حين تذكر الباحة ورجالها الذين صنعوا حضورها في ميادين الإدارة والأدب والخلق يتقدم اسم علي بن سعيد عبدالله قشاط كأحد الأعلام الذين جمعوا بين التواضع والهيبة والوفاء لأرضهم والولاء لوطنهم.. سيرة تمتد من قرية الطرفين حتى كبرى مؤسسات جدة وميادين الاحتفالات الوطنية التي كان أحد أركانها.
شارك قشاط في محطات تاريخية بارزة كان فيها شاهداً وعضواً فاعلاً في لجنة الاحتفال بالمنطقة الغربية عند تولي الملك خالد (رحمه الله) مقاليد الحكم، ورئيساً للجنة الاحتفال عند تولي الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله) الحكم، ورئيساً لاحتفالات المنطقة الغربية بمناسبة تعيين الأمير ماجد بن عبدالعزيز (رحمه الله) أميراً لمنطقة مكة المكرمة. تلك المناسبات لم تكن مجرد أدوار بروتوكولية بل صفحات من تاريخ وطني عاشها بروح المسؤولية والانتماء.
بدأت رحلته التعليمية في مدرسة عراء، حيث درس المرحلة الابتدائية إلى عام 1376هـ بوثيقة وقعها مدير المدرسة سعد المليص (رحمه الله) ونخبة من المعلمين، ثم غادر قريته إلى جدة حيث قدم اختبار إتمام شهادة المرحلة الابتدائية في المعهد الخاص بجدة 1377هـ، لينتقل بعدها إلى المدرسة السعودية المتوسطة بجدة، ومنها إلى ثانوية الشاطئ حاملاً الشهادة التي فتحت له طريق العمل العام.
دخل معترك الحياة العملية مبكراً، فعمل في إدارة المبرقات التابعة لوزارة المواصلات، ثم انتقل إلى مكتب الوزير محمد عمر توفيق، وبعدها التحق بمكتب تخطيط المدن بجدة سكرتيراً للدكتور عمر عبدالرحمن عزام، ثم واصل عمله مديراً لمكتب المهندس محمد سعيد فارسي الذي تولى لاحقاً رئاسة بلدية جدة، فاستمر قشاط ملازماً للفارسي مشاركاً في صناعة القرارات التي شكلت ملامح جدة الحديثة. ومع تحول البلدية إلى أمانة جدة، تولى منصب مدير مكتب الأمين، ثم وكيلاً للأمانة للشؤون المالية والإدارية، وأضيفت إليه وكالة الخدمات لفترة من الزمن.
امتد عطاؤه خارج حدود جدة فانتدب إلى عدد من العواصم العربية مثل دمشق وبيروت والقاهرة وعمان والخرطوم للتعاقد مع كفاءات في مجالات الهندسة والفنون والمهن المساندة مساهماً في بناء القدرات التي اعتمدت عليها البلديات السعودية في تلك المرحلة، كما شارك في مؤتمرات عربية كبرى منها مؤتمر المدن العربية في جدة ووجدة المغربية والإسكندرية فكان صوت الباحة ممزوجاً بصوت الوطن في المحافل الإقليمية.
وعلى المستوى الاجتماعي، ظل قشاط قريباً من أهله وأبناء منطقته فرأس لجنة احتفالات قبيلة غامد أثناء زيارة الملك فهد (رحمه الله) للباحة، وشارك في لجان الاستقبال الرسمية خلال زيارات الأمير سلطان بن عبدالعزيز والملك عبدالله (رحمهما الله)، مقدماً صورة مشرقة عن إنسان الباحة المضياف الوفي لتراثه الحريص على خدمة وطنه وقيادته.
ولأن البذل لا يضيع عند الله ولا عند الناس فقد حظي علي قشاط بتكريمات عديدة في مؤتمرات ومحافل مختلفة وكان من أبرز تكريماته نيله جائزة الأمير محمد بن سعود (رحمه الله) لحفاظ كتاب الله، وهو وسام يختصر مسيرته الروحية والأخلاقية التي ارتبطت بالعلم والإيمان ليضيف إلى سيرته بعداً إيمانياً رفيعاً.
وعلى الرغم من سنوات العمل الطويلة والتكريمات المتعددة، ظل علي قشاط متواضعاً، قليل الحديث عن إنجازاته، كثير الاهتمام بما يضيف قيمة للآخرين، لم يسعَ إلى الأضواء بل كان همه أن يكون جسراً للثقة بين الناس والمؤسسات وأن يترجم أخلاقه الرفيعة إلى أفعال تبقى في ذاكرة كل من عرفه أو تعامل معه.
إن سيرة علي بن سعيد عبدالله قشاط هي سيرة رجل صنع مجده بالعلم والعمل فكان سفيراً للباحة في جدة ورمزاً للوفاء في كل موقع تقلده وقامة عالية في الأدب والخلق، رجل احترم الجميع وقدرهم فأحاطوه بحبهم ودعائهم وبقي اسمه شاهداً على أن العظمة الحقيقية تقاس بمدى ما يتركه الإنسان من أثر في القلوب قبل أن يسجل في الأوراق.
يبقى علي بن سعيد قشاط واحداً من الأسماء التي لا تغيب عن ذاكرة الباحة وجدة والوطن، رجل عاش للناس ومع الناس، لم يترك منصباً إلا وجعل منه ساحة خدمة، ولا محطة إلا وترك فيها بصمة وفاء، وحين يذكر اليوم تتقدمه صورته التي جمعت الأخلاق والأدب والعمل والصدق، وهي الصورة التي ستظل حاضرة في القلوب قبل أن تحفظها السطور.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.