلية؛ لتكون ذكرى تحمل الطابع الشخصي واللمسة الجمالية.
وفي السياق ذاته، ذكر الحرفي عمر الحربي أن بدايته كانت هواية قبل أن تتحول إلى مجال عمل وتجارة، موضحًا أن السبح عالم واسع يضم خامات وأنواعًا متعددة، لكل منها خصائص فريدة.
وأوضح أن من أبرز الخامات الطبيعية الكهرمان المعروف باسم “ذهب الرجال” لندرته وقيمته العالية، ويُسعَّر بالغرام عالميًا، وتبرز خامات صناعية مثل: الفاتوران الذي يتغير لونه بفعل الأكسدة الطبيعية من الأحمر والبرتقالي إلى العنّابي، إضافة إلى الباكلايت القديم وخامات اقتصادية مثل: الضومنة.
وبين أن السبح موروث وأصل استثماري يزداد قيمته مع مرور الزمن، خاصة مع ندرة بعض الخامات أو توقف تصنيعها، مشيرًا إلى أن أبرز التحديات تكمن في العثور على خامات قديمة ومميزة، ويبقى السوق غنيًا بالبدائل الجميلة والمتاحة للجميع.
وأكد الحرفيون وملاك المحالّ التجارية أن أسعار السبح تختلف حسب الخامة ودقة الصنع؛ فمنها ما يُباع بأسعار بسيطة، ومنها ما يصل سعره إلى آلاف الريالات، خاصة إذا كانت مصنوعة من الكهرمان الطبيعي أو العقيق اليماني النادر، الذي يقدّره عشاق السبح لجماله وندرته.
وتشهد منطقة القصيم حراكًا متزايدًا لدعم الحرفيين من خلال المعارض والأسواق الموسمية وبرامج التمكين التي تنفذها الجهات المختصة، تزامنًا مع عام الحرف اليدوية؛ مما يسهم في إبراز الحرف المحلية وترسيخ مكانتها وصونها، وتعزيز استدامتها اقتصاديًا وثقافيًا في حياتنا.
وتبقى السبحة رغم بساطتها، رمزًا حيًا لتراث عريق يتجدّد مع الزمن، جامعًا بين الروحانية والجمال والخصوصية الثقافية التي تميّز المجتمع السعودي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المواطن ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المواطن ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.