كانت نهاية التسعينات حقبة التبشير بولادة عصر جديد مفاده أن هناك عهداً جديداً يطلق عليه العولمة يعد بحرية التجارة الدولية وحرية انتقال الأفكار والأموال والبشر، إلا أن الواقع الجيوسياسي والجيواقتصادي اليوم يظهر العكس تماماً. فهناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى تراجع أو نهاية عصر العولمة بصيغتها التي سادت بعد الحرب الباردة، ويُشار إليها أحياناً باسم «تفكيك العولمة» (De-globalization) أو التحوّل إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتشظٍ. أبرز علامات نهاية عصر العولمة تشمل: 1- عودة الحمائية وتفكك سلاسل التوريد تصاعد النزعات الحمائية: اتجاه الدول الكبرى لفرض قيود على التجارة والاستثمار الأجنبي، مثل الحروب التجارية والتعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين. تأمين سلاسل التوريد (Reshoring/Friend-shoring): تحوّل الشركات والحكومات من هدف «تحسين سلاسل التوريد» (لتحقيق أدنى تكلفة) إلى هدف «تأمينها» وتقليل الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية أو الدول المنافسة جيوسياسياً. تراجع التجارة العالمية: تباطؤ نمو التجارة العالمية ونسبة الصادرات العالمية إلى الناتج الإجمالي العالمي بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 وجائحة كوفيد-19. 2- التوترات الجيوسياسية واستخدام الترابط الاقتصادي كسلاح تزايد التنافس الجيوسياسي: خاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، مما أدّى إلى تقسيم الاقتصاد العالمي إلى تكتلات متنافسة وجزر متباعدة يسودها القلق والشك والخوف والغيرة. تسليح الاقتصاد: استخدام الطاقة، أشباه الموصلات، والمواد الخام والمعادن النادرة كأدوات للقوة الجيوسياسية والضغط على الدول الأخرى (مثل العقوبات الاقتصادية والتعاريف الجمركية المبالغ فيها). تراجع أهمية المؤسسات الدولية: ضعف دور منظمات مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية في ظل تراجع التعاون العالمي وانعدام الثقة بين الدول. 3- تنامي الشعبوية وعدم المساواة تنامي السخط الشعبي والإحساس بالظلم وغياب العدالة: ازدياد خيبة الأمل لدى شرائح واسعة من السكان نتيجة ركود الأجور وتفاقم التفاوت في توزيع الثروة، حيث تراكمت مكاسب العولمة بشكل متزايد لصالح رأس المال المتوحش على حساب حقوق العمال. صعود الحركات الشعبوية والقومية الاقتصادية: ظهور حركات سياسية تناهض العولمة وتدعو للتركيز على المصالح الوطنية أولاً (مثل تصويت البريكست وصعود تيار الماجا الترامبية). كل هذه المؤشرات تشير إلى أن العولمة بصيغتها المعروفة السابقة «تحتضر»، لكن هناك عدد غير قليل من الخبراء يرون أنها قد تتخذ أشكالاً جديدة كـ «عولمات متوازية» أو نظام عالمي متشظٍ بدلاً من أن تنتهي تماماً. أخبار ذات صلة