يقف قصر القشلة في قلب مدينة حائل شاهدًا على أول أوامر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في التنمية والعمارة بالمنطقة قبل أكثر من ثمانية عقود، فقد أمر -رحمه الله- عام 1360هـ/1941 ببناء هذا القصر ليكون ثكنة عسكرية ومقرًا للجند، فشيّده الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي في عهد لم يتجاوز فيه البناء سنة ونصف السنة، متخذًا من الطراز النجدي قاعدة معمارية راسخة. إرث معماري وعسكريبُني القصر من الطين واللبن والحجارة وزُخرف بالجص بزخارف هندسية ونباتية، ليعكس أصالة العمارة النجدية. وتظهر على جدرانه الخارجية ثمانية أبراج دفاعية أسطوانية بارتفاع 12 مترًا، منها أربعة أبراج داخلية تُسمى «الساندة». يضم القصر 143 غرفة موزعة على طابقين، خصصت بعضها للإدارة والضباط ومخازن الأسلحة، فيما خُصصت 53 غرفة في الدور العلوي للنوم. يتوسطه فناء واسع كان مقرًا لتدريب الجند واستعراض القوات، وتطل عليه أروقة مسقوفة من الجريد وجذوع الأثل، بينما يتوسطه مسجد داخلي بثلاثة صفوف من الأعمدة. تبلغ مساحة القصر أكثر من 19 ألف متر مربع، بطول 241 مترًا من الشرق إلى الغرب، وعرض 141 مترًا من الشمال إلى الجنوب، ليصبح أحد أكبر القصور الطينية التراثية القائمة في المملكة والعالم. قصر القشلة التاريخيخلال افتتاح مشروع تطوير قصر القشلة التاريخي الذي نفذته هيئة التراث بتمويل من برنامج جودة الحياة، في 23 أبريل 2024 وصف أمير منطقة حائل الأمير عبدالعزيز بن سعد القصر بأنه من أكبر قصور العالم التاريخية من حيث المساحة، مؤكّدًا أن هذا الصرح يحق أن يُفتخر به سعوديًا وعربيًا وإسلاميًا. وقال: «من هنا خرجت السرايا في سبيل توحيد البلاد تحت راية التوحيد بقيادة الملك الموحد عبدالعزيز، الذي صنع معجزة التاريخ الحديث، وجمع الشتات والقلوب تحت راية التوحيد، وثبّت أركان وحدود دولتنا العزيزة». وأشار الأمير إلى أن كل غرفة في القصر تمثل ورقة من كتاب تاريخ المملكة، مشيدًا بالبرامج النوعية للحفاظ على التراث التي توليها القيادة دعمها ورعايتها، والمتابعة المباشرة من وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان. وأضاف أن القصر اليوم لا يقتصر على قيمته التاريخية فحسب، بل أصبح منبرًا للاستثمار الثقافي ووجهة للفعاليات المستمرة. ذاكرة وطنيةاليوم، ومع احتفالات المملكة بذكرى اليوم الوطني السعودي الـ95، يعود قصر القشلة إلى الواجهة رمزًا لأول أوامر التنمية والعمارة في حائل، ومَعلمًا حضاريًا وثقافيًا يعكس وحدة الماضي والحاضر؛ فالقصر الذي بدأ ثكنة عسكرية، تحول إلى معلم تراثي عالمي يُبرز ملامح العمارة السعودية التقليدية، ويحمل في جدرانه قصة وطن خرج من داخله الجنود موحدين، ليبقى شاهدًا على أن التنمية بدأت بأمر ملكي، واستمرت برؤية لا تنطفئ. أخبار ذات صلة