تم النشر في: 19 أكتوبر 2025, 9:54 صباحاً تزخر المملكة العربية السعودية بتنوع أزيائها التراثية وغنى ألوانها وتفاصيلها، فهي تجسّد جذور المجتمع وتعكس نقاء هويته وثراء حضارته. وفي منطقة جازان، تُعدّ الأزياء الشعبية كنزًا وجدانيًا وذاكرةً أصيلة تحكي تاريخ المكان والإنسان؛ فهي أكثر من مجرد لباس، بل لغة ثقافية حيّة تنقل عبر الأجيال قصص الفخر والانتماء. ويتجلّى الزي الرجالي العريق في الوقار والفخر، ويشمل "الإزار والشميز والعمامة"، مع اختلاف خاماته بحسب البيئة؛ فالقرى الجبلية تستخدم القطن السميك للدفء، بينما تعتمد السواحل على الأقمشة الخفيفة لتسهيل الحركة ومقاومة الحرارة والرطوبة، وتظل الجنبية، بخطوطها المنقوشة ومقبضها الموشّى بالفضة، رمزًا للفروسية والمروءة والهوية المتجذرة. أما الزي النسائي، فهو لوحة من الجمال والرمزية الثقافية، تتنوّع تفاصيله بين اليومي والاحتفالي؛ فالصدرة والوزرة تمثل لباس المرأة في الجبال وتهامة، بينما يرمز "الـميل والكرتة" للأعراس والمناسبات، وتتزين بخيوط تظهر ألوان الطبيعة من خضرة الجبال إلى زرقة البحر ودفء الرمال؛ لتبرز تناغم المرأة الجازانية مع محيطها وبهاء حياتها اليومية. وتتباين التصاميم حسب البيئة؛ فالجبال بأقمشتها الداكنة المزدانة بخيوط ذهبية تعكس الهيبة والفخامة، والسواحل بأقمشتها الزاهية الخفيفة تتناغم مع البحر، والسهول تجمع بين الراحة والأناقة، لتجسّد النسيج الجغرافي لجازان بأسلوب فني مميّز. ورغم تأثير الموضة الحديثة وظهور الماركات العالمية، ما زال أبناء جازان، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يرتدون أزيائهم التراثية بزهو واعتزاز يوميًا وفي المناسبات الاجتماعية، في رسالة وفاء للأرض والهوية. كما يبرز المصممون الشباب والحرفيون المهرة جهودهم في إحياء التراث بأساليب عصرية ضمن برامج رؤية المملكة 2030، مما جعل الأزياء الجازانية رداءً حضاريًا نابضًا بالحياة، يربط عبق الأمس بنبض اليوم ويستشرف الغد. وفي مهرجان "شتاء جازان"، تتألق هذه الأزياء كلوحة حيّة، تعرض الموروث الشعبي وتبرز الهوية الثقافية للمنطقة، مانحةً الزوّار فرصة التفاعل مع التراث عبر الإبداع المعاصر. وبين نسيج الألوان وتطريز الذاكرة، تروي الأزياء الجازانية حكاية وطن يفخر بجذوره ويواكب العصر بإبداع أبنائه، لتظل جسرًا نابضًا بين التراث والحداثة، وشاهدًا على الإبداع الإنساني الذي لا تنطفئ ألوانه ولا تخبو ملامحه.