لا أملك دليلاً مادياً، بقدر ما أمتلك العديد من الشواهد التي يمكن أن تُقدّم تشريحاً دقيقاً لحالة من الفوضى المتجددة التي تشوب مشهد النقل التلفزيوني للدوري السعودي. هذه الفوضى ليست وليدة هذا الموسم، بل تمتد جذورها إلى ما يقارب عقدين من الزمن، حيث يجد المشاهد الرياضي نفسه، بين حينٍ وآخر، أمام مشهدٍ متكرر من «التعاقدات» المتبدلة والمفاجئة، يتساءل معها عن السر الحقيقي وراء تغيّر مسميات القنوات الناقلة بين فترةٍ وأخرى. -لقد تحول الأمر إلى ما يشبه مسلسلاً لا نهاية له، مسيرة حافلة ببدايات صعبة مركزها التلفزيون المحلي ثم الانتقال إلى القنوات الخاصة مثل«ART» و «قناة الجزيرة الرياضية» إلى أن وصلنا إلى مرحلة بدأنا نسمع عن قنوات حديثة المنشأة والولادة تظهر فجأة بلا أي مقدمات على الساحة الإعلامية، مثل SSC وقناة ثمانية، يتم التعاقد مع قنوات لم تسمع بها من قبل.. لا تملك سمعة ولا خبرة في مجال النقل التلفزيوني للمباريات، وليس لها اسم معروف في مجال الإعلام بصفة عامة أو الرياضي بصفة خاصة تُبرم معها عقود سنوية أو متعددة السنوات، ليبقى السؤال قائماً: ما الأسباب الحقيقية وراء إنهاء العلاقة مع قناةٍ لم تلبث أن بدأت، ثم التعاقد مع أخرى بالمعايير ذاتها، دون أن يكون لها تاريخٍ إعلامي أو سجلٍّ مهني معروف؟ -في المقابل، هناك ما يُعرف بـ«الشركة المشغّلة للدوري والمسابقات المحلية»، وهي بدورها تشكّل لغزاً محيّراً، فلا معلومات واضحة عن هويتها الفعلية، أو عن ملكيتها، أو عن العمر الزمني لوجودها، لتبقى في دائرة الغموض دون أن يتجرأ أحد على كشف حقيقتها، ولمن تتبع ملكيتها، وتوضيح دورها ومصادر دعمها، ولا ندري لصالح من تستمر بهذه الصورة الغامضة جداً. -في الحقيقة، إن هذه الشركة تبدو هي محور الإشكال وأصل الخلل في منظومة النقل التلفزيوني، لقد أصبحت هذه الحالة المعروفة والمسكوت عنها واقعاً مكرّراً منذ سنوات طويلة؛ إذ تتبدّل القنوات الناقلة، بينما تبقى الشركة المنتجة بمنأى عن أي مراجعة أو مساءلة، وكأنها خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه. -كل شيء في محيطنا الرياضي تغير بشكل مذهل إلا النقل التلفزيوني من سيئ إلى أسوأ، وتستمر المعاناة ذاتها: ضعفٌ في مستوى الإخراج الفني، وغيابٌ للحلول الجذرية، رغم وضوح الأسباب ومعرفة مواضع الخلل، وعلى ضوء هذا السكوت وعدم المبالاة يجد المشاهد نفسه مجبراً على تقبّل الوضع كما هو، حتى على مستوى ما يكتب من آراء «نقدية» لم تعد تجدي، فلا تجد لها صدى أو تفاعلاً إيجابياً، مهما يقال ويكتب «لا حياة لمن تنادي». -اللهم ارحم أيام كان النقل والإخراج التلفزيوني بأقل الإماكانيات معتمداً على الكفاءات الوطنية أمثال طارق ريري، فيصل عراقي، وعيسى الرميح، ومسفر المالكي، ومحمد سندي، وغيرهم، ولو قارنا بما كان يدفع مالياً في تلك الحقبة الزمنية والحقبة الحالية لوجدنا الفرق شاسعاً جداً يذهب إلى صناع المرحلة الحالية، أما على الأداء العملي فصناع المرحلة السابقة يتفوقون كثيراً كجانب تخصصي وإبداع، ولا مجال للمقارنة بأي حال من الأحوال. أخبار ذات صلة