بهذه المقالة ينتصر ثروت الخرباوي للدكتور سعد الهلالي ، وينتصر للحق والشرع الصحيح وليس المزيف الذي تتداوله كتب الأرهر بما أن مواضيع الميراث والتركة والمال أصبحت محل جدل ، فهل تسمحون لي بأن أبدأ معكم حديثا بسيطا وسهلا ، اكتبه من واقع قناعاتي ولا أملك أن ألزم به أحدنبدأ بالوصية المشهور أن الوصية لا تجوز إلا في حدود الثلث فهل هذا صحيح ؟ الوصية واجبة وموجبة، طالما أنها تأمر بالمعروف، والوصية مقدمة على الميراث، وهي الأصل، وذلك وفقا لما قاله الله تعالى في كتابه الكريم عن توزيع الميراث إنه لا يتم إلا: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، وقوله سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء:12 . والوصية حق مطلق للموصي، ولذلك له أن يوجه مال وصيته للجهة أو الشخص الذي يرى أنه وأنها أحق من غيرها، ولا يشترط أن يتم توجيه هذا المال للورثة، كما أنه لا يشترط نصاب معين في الوصية، فإذا قال بعضهم إنها لا تجوز إلا في حدود الثلث فإن هذا يتعارض مع الحق المطلق للوصية الذي أورده الله سبحانه وتعالى في القرآن دون نسبة ما، ولا يجوز لأحد أن يفهم حديث النبي صلوات الله عليه بشأن كيفية التصدق بثلث المال على أنه حديث عن الوصية، أو تقييد حق الموصي، أو أنه تشريع عام، وأنا بدوري لا يمكن أن أنكر حديثا للنبي ، طالما أنه ورد في كتب الصحاح، ولكن لي الحق أن أفهمه وفق كلماته، فمن الأحاديث ما يجوز اعتبارها تشريعا للأمة، ومنها ما يجوز اعتبارها نصيحة شخصية مرتبطة بحادث ما أو واقعة ما، أو ظرف إنساني لشخص بعينه دون غيره من أهل الأمة، سعد الدين الهلالي فقد ورد هذا الحديث الخاص بالوصية التي لا تجوز إلا في حدود الثلث كالآتي: عن عامرِ بنِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، عن أبيهِ سعد بن أبي وقاص رضِيَ اللهُ عنه قال “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَعودُني عامَ حجَّةِ الوداعِ مِن وجَعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: إنِّي قد بلَغَ بي مِنَ الوَجعِ وأنا ذو مالٍ، ولا يَرِثُني إلَّا ابنةٌ؛ أفأتصدَّقُ بثُلُثَيِ مالي؟ قال: لا. فقلتُ: بالشَّطرِ؟ فقال: لا، ثمَّ قال: الثُّلُثُ، والثلُثُ كبيرٌ -أو كثيرٌ-؛ إنَّك أنْ تَذَرَ ورَثتَك أغنياءَ خيرٌ مِن أنْ تذَرَهم عالَةً يَتكفَّفونَ الناسَ…” لاحظ ان سعد بن أبي وقاص وفقا للحديث يتكلم عن رغبته في التصدق بماله خال حياته ، ولا يتكلم عن وصية ما ،. الثلث ليس حديثا للأمة ولكن نصيحة شخصية إذن هذا حديث خاص بالصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، وكان مريضا، وأراد أن يتصدق في حياته ـ وليس بعد وفاته ـ بماله كله، وكان له في هذا الوقت إبنة وحيدة، لا زالت صغيرة، لم تتزوج بعد وليس لديها القدرة على الكسب، فكانت كلمات النبي له بمثابة نصيحة شخصية لها خصوصيتها، متعلقة بالصحابي الجليل فقط دون غيره، وليست تشريعا عاما يجب أن تلتزم به الأمة حتى ولو تغيرت المواقف ، أوالحالة الاجتماعية، كأن لم يكن للموصي أبناء صغار يعيشون في رعاية الموصي، أو لم يكن له ورثة ضعاف، كما أن هذا الحديث لو فرض جدلا وكان متعلقا بالوصية ـ وهو غير ذلك ـ لكان يجب ان يكون حديثا عاما يُخبر به الرسول كل الأمة، ويلقيه على مسامعها في خطبة جامعة، وليس حديثا فرديا في غرفة مغلقة لشخص مريض على فراش المرض يظن أن الله سيتوفاه حالا وذلك من أثر المرض الذي أصابه، وقد يتوفاه الله بعد زيارة النبي له فلا يصل خبر هذا الحديث لأحد، وما فهمته أنا من هذا الحديث أن النبي كان يعلم الحالة الاجتماعية لهذا الصحابي الجليل، فكانت كلمات النبي له هي من الأمور الشخصية وليست التشريعية، وما كان النبي أن يضع تشريعا للأمة يلزمها كلها يضع فيه قيدا على ما أطلقه الله في القرآن الكريم، والذي يدل على ذلك أن هذا الحديث وإن ورد في كتب الصحاح إلا أنه من أحاديث الأحاد، وأحاديث الأحاد ظنية الثبوت، والقرآن قطعي الثبوت، والظني لا يمكن أن ينسخ نصا قطعيا أو يضع له قيدا. وأكرر قولي مرة ثانية ، هو أن ما أعتقده هنا هو أن لهذا الحديث سبب ورود، أي سبب دعا النبي لقوله، هو حالة رجل مريض كانت له وقت مرضه إبنة وحيدة صغيرة تحتاج إلى الرعاية والإنفاق، وهذا الرجل أراد أن يتصدق بماله كله، فإن حدث هذا جدلا فسيترتب على ذلك أن هذه الإبنة ستُحرم من أن ترث أبيها الذي كان سيتصدق بماله كله في حياته وحياتها، أما الوصية فأمورها غير ذلك، الوصية هي تصرف مضاف إلى بعد الموت، والذي يؤكد هذا أنه في مواقف أخرى وافق النبي أن يتصدق بعض صحابته بأموالهم كلها، ففي غزوة تبوك تصدق أبو بكر رضي الله عنه بماله كله ليتم تجهيز الجيش، وكان كل ماله وقتئذ أربعة آلاف درهم، وكان له أبناء لم يترك لهم شيئا، وقال للنبي : تركت لهم الله ورسوله، وتصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، وتصدق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بنصف ماله، وهكذا، أخذ منهم النبي هذه الصدقات ولم ينههم عنها أو يشترط الثلث، وهذا يدل على أن حديث سعد بن أبي وقاص كان خاصا بالصدقة أثناء الحياة وليس الوصية لما بعد الموت.، وكان خاصا بسعد ونصيحة له، وسنجد هذا كثيرا في السيرة وفي أحاديث النبي. الأمر الإلهي يبدأ بعبارة كتب عليكم ومع ذلك ولكي أكون على عقيدة كاملة ليس فيها شك، ولا تأويل بخصوص الوصية وحق المسلم الكامل في أن يوصي بكل ماله لمن يشاء دون حدود الثلث، فقد وجدت أن الفقه الموروث درج على نسخ آيات الوصية بآيات الإرث، علماً أن الله تعالى احترم إرادة الإنسان بتوزيع ماله وفق ما يراه مناسباً، وخصص عشر آيات لهذا الموضوع، والقرآن كما نعرف وكما أؤمن هو كتابٌ أحكمت آياته، هكذا قال لنا الله سبحانها “الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ” هود 1 . وقد استقرت عقيدتي على أن القرآن مُحكم، ولو كانت بعض آياته منسوخة وملغية ما كان مُحكما، لأن إلغاء بعض الآيات يتنافى مع معاني الإحكام، لذلك فإن إيماني التام هو أن القرآن ليس فيه اختلاف، ولو كان فيه ناسخ ومنسوخ لكان فيه اختلاف، والله سبحانه يقول “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا” النساء 82 ، والحديث عن النسخ له مقال آخر لتكتمل به الفكرة. كما أنني لا أؤمن أبدا بأن الأحاديث النبوية يمكن أن تنسخ القرآن! فإن الله عندما يكتب علينا أمرا ويقول أنه كتبه علينا، فإن دلالة الكتابة هذه تدل على التوثيق والفرض، فيقول مثلا “كُتب عليكم الصيام” فنعرف أن الصيام هنا فريضة من الفرائض الكبرى، ويقول لنا “كُتب عليكم القِصاص” فنعرف أن القِصاص من أعلى الواجبات التي افترضها الله علينا حتى تستقيم الحياة ويقوم العدل، ثم يذكر الله في سورة البقرة آية للوصية فقال فيها “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ” البقرة 180 وبداية الآية فيها إلزام بالوصية، وجاء الإلزام عن طريق كلمة “كُتب” وهي نفس الكلمة التي قال الله قبلها بثلاث آيات”كُتب عليكم القصاص” وهي أيضا نفس الكلمة التي قالها في آية الصوم بعدها بثلاث آيات “كُتب عليكم الصيام” أي هي في النصف بين القِصاص والصيام، فلا يجوز أبدا أن يقول أحدهم: إن الأمر الذي كتبه الله علينا بالوصية للوالدين قام بإلغائه، وإن الإلغاء جاء عن طريق حديث من أحاديث الأحاد والتي هي ظنية الثبوت !! . أو أن الله نسخ آية الوصية بآيات المواريث، ثم نسخ الوصية أيضا بحديث نسبوه للرسول عليه الصلاة والسلام جاء فيه “لا وصية لوارث” و”لا وصية إلا في حدود الثلث” وهذا كله محض كلام ظني والله قال “إن الظن لا يغني من الحق شيئا”، خاصة وأنه لا يوجد في كتب الصحاح أي حديث صريح وواضح في عباراته يقول “لا وصية إلا في حدود الثلث” الوصية إذن قائمة لا قيد عليها ولا إلغاء فيها، وهي للوالدين وللورثة، ولغير الورثة، وهي الأصل الذي يستغرق أحكام الميراث، وللمسلم أن يوصي وفقا للقرآن بكل ماله لمن شاء.