يسألني البعض كيف يمكن أن نُنتج جيلاً كروياً يلعب كرة القدم بروحٍ عالية، وقتاليةٍ حقيقية، وحضورٍ مميّز يقود الأندية والمنتخبات إلى النجاح والإنجازات؟، يسألون، ومن حقهم مثل هذا السؤال، على خلفية تحقيق منتخب المغرب أخيراً كأس العالم للشباب. وجدت نفسي وبكل قسوة أرد على مثل هذه التساؤلات بأهمية تغيير الفكرة الترفيهية والمثالية المحاطة بها حالياً الأكاديميات الكروية، فلا أعتقد أن نجماً من نجوم المغرب ذهبت به سيارة خاصة ترافقه مربية من البيت إلى الأكاديمية، بل يركض على قدميه الحافيتين تطارده كوابيس الحاجة لأجل القتال في الملعب فيبرز أنيابه ومخالبه لينتزع الخانة التي يلعب فيها من غيره، وهذا الحال ليس في المغرب فقط بل وفي كل العالم؛ لذلك تجد مجموعة الأفارقة في الأكاديميات الأوروبية وبعض سكان جنوب المدن الكبرى. الكاتب ابن اللعبة والحقيقي الذي لم تغيّره بريق الماركات من اكسسوارات وملبوسات يعرف أن كرة القدم لعبة الحرب، والحب لعبة الموت، والحياة لعبة الفقر والغنى؛ لذا أقول بثقة إن الطريق إلى ذلك لا يبدأ من الأندية أو المنتخبات، بل من الفكرة الأولى التي نزرعها في الطفل منذ سنواته الأولى. اليوم، نرى من يصنع ما يُسمّى «أكاديميات كروية» تُشبه في واقعها الحضانة أو الروضة، كثير من الترفيه والجهد السلوكي وبروتوكول استخدام الشوكة والسكين على طاولة الطعام، ومراجعة المشرف النفسي والمشرف الاجتماعي إلى غير ذلك، هذا عمل متميّز لكنه يختلف عن عمل كرة القدم ذاك الذي فيه تبكي من كلمات مدربك الجارحة ثم تعود في اليوم التالي لتنتصر عليه، فالتأسيس الحقيقي لا يكون بالتسلية والأنشطة الشكلية، بل عبر نظام صارم يُعلّم الطفل الجدية والانضباط وروح التحدي و«الضعيف تبكيه أمه» كما يقال في المثل الشعبي. يجب أن يكون الطفل الصغير مستعدًا للقتال، قادراً على إظهار أنيابه ومخالبه، وأن يقاتل من أجل المركز الذي يريد أن يلعب فيه، يجب أن يقاتل من أجل الحصول على «جزمة» الفريق ليعوض قدميه الحافيتين. إن مجرد جمع الأطفال وأخذ الأموال منهم ومن أهاليهم لن يصنع كرة قدم حقيقية، إنه بذخ مجتمعي يحافظ فيه الصغير على وقته ليشغله فيما يفيد كأن تقول له «العقل السليم في الجسم السليم». فهكذا تُهدر الطاقات وتضيع المواهب قبل أن تنضج، هذه هي روح اللعبة في بناء جيل كروي يبدأ من الجدية، والانضباط، والعمل الحقيقي، لا من الترفيه والسطحية والتنافس على آخر صيحات «قصة الشعر»، الأكاديمة يجب ألا تكون مسرحاً للممثلين بل ميدان اقتتال لأجل إثبات الذات وتحدي المعوقات. وإذا أردنا أن نُخرّج لاعبين يحملون روح القتال في الميدان، فعلينا أن نُنشئ بيئة تعليمية وتدريبية تُغرس فيها المنافسة الصحيّة منذ الصغر، قائمة على الجهد، والموهبة، والاستحقاق. العمل الحقيقي لا يبدأ عند تمثيل المنتخب، بل في الصفوف الأولى من التعليم، حين يتعلم الطفل معنى الالتزام، وأخلاقيات الرياضة، وروح الفريق الواحد. إن جيل الإنجاز لا يولد صدفة، بل يُبنى على العلم، والانضباط، والتخطيط المبكر حين يأكل الصغير عشب الملعب من أجل الفوز. وحين نغيّر مفهوم الحضانة من «مكان للرعاية» إلى «أكاديمية للتأسيس»، سنكون قد وضعنا اللبنة الأولى لبناء مستقبلٍ كروي مشرق، يليق بطموحنا، ويعكس روح الوطن في كل ملعب. أخبار ذات صلة