ربما يكون الخليج اليوم أمام لحظةٍ فارقةٍ في مسار وعيه الجمعي، لحظة انتقال هادئة ولكنها عميقة، من ثقافة «الواجب» التي تأسست على العاطفة، إلى منطق «المصلحة المشتركة» التي تُبنى على الوعي بالذات والسيادة والمسؤولية.
نحن نغادر ببطء مرحلة الإنفاق العاطفي والرمزي على الآخرين إلى مرحلةٍ أكثر عقلانية، حيث تُقاس العلاقات بميزان الاحترام المتبادل لا بكرم المانح أو خضوع المحتاج.
التحولات الكبرى لا تُعلن نفسها بالبيانات، بل بالقرارات... والخليج اليوم يتعلّم أن يقول «لا» بوعي، لا بخصومة، وأن يضع حداً لاستنزاف العاطفة القومية التي تحولت، في بعض الأحيان، إلى وسيلة ضغطٍ سياسي أو ابتزازٍ أخلاقي باستحقاق جنوني...
الخطاب الذي كان يوماً يُجمّعنا تحت راية «الأمة المتخيلة» لم يعد صالحاً لعصر الدول الحديثة... فتلك الأمة التي بُنيت على الحنين والأسطورة أكثر مما بُنيت على المصالح والتنمية، آن لها أن تتوارى أمام واقع الدولة الواعية، الدولة التي تفكر بمواطنيها أولاً وبمنطق القوة الهادئة لا الانفعال العاطفي.
يتجلّى هذا التحول في موقف دول الخليج من إعادة إعمار غزة، إذ لم تعد السعودية مستعدة لكتابة شيكاتٍ على بياض بعد عقودٍ من الفساد وسوء استخدام المساعدات، فيما ترفض الإمارات أي دورٍ لحماس، وتطالب قطر بضمانات حقيقية لتنفيذ إسرائيل التزاماتها قبل التمويل، بينما تنظر مصر إلى الإعمار كفرصةٍ اقتصاديةٍ لشركاتها...
مشهد يعكس تحولاً جذرياً من منطق «التضامن العاطفي» إلى «الواقعية السياسية».
لقد دفع الخليج ثمناً باهظاً حين خلط بين التضامن والمغامرة، وبين الدعم والإدمان على دور المنقذ! واليوم، يعي أن السيادة لا تُقاس بحجم المنح بل بقدرة القرار على حماية المصالح الوطنية دون ضجيج. القوة الحقيقية ليست في كثرة المساعدات، بل في قول «كفى» بثقة وهدوء.
إننا أمام لحظة نضج سياسي، تضع العاطفة في موقعها الطبيعي: تابعاً لا قائداً، وتعيد التوازن بين الكرم والحكمة، بين الهوية والانفتاح، بين الدور الإقليمي والحق الوطني. ليست أنانية، بل وعي جديد يقول بوضوح: لسنا أوصياء على أحد، ولسنا أدوات في يد أحد، نحن شركاء متكافئون في عالمٍ يتغير...
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
