تُعد حساسية حليب البقر واحدة من أكثر الحساسيات شيوعًا لدى الأطفال والبالغين، لا يعلم رغم ذلك الكثير من الناس أسبابها أو تظاهراتها التحسسية. قد يخلط البعض بين حساسية الحليب وحساسية اللاكتوز، يتحرض نوعا الحساسية السابقان باستهلاك منتجات الألبان، إلا أنهما لا يتشاركان المسببات أو الأعراض ذاتها. يحتاج كل منهما أيضًا إلى أساليب علاجية مختلفة عن الآخر.
يتعامل جهاز المناعة لدى المصابين بحساسية الحليب مع بعض البروتينات الموجودة في حليب البقر بوصفهم غزاة. يبدأ الجسم برد فعل تحسسي قد يهدد الحياة في سبيل الحفاظ على الاستتباب ومواجهة الخطر المحتمل. تعود حساسية اللاكتوز من ناحية أخرى إلى مشكلات في تحليل اللاكتوز وهضمه، إذ يعد اللاكتوز السكر الأساسي في منتجات الألبان.
تظهر حساسية الحليب غالبًا لدى الرضع، لذلك فإن للتعرف على الأعراض في مرحلة مبكرة دور مهم لدى الأهالي. يقدم هذا المقال دليلًا لحساسية الحليب الشائعة، يفيد في فهم الأسباب والأعراض وخيارات العلاج فهمًا أفضل.
ما حساسية الحليب؟تُعرف حساسية الحليب بردة فعل تحسسية يتواسطها جهاز المناعة ضد بروتين واحد أو أكثر في حليب البقر، مثل الكاسين ومصل الحليب. توجد ثلاثة أنواع لحساسية الحليب صُنفت تبعًا للآلية المناعية التي تسببها وتوقيت ظهور الأعراض، وتقسم إلى: حساسية متواسطة بالغلوبيولينات المناعية (IgE)، حساسية مختلطة بالغلوبيولينات (IgE)، وحساسية غير متواسطة بالغلوبيولينات (IgE).
تحدث الحساسية المتواسطة بالغلوبولينات المناعية IgE عندما يبدأ الجسم بتشكيل الغلوبولين المناعي النوعي للمصل فور تناوله البروتينات المثيرة للحساسية. يسبب هذا النوع من حساسية الحليب ظهور أعراض فورية ومستمرة. تبدأ ردات الفعل السلبية عادةً بالظهور بعد ساعتين على الأكثر من استهلاك منتجات الحليب، لكنها غالبًا تحصل بعد 20-30 دقيقة.
بالمقابل لا تتضمن الحساسية غير المتواسطة بالغلوبولينات IgE إنتاج الغلوبولين المناعي النوعي للمصل، وتتأخر أعراض هذا النوع بالظهور. تستغرق عادةً الأعراض نحو ساعتين إلى 72 ساعة بعد استهلاك حليب البقر حتى تظهر. تتضمن ردات الفعل التحسسية المختلطة بالغلوبيولينات IgE وغير المتواسطة بها مزيجًا من استجابات الآليتين السابقتين، التي عادةً ما تتأخر حتى تظهر.
تحصل حساسية اللاكتوز عندما لا يستطيع الجسم هضم اللاكتوز هضمًا صحيحًا. لا يُهضم اللاكتوز في الجسم بصورته الأساسية، بل يجب تفكيكه أولًا إلى غلوكوز وغالاكتوز. يُسمى الإنزيم الهضمي المسؤول عن هذه العملية اللاكتاز. تمثل انعدام قدرة الجسم على إنتاج كميات كافية من هذا الإنزيم أحد أهم الأسباب الكامنة وراء حساسية اللاكتوز. تنتقل نتيجة ذلك السكريات غير المهضومة في حليب البقر إلى القولون، الذي يُعد مسكنًا للبكتيريا المعوية. تزيد هذه العملية من السوائل والغازات في الجهاز الهضمي، ما يسبب أعراض الإسهال وتطبل البطن والنفخة وآلام البطن والتعب.
تقدر الأبحاث أن نحو 2-3% من الأطفال تحت سن الثالثة يعانون حساسية لحليب البقر. تتضمن عوامل الخطر للإصابة بالحساسية هذه كل من الجنس «يُعد الذكور أكثر عرضة للإصابة بحساسية الحليب من الإناث بضعفين»، والظروف التأتبية «مثل الربو والأكزيما التأتبية»، ووجود تاريخ عائلي للتحسس من الأطعمة أو تاريخ عائلي للتأتب. قد يعاني البعض ردة فعل تصالبية لأحد البروتينات في حليب الماعز والغنم والخيل والإبل والجاموس.
أسباب حساسية الحليب وأعراضها:تُعد الآلية الكامنة وراء حساسية الحليب غير معروفة حتى الآن، لكن يُعتقد أن لعدد من العوامل الجينية والبيئية دور فيها. تتمثل حساسية حليب البقر المتواسطة بالغلوبيولينات IgE بإنتاج الجسم لأضداد IgE تحديدًا بوصفها ردة فعل للبروتينات في حليب البقر. ترتبط هذه الأضداد بأسطح خلايا الجسم، مسببةً تحرير الخلايا لبعض الوسائط «مثل الهيستامين»، التي تحرض بدورها ظهور الأعراض السريرية للحساسية. تعتمد حساسية حليب البقر غير المتواسطة بالغلوبيولينات IgE على خلل في وظيفة الخلايا التائية، وهي أحد أنواع الكريات البيضاء الضرورية لعمل الجهاز المناعي عملًا صحيحًا.
تتضمن الأعراض الشائعة لحساسية الحليب بالشرى -الطفح الجلدي- واضطرابات في المعدة والإقياء والبراز المدمى وحتى فرط الحساسية في الحالات الخطيرة. تتمثل أعراض فرط الحساسية بتضيق في المجاري التنفسية وصعوبات في التنفس وانخفاض مفاجئ في ضغط الدم، ما يسبب الدوار والإغماء.
هل يمكن علاج حساسية الحليب؟تجب مراجعة طبيب مختص وتلقي التشخيص الصحيح إذا شك الأهل بإصابة أحد أطفالهم بحساسية الحليب. يطرح الطبيب عادةً بضعة أسئلة لتشكيل صورة واضحة للتاريخ الطبي للطفل. قد يجري الطبيب أيضًا اختبارات للكشف عن وجود الأضداد IgE في جسمه، مثل اختبار وخز الجلد أو اختبارات الدم.
قد يستأذن الأطباء أيضًا الأهالي لإجراء اختبار الغذاء الفموي. إذ يُعطى الطفل كميات صغيرة من مادة تحوي بروتينات الحليب للكشف عن أي ردة فعل تحسسية، وذلك وفقًا لإشراف طبي دقيق. يتمكن الطبيب بعدها من تأكيد التشخيص بناء على جميع الاختبارات السابقة.
لم تثبت أي أدوية حتى الآن كفاءتها في علاج حساسية حليب البقر. الطريقة الوحيدة الفعالة للتحكم في هذه الحساسية هي تجنب منتجات الألبان والأطعمة المحتوية على بروتينات حليب البقر.
بموجب القانون، تلتزم مصانع الأغذية بالإشارة إلى وجود حليب البقر ومكوناته في ملصق المكونات على المنتج. ينصح الطبيب أو مختص التغذية الأهل بأنسب أنواع حليب الأطفال المدعم، إذا كان الطفل أصغر سنًا من أن يتناول الأغذية الصلبة. يوصى مرضى حساسية الحليب «أو من يرعاهم» الاحتفاظ بدواء (EpiPen) دائمًا، للوقاية من خطر حدوث فرط الحساسية، وهو جهاز حقن تلقائي يحوي إبينفرين «أدرينالين». يمثل استخدام (EpiPen) الفوري العلاج الوحيد للوقاية من أعراض صدمة فرط الحساسية المهددة للحياة.
يساعد أيضًا تناول حليب البقر المطبوخ مرضى حساسية الحليب. يشير مصطلح الحليب المطبوخ إلى عملية تسخين الحليب إلى حد تفكك بنية البروتينات المسببة للتحسس. توضح نتائج دراسة أجريت عام 2007 أن الغالبية العظمى من الأطفال تحت سن الثانية من العمر يستطيعون تحمل تناول منتجات الحليب المطبوخ في نظامهم الغذائي. تشير بعض الدراسات أيضًا إلى أن شرب الحليب المطبوخ قد يمكنهم من التغلب على حساسية الحليب بصورة أسرع. لا تُدعم الدراسة السابقة إلا بعدد قليل من الدلائل.
هل يمكن التغلب على حساسية الحليب؟يتغلب نحو 75% من الأطفال في النهاية على حساسية الحليب عند بلوغهم الخامسة من العمر. تستمر أعراض حساسية الحليب بالظهور غالبًا لدى الأشخاص الذين يملكون مستويات أعلى من أضداد حليب البقر في دمهم. ينصح الطبيب الأهالي بالوقت المناسب -إذا أمكن- لإدخال منتجات الألبان في نظام الطفل الغذائي.
يبدأ الأطفال بتحمل الحليب المطبوخ جزئيًا ومنتجات الألبان المخمرة عند تغلبهم على حساسية الحليب. إذ تزداد كمية حليب البقر الآمنة للاستهلاك تدريجيًا. لكن قد تختلف سرعة الشفاء والكميات الآمنة التي يمكن تحملها بشكل ملحوظ بين الناس. ينصح دائمًا بإدخال منتجات الألبان إلى النظام الغذائي للمريض بعد استشارة الطبيب أو مختص التغذية لتقليل خطر حدوث أية ردود فعل عكسية.
اقرأ أيضًا:
جزيئات دقيقة في حليب الثدي تحمي الرضع من الإصابة بالحساسية
تربية حيوان أليف تخفف من مخاطر الحساسية على أطفالك.. لكن لا تُرَبِّ هامستر!
ترجمة: رهف وقاف
تدقيق: أكرم محيي الدين
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
