تم النشر في: 23 أكتوبر 2025, 11:08 صباحاً في تاريخ أرامكو السعودية أسماء كثيرة أسهمت في صياغة ملحمة التنقيب والإنتاج، وخلّدت إرثًا من العمل الجاد والتفاني. من بين تلك الأسماء البارزة يبرز اسم توم بارغر، الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين السابق للشركة ورئيس مجلس إدارتها، الذي وصل إلى المملكة عام 1937 للعمل كمسّاح جيولوجي في منطقة الامتياز الشاسعة، قبل أن يصبح أحد الرواد الذين ساهموا في رسم ملامح المسار المذهل لدولة ناهضة. رحلة إلى المجهول بدأت قصة بارغر بعد ست سنوات من تخرجه في جامعة داكوتا الشمالية، في ظل تداعيات الكساد العظيم الذي شلّ الاقتصاد الأمريكي وقلّص فرص العمل في منتصف الثلاثينيات. عمل بارغر في مجالات التعدين بكندا، ثم كأستاذ مساعد في جامعته، قبل أن يتلقى عرضًا من شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) للعمل ضمن فريق المسح الزلزالي في المملكة. بعد المقابلة، لم تمضِ سوى خمسة أسابيع حتى وصل إلى الخُبر، حيث بدأ رحلته الميدانية التي قادته إلى أعماق الربع الخالي مع الجيولوجي جيري هاريس، لاستكشاف منطقة شاسعة لم يسبق أن وطأها غربي من قبل. وخلال تلك الرحلات اكتشف نتوءات صخرية تبشّر بوجود احتياطيات نفطية ضخمة أصبحت فيما بعد شريان الحياة للمملكة. شراكة فريدة في قلب الصحراء رافق بارغر في رحلاته خميس بن رمثان، الذي لقّب بـ“دليل الأدلاء”. ويستعيد بارغر إحدى الذكريات معه حين لاحظ خميس تغير موقع نجم الشمال، قبل أن يدرك بارغر بعد سنوات أن ملاحظته كانت دقيقة علميًا، إذ كانوا قد تحركوا جنوبًا بمئات الأميال، ما غيّر زاوية رؤية النجم — دلالة على فطنة خميس الفريدة وبراعته الملاحية. ولادة مجتمع جديد تزوج بارغر من كاثلين راي قبل ثلاثة أسابيع من سفره إلى المملكة عام 1937. وبعد زيارتين قصيرتين إلى بلاده في عامي 1940 و1943، التحقت كاثلين به في عام 1945، لتبدأ معه حياة جديدة في الظهران. في تلك البيئة التي جمعت بين الأصالة والحداثة، أنجب الزوجان ستة أطفال، وعاشا في مجتمع يضم مدارس أمريكية، فيما كانت الصحراء الواسعة بمثابة حديقتهما الخلفية. إرث خالد من خلال نشاطه الاستكشافي وعلاقته الوطيدة بخميس بن رمثان، أتقن بارغر اللغة العربية واكتسب فهمًا عميقًا للثقافة البدوية، وهو ما مكّنه من بناء علاقات حقيقية مع القادة السعوديين والمجتمعات المحلية. وعندما انتقل إلى إدارة العلاقات الحكومية عام 1940، برزت قدراته الدبلوماسية، مما أهّله لاحقًا ليصبح نائبًا للرئيس للعلاقات الحكومية عام 1958، ثم رئيسًا لأرامكو عام 1959، وكبير الإداريين التنفيذيين عام 1961، وأخيرًا رئيسًا لمجلس الإدارة عام 1968، قبل أن يتقاعد بعد عام واحد. لقد كان توم بارغر أحد الرجال الذين تركوا بصمتهم في تاريخ النفط السعودي، وأحد أبرز من ساهموا في تحويل رحلة التنقيب إلى قصة نجاح عالمية بدأت من رمال الصحراء السعودية.