عرب وعالم / السعودية / عكاظ

فلسفية عقلانية البشر!

منذ نشأة علم الاقتصاد كتخصص مستقل وهو يحاول جاهداً أن يكون علمًا مُحكمًا، ويكون المنطق والعقل ميزانان لقرارات الأفراد والمجتمعات. فنماذج الاقتصاد الكلاسيكي بُنيت على فرضية سقراط البسيطة وهي أن «الإنسان كائن عقلاني» يسعى إلى تعظيم منفعته بأقل تكلفة ممكنة. في المقابل، يخبرنا الواقع بخلاف ذلك فكلما تعمّق الاقتصاديون في دراسة السلوك البشري، اكتشفوا أن هذا الكائن الذي يفترض أنه منطقي، يتصرف في مرات كثيرة على نحوٍ لا يمكن تفسيره بالمنطق. وهذا يؤكد أن عقلانية البشر في جوهرها أتت من زاويةٍ فلسفيةٍ مثالية بحتة لا تمت للواقعية بصلة. فالبشر لا يعيشون وفق العقل وحده، بل وفق ما يعتقدون أنه عقلاني. وبناءً على ذلك، الإنسان لا يُوجَّه فقط بما يعرف، بل بما يؤمن به.

فالمنطق يقول إن المستثمر يتبع الأرقام، والمستهلك يختار الأرخص والأجود، غير أن الأسواق أثبتت أن القرارات الاقتصادية لا تحكمها فقط المعادلات، بل المشاعر، والتوقعات، والتجارب السابقة، والمعتقدات. يمكن القول إن الإنسان قادر على أن يكون عقلانيًا، لكنه نادرًا ما يكون كذلك؛ لأن طبيعته الأعمق ليست «العقل»، بل «الاعتقاد».

لماذا تتضخم الأسواق في فترات الازدهار، ثم تتهاوى فجأة؟ ولماذا يرتفع سهم لا تملك شركته أرباحًا، أو ربما يُشترى منزل بثمن يتجاوز قيمته الحقيقية؟ المنطق لا يملك جوابًا كاملاً؛ لأن خلف هذه القرارات معتقدات عن المستقبل أكثر مما هو حساب للحاضر.

في الاقتصاد الحديث، الخيال أصبح جزءًا من المعادلة. فالثقة في النظام المالي ليست رقمًا، بل حالة نفسية، والتضخم لا يتحرك فقط لأن الأسعار ارتفعت، بل لأن الناس يتوقعون أنها سترتفع. التوقعات أي الخيال المنظم للمستقبل باتت تسبق الوقائع وتعيد تشكيلها. ومع دخول العالم عصر الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، أصبح الخيال أكثر حضورًا من أي وقت مضى.

ليس من العقلانية والمنطق أن تُقيَّم شركات بمليارات الدولارات قبل أن تحقق أي إيراد فعلي، وعملات رقمية تنشأ من لا شيء سوى الثقة أو الأمل، وأسواق مالية تتحرك بآراء مؤثرين أكثر مما تتحرك بمؤشرات وأرقام مالية واقتصادية فعلية. كل ذلك يثبت أن الخيال لم يعد نقيض المنطق، بل شريكه غير المرئي في صنع القيمة.

أخبرتنا الأزمات المالية والاقتصادية أن الفقاعات لا تنشأ من قوة الاقتصاد، بل من المبالغة في الثقة، ومن الإيمان بأن الارتفاع سيستمر إلى ما لا نهاية. وفي ظل تلك المؤشرات فإن أعظم التحديات أمام صُنّاع القرار اليوم هي كيفية الموازنة بين منطق الأرقام وخيال الرؤى. فالرؤية الاقتصادية الناجحة تحتاج إلى خيالٍ ومنطق معاً، فالأول قادر على رسم المستقبل، والآخر يساعد في حمايتها من المبالغة والوهم. فالأمم لا تتقدّم بالمنطق وحده، ولا تبني مستقبلها بالخيال وحده؛ بل حين يلتقي الاثنان في نقطةٍ واحدة تسمى الرؤية.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا