كتبت مروة هريدىالإثنين، 06 أكتوبر 2025 12:00 ص عندما يتحدث الناس عن الدورة الشهرية، ينصب التركيز على التقلصات وتقلبات المزاج والاضطرابات الهرمونية التي تحدث خلال هذه الفترة، لكن وراء الكواليس، يحدث أمرًا أكثر إثارة للاهتمام، وهو أن الدماغ نفسه يتغير، وهو ما يوضحه تقرير موقع "تايمز أوف انديا". ووفقًا لدراسة أجريت عام 2023 بقيادة علماء أعصاب من جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، فإن الدورة الشهرية لا تؤثر على الجهاز التناسلي لدى المرأة فحسب، بل تُعيد تشكيل أجزاء من الدماغ كل شهر، وهو تذكير بأن الدورة الشهرية ليست مجرد حدث جسدي بل هي حدث دماغي أيضًا. الدراسة التي شهدت حركة الدماغ تابع البحث، المنشور في مجلة "رسم خرائط الدماغ البشري"، 30 امرأة طوال دوراتهن الشهرية، وباستخدام فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي المتطورة، لاحظ العلماء ما يحدث داخل الدماغ مع ارتفاع وانخفاض الهرمونات، وبدلًا من التركيز على المزاج أو السلوك، وهو ما فعلته معظم الدراسات، ركزت هذه الدراسة على البنية: كيف تتغير المادة البيضاء والرمادية في الدماغ جسديًا مع كل مرحلة من مراحل الدورة الشهرية. وكانت نتائجهم مذهلة، فمع تقلب مستويات هرمونات مثل الإستروجين والبروجسترون، تغيرت أيضًا بشكل طفيف المادة البيضاء في الدماغ (التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة) والمادة الرمادية (التي تتولى معالجة المعلومات والتفكير). ولم تحدث هذه التغيرات في المناطق الحساسة للهرمونات مثل منطقة ما تحت المهاد فحسب، بل في جميع أنحاء الدماغ، فعندما يصل هرمون الاستروجين إلى ذروته، يشتعل الدماغ قبيل الإباضة، وترتفع مستويات هرمون الإستروجين، ويرتفع نشاط الدماغ أيضًا، وقد وجد الباحثون أنه خلال هذه المرحلة، تصبح المادة البيضاء أكثر كفاءة في إرسال المعلومات، تمامًا مثل تحسين سرعة الإنترنت، ويشير هذا إلى أن هرمون الإستروجين قد يُحسن التواصل بين مناطق الدماغ المختلفة، وقد يُفسر هذا سبب شعور العديد من النساء بكفاءة أكبر في عمل الدماغ والذكاء والإبداع والثقة الاجتماعية في منتصف الدورة الشهرية، ومع أن الدراسة لم تختبر الأداء العقلي مباشرة، إلا أنها تُقدم دليلاً بيولوجيًا على أن الدماغ تكون أكثر اتصالًا وتفاعلًا عندما يكون مستوى هرمون الإستروجين مرتفعًا. عمل البروجسترون المهدئ بعد الإباضة يتولى البروجسترون زمام المبادرة، ويبدو أنه يُجري تغييرات تدريجية على الدماغ، فخلال هذه المرحلة، لاحظ الباحثون زيادة في حجم أنسجة الدماغ وانخفاضًا طفيفًا في السائل النخاعي، ويُمكن اعتبارها بمثابة فترة "راحة وإعادة بناء" للدماغ، وغالبًا ما يرتبط البروجسترون بالهدوء والتأمل، وقد تفسر هذه التغيرات البنيوية شعور العديد من النساء بمزيد من التأمل أو التركيز على الذات في الأيام التي تلي الإباضة. ولا يقتصر الأمر على الهرمونات التي تؤثر على المشاعر، فالدماغ يُعيد تنظيم نفسه حرفيًا ليتوافق مع إيقاع الجسم، يُسلط هذا الاكتشاف الضوء على حقيقة إنسانية عميقة وهى أن الدماغ ليس ساكنًا، إنه يتنفس ويتكيف ويتحول مع دورات الجسم الطبيعية، وعلى مدار حياتها، قد تمر المرأة بحوالي 450 دورة شهرية، أي ما يعادل 450 دورة من إعادة تشكيل الدماغ. إن فهم هذه التحولات ليس مجرد فضول علمي، بل قد يساعد في تفسير سبب تقلب بعض الحالات العصبية أو العاطفية، كالصداع النصفي والقلق وتقلبات المزاج، مع الدورة الشهرية، وقد يؤدي ذلك إلى علاجات أكثر تخصيصًا تراعي الإيقاع الهرموني بدلًا من مكافحته. النقطة المفقودة في أبحاث صحة المرأة لعقود ركزت معظم دراسات الدماغ على الرجال، ويعود ذلك جزئيًا إلى اعتبار الدورة الهرمونية الأنثوية "متغيرًا"، لكن هذه الدراسة تقلب هذه الفكرة رأسًا على عقب، فالتباين الهرموني ليس مجرد ضوضاء، بل بيانات بالغة الأهمية، ومن خلال دراسة هذه الأنماط، بدأ العلماء أخيرًا في فهم آلية عمل بيولوجية الأنثى، ليس فقط أثناء الإنجاب، بل طوال الحياة، فالعقل لا يخون المرأة خلال دورتها الشهرية، بل يتكيف ويُعيد ضبط نفسه ويُهيئ نفسه لما سيأتي.