تبدو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإنهاء حرب غزة وكأنها محاولة جريئة لإغلاق فصل دامٍ استمر لأشهر طويلة، لكنها في جوهرها ليست مجرد وثيقة سياسية جديدة. إنها اختبار مزدوج: من جهة لطموح واشنطن في إعادة صياغة المشهد الفلسطيني والإقليمي، ومن جهة أخرى، الموقف العربي الموحد، الذي بات يشكل الرافعة القادرة على نقل الخطة من الورق إلى التنفيذ. وما يميز اللحظة الراهنة أن العرب، في إعلان موقفهم الواضح والصريح، وضعوا أرضية سياسية قد تغير مسار الخطة بأكملها. بين الفكرة والواقعتقدم خطة ترمب رؤية إستراتيجية لإعادة تشكيل غزة بالكامل؛ فهي تسعى إلى تفكيك البنية العسكرية لحماس، إطلاق الأسرى والمحتجزين، وتمهيد الطريق لسلطة مدنية بديلة تحت إشراف دولي، مدعومة ببرنامج إعادة إعمار واسع وشامل. الطموح الأمريكي هنا ليس مجرد استجابة إنسانية، بل محاولة لإعادة رسم البيئة السياسية والأمنية في القطاع بطريقة تضمن استقراراً مستداماً. ومع ذلك، تدرك واشنطن أن تنفيذ هذه الرؤية يتطلب أكثر من القوة الأمريكية؛ فهو يحتاج إلى دعم إقليمي، شرعية سياسية، وإسناد ميداني ومالي، لتتحول من فكرة طموحة إلى واقع ملموس على الأرض.من هنا تبرز أهمية الموقف العربي الذي تجلّى في بيان مشترك لثماني دول عربية، عبرت فيه بوضوح عن دعمها لوقف الحرب وتهيئة الطريق لحل سياسي مستدام. ويأتي موقف مجلس الوزراء السعودي ليمنح زخماً إضافياً، إذ أعلن الاستعداد للمساعدة في تحقيق وقف إطلاق نار دائم وإنهاء الحرب، مع التشديد على البعد الإنساني للأزمة. هذه المواقف ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل قوة دفع حقيقية، تزود الخطة الأمريكية بما ينقصها من الشرعية الإقليمية والغطاء السياسي.أولاً: يقدم العرب شرعية إقليمية لأي تسوية قادمة، بحيث لا يظهر المسار وكأنه مفروض أمريكياً أو إسرائيلياً فقط. هذه الشرعية ضرورية لإقناع الرأي العام الفلسطيني والإقليمي بأن ما يُطرح ليس صفقة خارجية بحتة. ثانياً: يفتح الدعم العربي الباب أمام مظلة مالية ضخمة لإعادة إعمار غزة. فالدول العربية، قادرة على تعبئة الموارد اللازمة لترميم البنى التحتية وتوفير مقومات حياة طبيعية لسكان القطاع. ثالثاً: يشكل هذا الدعم ضغطاً إيجابياً على الأطراف الفلسطينية للانخراط في مسار سياسي جديد. فإذا وجدت حماس نفسها أمام إجماع عربي واسع، قد تصبح خياراتها محدودة بين التفاعل مع هذا المسار أو تحمل تبعات الرفض في وجه بيئة إقليمية موحدة. تضييق هامش المناورةالمفارقة أن المواقف العربية جاءت قبل أن تحدد حماس موقفها النهائي من خطة ترمب، وهو ما يجعل الحركة أمام معادلة دقيقة: فهي تسعى إلى تعديل بعض البنود، مثل نزع السلاح، وتشترط توفير ضمانات دولية للانسحاب الإسرائيلي الكامل وعدم خرق وقف إطلاق النار. هذه التحفظات، لن تقلل من الدور الحاسم للموقف العربي الموحد، الذي يضيق هامش المناورة أمام كل الأطراف ويمنح خطة ترمب زخماً أكبر.وبذلك، يتضح أن العرب لم يعودوا مجرد مراقبين، بل أصبحوا رافعة إستراتيجية تضيف بعداً حقيقياً لأي مسار سياسي جديد في غزة، بينما تبقى الحركة الفلسطينية مضطرة للموازنة بين شروطها الداخلية والضغط العربي المتزايد، ما قد يسرّع نضوج عملية تفاوض لم يكن من الممكن تحقيقها قبل أسابيع.العرب في قلب الحل رغم قوة الدفع العربية، لا يمكن تجاهل التحديات الكبرى. فإسرائيل قد لا تلتزم بسهولة بتنازلات أمنية على حدود غزة، أما في الداخل الفلسطيني فالسؤال الأكبر هو: من سيدير غزة في مرحلة ما بعد حماس إذا تحقق سيناريو إخراجها من السلطة؟حماس، حتى الآن، تسعى لتعديل بعض البنود، ما يعكس تعقيدات في المشهد القادم، لكنها في الوقت نفسه ستجد نفسها أمام ضغوط عربية متزايدة.الأنظار اليوم تتجه أكثر إلى الموقف العربي الذي سيسعى إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما سيتيح فتح الباب أمام مسار سياسي جديد. وللمرة الأولى منذ سنوات، قد تتحول المبادرة من كونها أمريكية صرفة إلى مشروع مشترك تتداخل فيه واشنطن مع الرياض والعواصم العربية الأخرى.قد يبدو النجاح الكامل للخطة صعباً في المدى المنظور، لكن النجاح الجزئي -أي وقف إطلاق نار طويل الأمد، إطلاق عملية إعادة إعمار، وبدء نقاش حول مستقبل الحكم في غزة- يبدو أكثر واقعية، وهذا بحد ذاته تحول مهم في مسار القضية.في هذه اللحظة، يقف العرب في صدارة المشهد كعامل حاسم لا يمكن تجاهله. الموقف العربي الموحد، مدعوماً بالزخم السعودي، يمنح خطة ترمب فرصة حقيقية للتحول من الطموح الورقي إلى واقع ملموس على الأرض، ويعكس الدور المركزي للعرب في قلب موازين المشهد عبر توجيه مسار الأزمة وإحداث الفرق الملموس في مجرى الأحداث. أخبار ذات صلة