تم النشر في: 14 سبتمبر 2025, 9:01 صباحاً في عوالم الاتصال السياسي وخصوصًا الموجه للداخل لا يكتفي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإعلان رؤيته المستندة على خطة السعودية ٢٠٣٠، بل يترجمها لأرقام وفي كل خطاب يُذكِّرنا ماذا أنجزنا وماذا نُنجز وماذا ينتظرنا. إنَّ هذا النوع من القيادة السياسية هو نوع متقدم من خلال صياغة خطاب يفهمه المواطن ويقتنع به، والأكثر من هذا الخطاب هو مشاركة القائد المواطن في رحلته. إنه خطاب مملكة متحدة، وقيادة متوثبة، يتقاطع معها همة مواطن واستجابة مجتمع. دعونا نبحر في ثنايا الحديث الملكي، حيث استعرض ولي العهد مواضيع متعددة، جذبني منها ستة مواضيع سميتها "سداسية التحدي" وتتلخص في: الفرص الوظيفية، المرأة في سوق العمل، ذوي الدخل المنخفض، جودة الحياة ، التحدي السكني، والمصلحة العامة" . هذه السداسية تشكل مرتكزات رئيسية ترتقي بالمملكة لمصاف الدول المتقدمة وتبني صورة مستقبلية تُحاكي توجهات القيادة وطموح المواطن. ولعلني أترك الكثير من التحليل حول هذا الخطاب للمتخصصين في المجالات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية وأركز فقط في هذه السداسية من منظور اتصالي. إن الاعتراف بوجود أزمة العقار وارتفاع أسعاره إلى مستويات «غير مقبولة» يُمثل لحظة صدق استراتيجي؛ ولذا ففي الاتصال السياسي، يعد الاعتراف بالمشكلات معززًا للثقة ونفعه أكثر من ضرره، لأنه يُشعر المواطن بأن صوته مسموع وأن القيادة واعية بما يعيشه الناس. هذه الشفافية تفتح المجال أمام خطاب واقعي يقوم على المشاركة، لا على الاستعراض. ولعل واحدًا من المواضيع المهمة التي تعرّض لها الخطاب هى الحديث عن الذكاء الاصطناعي كمجال مستقبلي، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، قد يبدو ذلك عملا تنظيريا لكن حين يُربط بخلق وظائف جديدة، وتوطين صناعات، وتخفيض تكاليف السكن، فإن السياسة الداخلية تتحول إلى قصة حياتية يفهمها المواطن ويلمس أثرها المباشر على يومه وغده. هذا الربط بين الكُبرى (الرؤية) والصُغرى (احتياجات الفرد) هو لُبّ الاتصال الاستراتيجي الناجح. ومن زاوية الاتصال، يمكن القول إن الخطاب رسم معادلة ثلاثية: أرقام تقنع – تحديات يتم الاعتراف بها – حلول تُطمئن. هذه المعادلة تجعل من الخطاب السياسي أداة لبناء ثقة متبادلة بين القيادة والمجتمع، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على الشفافية والشمولية. وهو ما جعل الخطاب الملكي لم يكن مجرد عرض لإنجازات أو إعلان عن خطط، بل كان ممارسة عملية لفن الاتصال السياسي المؤثر. وبلغة الأرقام، وسداسية التحدي، والاعتراف بالمشكلات، قدّم محمد بن سلمان نموذجًا لكيف يمكن للقائد أن يتحدث إلى المواطن لا من موقع السلطة فحسب، بل من موقع الشريك في صناعة المستقبل. بقي القول، إن الخطاب الملكي الأخير وخصوصًا في سداسية التحدي لا يُقرأ فقط كوثيقة سياسية، بل كنموذج يُدَرّس في الاتصال الاستراتيجي، يوازن بين لغة الإنجاز ولغة المشاركة. لقد قدّم ولي العهد صورة القائد الذي لا يخاطب مواطنيه من برج عالٍ، بل يسير معهم في ذات الطريق، يُشركهم في النجاحات، ويصارحهم بالتحديات، ويحفزهم ليكونوا شركاء في صناعة المستقبل. هذه هي لغة العقد الاجتماعي الجديد في المملكة: قيادة تسمع وتبادر، ومواطن يثق ويشارك، واتصال يرسخ الوحدة ويعزز الثقة المتبادلة.