كشفت بيانات متتابعة للإدارة العامة للمرور أن استخدام السائقين للهاتف الجوال أثناء القيادة تصدّر معظم المسببات في الحوادث المرورية خلال العام 2023، ما يضع أهمية قصوى لمحاربة هذه الظاهرة السيئة التي تسببت في إزهاق الأرواح وأضاعت الممتلكات. وطبقاً لدراسات فإن من يستخدمون الهاتف أثناء القيادة سواءً بالاتصال أو إرسال الرسائل يعانون من اعتلالات نفسية! وكشفت الإدارة العامة للمرور عن مسببات للحوادث المرورية في 2023 بمناطق عسير، نجران، حائل، الجوف، مكة المكرمة، القصيم، المنطقة الشرقية، المدينة المنورة، تبوك، وتصدّر استخدام السائق بيده جهازاً محمولاً أثناء قيادة المركبة (الجوال) مسببات الحوادث المرورية، وعدم ترك مسافة آمنة بين المركبات، ومخالفات الأفضلية، والانحراف المفاجئ والقيادة بالاتجاه المعاكس لحركة السير، ومخالفات الأفضلية، ودعت الإدارة العامة للمرور قائدي المركبات إلى الالتزام بأنظمة وقواعد السير والسلامة المرورية على الطرق في جميع مناطق المملكة. مكالمة أو قراءة أو كتابة استشاري إدارة المشاريع رئيس مجلس إدارة شعبة تخطيط النقل والسلامة المرورية بالجمعية السعودية لعلوم العمران الدكتور علي عثمان مليباري يرى أن فقدان التركيز - الذي يُعد من أهم العناصر الشخصية الواجب توفرها في من يتولّى قيادة أي نوع من وسائل النقل في الطرق العامة - لأي سبب من الأسباب، لابد أن يؤدي إلى خلل ما في منظومة الحركة ويزداد الأمر سوءاً وفداحة لو كان سبب عدم التركيز عائداً لاستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، سواء في مهاتفة كلامية، أو قراءة من شاشته، أو الكتابة عليها، فكل هذه التصرفات تؤثر تأثيراً سلبياً على السائق، بما يفقده الأهلية الجسمانية بتشتت بصره، وتوتر أعصابه، خصوصاً إذا كان محتوى الرسائل أو المكالمات مستفزاً ومهيجاً ومثيراً لمشاعر متباينة في نوازعه وخاطره، وهذا ما يؤدي إلى فقدان الإدراك، وعدم القدرة والأهلية لاتخاذ القرارات الصائبة في الطريق العام أثناء القيادة، فالراجح أنه في أحسن الحالات سيعطل حركة السير، أو يعرقلها، أو ينحرف عن المسارات الصحيحة له، والراجح أيضاً أن الأمر يسوء إلى ارتكاب حوادث مميتة، يتعدى أثرها على من يرتكبها إلى أبرياء في الطريق لا ذنب لهم إلا أن هناك تصرفاً غير مسؤول من سائق قرر أن يستخدم جواله أثناء القيادة. لا تلتقط شيئاً أثناء القيادة الدكتور علي مليباري قال إن «الظاهرة» قد أُخضعت للدراسات نظراً لتفشيها وانتشارها، وخلصت جميعها إلى حقيقة ثابتة أن استخدام الجوال أثناء القيادة يضاعف احتمالية الحوادث، وأكدت بعض هذه الدراسات أن هذه الاحتمالية تتضاعف لتسع مرات إذا انشغل السائق عن القيادة بالتقاط شيء ما في السيارة، بل ذهبت دراسات أخرى إلى القول إنه بمجرد أن يمسك السائق هاتفه فإنه بذلك يوفر المناخ لوقوع حادث، ولهذا أرى أنه لابد أن توضع عقوبات أكثر تشدداً على من يستخدمون هواتفهم النقالة أثناء القيادة، وزيادة كاميرات الرصد، مع التوسع في دوائر التوجيه والتوعية بمدى خطورة هذا المسلك الخطير، وأثره المميت والكارثي. الثقة مجرد مخدر مؤقت اللواء محمد فريح الحارثي قال لـ«عكاظ»، إن أسباب الانشغال عن القيادة تتعدد وتأتي في مقدمتها وأهمها ما نلمسه من واقع تجارب شخصية وأولها؛ ثقة البعض في أنفسهم أثناء قيادة المركبات بأن لديهم المهارات الفائقة على القيادة الآمنة ويتصورون أنهم قادرون على الانتباه والتركيز على تجنب مخاطر الطريق وهذا يعطي انطباعاً أن لديهم الوعي الكامل بمخاطر الانشغال أثناء القيادة، ولكن ثقتهم في قدراتهم ومهاراتهم كانت تُخالف وعيهم ما يجعلهم يعرضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر. وأضاف أن ثقتهم في أنفسهم وفي مهاراتهم كانت بمثابة المخدر الذي خدر عقولهم فأصمهم وأعمى أبصارهم عن حقيقة واقعية وهي أن الانشغال بأي أمر أثناء القيادة يزيد من احتمالية وقوع الحوادث أربع مرات أكثر من الوضع الطبيعي حسب الدراسات المبنية على تجارب حياتية عالمية، أثبتت أن استخدام وسائل الاتصال وتطبيقات التواصل تأتي في مقدمة أسباب وأخطر حوادث السير التي تنتج عنها خسائر مادية وبشرية وحالات أليمة من الإصابات، فالانشغال أثناء القيادة يفقد أسباب التركيز ويشتت الانتباه، الأمر الذي معه تنحجب رؤية الطريق حسب سرعة القيادة فمثلاً عندما تكون قيادة المركبة بسرعة 80 كيلومتراً في الساعة فإن انشغال السائق يفقده البصر لرؤية الطريق مسافة ما يزيد على 22 متراً في الثانية الواحدة ولو كانت المركبة تسير بسرعة 100 كيلومتر فإن قائدها يفقد بصره لرؤية الطريق مسافة 28 متراً بالثانية، وهذا يعني أن انشغال قائد المركبة نصف ثانية كأنه يقودها وهو أعمى لمسافة 14 متراً وهذا الاأمر لا يؤمن بخطورته كل مُغامر وكل مستهتر، إذ إنه يرى أن مهاراته خارقة وقادرة على القيادة وهو أعمى ما يتسبب بجهله وعمى بصيرته وفساد فكره بالوقوع في الحوادث الكارثية. وظفوهم في مستشفيات الحوادث! يرى اللواء الحارثي أن الحلول تأتي في عدّة محاور أولها التوعية المستمرة عن مخاطر الثقة العمياء في المهارات الشخصية أثناء الانشغال عن رؤية ظروف وأحوال الطريق، ومن الحلول تعزيز التوعية بإصدار إحصائية دورية شهرية مثلاً عن حجم حوادث الانشغال أثناء القيادة التي كانت بسبب الثقة الشخصية في مهارات القيادة. وشدد على أهمية تعزيز العقوبات المالية للمخالفين بعقوبات مادية ومعنوية مثل إلحاقهم بدورات تثقيفية عن مخاطر أفكارهم في الثقة بقدراتهم ومهاراتهم أثناء الانشغال عن القيادة، وكذلك إلحاقهم بالخدمة في أقسام حوادث المركبات بالمستشفيات والمراكز الصحية، ليشاهدوا حجم الكوارث والإصابات الأليمة التي وقعت لمن كانوا يحملون نفس أفكارهم. ويؤكد اللواء الحارثي ضرورة خلق النقاشات والحوارات المختلفة مع نُخب الإعلام ضمن حيّز إعلامي مُعيّن، وتمثل برامج «البودكاست» الحواريّة مثالاً على ذلك، والاستشهاد ببعض الحالات الأليمة ممن يتطوع بالظهور الإعلامي من المصابين لا سيما أصحاب الإعاقات الدائمة، وبحث وسائل خلق رأي عام بالتنسيق والتعاون بين الجهات الأمنية والإعلامية لطرح قضية الانشغال أثناء القيادة، وإثارةَ رأي عام حولها، ومحاولة بحث أسباب الحلول مع المجتمع لهذه القضية التي من خلالها تتأثر قناعات المجتمع نحو خطورة ثقة الأفكار في مهارات القيادة أثناء الانشغال بوسائل التواصل عند قيادة المركبات. لأولياء الأمور: ساندوا المدارس التربوي خالد الجعيد من قطاع التعليم في محافظة الطائف يرى أن السلامة المرورية مطلب مهم لأفراد المجتمع كافة، وتتحقق باتباع التعليمات والتوجيهات المرورية، وعدم التغافل أو الاستهتار خصوصاً في ما يتعلق بمخاطر استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة، وتسببه في حوادث مُميتة. ويشير الى أن المدارس والجهات ذات العلاقة بالتوعية والسلامة في إدارة التعليم تقوم بعمل برامج توعوية لطلبة المدارس، لافتاً إلى أهمية توعية رب الأسرة لأبنائه، واضطلاعه بمهماته ومسؤولياته وفي الجواب التوعوية الأخرى كافة. وأضاف الجعيد أن الجانب التوعوي عن السلامة المرورية يعد تكاملياً بين المدارس من جهة، والأسر والأهالي والطلبة أيضاً من جهة أخرى، وعلى أولياء الأمور أن يُساندوا المدارس في هذا الأمر ويقوموا بتعزيز الدور التوعوي لها، حتى تتحقق الأهداف المرجوة من برامج التوعية بالسلامة المرورية، وعلى أولياء الأمور أن يكونوا قدوات لأبنائهم وبناتهم بالالتزام بتعليمات المرور التي تحافظ على سلامة الفرد والمجتمع. جريمة متكاملة الأركان الأخصائي النفسي والجنائي الدكتور عبدالله أحمد الوايلي، يرى أنه لابد من التأكيد على أن استخدام الجوال أثناء القيادة يعتبر جريمة إنسانية متكاملة الأركان (الإرادة والقدرة والفرصة) إذ إن السائق يرتكب جريمته مع سبق الإصرار والترصد، سواء في حق نفسه أو حق أُسرته أو حق مجتمعه، لأن خطر الانشغال بالهاتف المحمول أثناء القيادة مرحلي ومستقبلي وممتد، فهو يفقد التركيز والانتباه ويثير القلق والتوتر والخوف سواء كان ذلك السلوك إرادياً أو غير إرادي لأنه سلوك سلبي يعاقب عليه القانون الاجتماعي والمجتمعي لما له من آثار نفسية وسلوكية واجتماعية خطيرة ومؤثرة. وأضاف الوايلي أن ضعف التركيز الذهني في القيادة والانشغال بالجوال يؤدي إلى الارتباك وعدم الاتزان الانفعالي لدى السائق ومن بجواره بل ومن يشاهده بشكل مباشر وغير مباشر، وهنا تكمن المعضلة. ومن هذا المنطلق على المستوى النظري أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية ومنها دراسة حديثة أن الذين يرسلون رسائل نصية أثناء القيادة يعانون أساساً من سلوكيات الاعتلال النفسي، مضيفاً أن دراسة أُخرى أشارت إلى أن استخدام الجوال بشكل مبالغ فيه يقود إلى تغييرات مختلفة في العقل البشري خصوصاً في عمليتي التركيز والانتباه ويرفع من معدل القلق والإجهاد لأن انشغال الفرد بعدة مهمات في الوقت نفسه يُضعف الذاكرة والأداء وبالتالي يقلل من القدرة على التركيز بشكل جيد. لماذا يعاقب الإنسان نفسه؟ الوايلي لفت إلى أن إحدى الدراسات الأمريكية أشارت إلى موت أكثر من ٣١٠٠ شخص وإصابة ما يقارب من ٤٢٤ ألف شخص نتيجة حوادث السير في ٢٠١٩، والسبب الرئيسي يكمن في تشتت ذهن السائق علماً أن أهم عوامل التشتت الذهني هو الهاتف المحمول وبناء على ذلك فإنه لا مناص من القول إن الإستخدام المفرط والزائد عن الحد للهاتف المحمول سواء أثناء القيادة أو غير ذلك يؤثر على طريقة تفكير الإنسان، بل على قدرة دماغه على الإدراك، ويؤدي أيضاً إلى ما يسمى «الكسل العقلي». وأكد أن الدراسة العلمية التي نشرتها «مجلة جمعية بحوث المستهلك» جاءت لتؤكد أن القدرة المعرفية (الذهنية) للبشر تنخفض بشكل كبير عندما يكون الجوال في متناول اليد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن (الشرود الذهني) أثناء القيادة يعتبر الأمر الحتمي الذي يتحول فيه انتباه السائق سواء بشكل إرادي أو غير إرادي. ولفت الوايلي إلى أنه على المستوى العلمي فإن الشرود الذهني له عدة أنواع مختلفة نذكر منها «الشرود البصري» ويقصد به النظر في اتجاه آخر غير الطريق الذي يكون عليه السائق، و«الشرود السمعي» إذ يكون تركيز السائق على سماع صوت معين، و«الشرود الجسدي» ويتضح غالباً لدى المراهقين في عدم الإمساك بمقود السيارة أثناء القيادة، و«الشرود الإدراكي» من خلال تحويل الانتباه عن الطريق. ويحدد الوايلي أسباب «الشرود الذهني» إذ تعود إلى العوامل التكنولوجية المتمثلة في الجوال والإنترنت وأنظمة الترفيه داخل السيارة، والعوامل البشرية المتمثلة في الأكل والشرب والتدخين وغيرها. وخلاصة القول طبقاً للوايلي فإن الانشغال الذهني باستخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة بالذات سلوك سلبي وجُرمي ولا يقره الدين ولا العلم ولا العرف الاجتماعي، وأثبتت الدراسات العلمية تأثيرة على الصحة العقلية، في حين شددت القوانين على عقوبة مستخدم الهاتف أثناء القيادة، والسؤال هنا: لماذا يعاقب الإنسان نفسه باستخدام الجوال أثناء القيادة؟ تحايل على أجهزة الرصد الإعلامي عبدالرحمن المنصوري، قال إن وسائل التواصل اليوم ومنها الجوال ظاهرة تهدد العقل والفكر، كما تهدد حياة الفرد الذي يظل الجوال يقاسمه مقود السيارة من خلال «الإدمان» الذي يبدأ من البيت، وضرره كبير وخطير، خصوصاً الانشغال أثناء القيادة ويأتي ذلك من خلال التعود على الجوال والإحساس الداخلي للفرد بأنه حريص على الطريق ولكن في غمضة عين تكون النهاية لفقدان الإدراك والوعي وتشتت الانتباه بسبب كتابة رسالة أو الرد عليها أو الاتصال والتصفح، ما يجعله خارج إطار الواقع. وأضاف المنصوري أنه برغم أجهزة الرصد وارتفاع نسبة الوعي إلا أن هناك من لا يزال يمارس تجاهله بالتحايل على أجهزة الرصد، ولا يدرك خطورة النهاية إلا من خلال رؤية عواقب استخدام الجوال أثناء القيادة. أخبار ذات صلة