الرؤية من خلال الضوضاء: قد تُحدث طريقة جديدة تسمى (الظلال الضحلة القوية) تحولًا في علم ميكانيكا الكم، إذ إنها تضمنت إنشاء تصورات عشوائية للنظام الكمي، ثم استُخدمت تقنية تُسمى (الاستدلال البايزي Bayesian Inference) لإصلاح التشويش، أي الضوضاء. تُعد الأنظمة الكمية شديدة الحساسية، إذ إن مجرد مراقبتها قد يؤدي إلى اضطرابها. مع أن الطرق التقليدية المستخدمة لفحص هذه الأنظمة تستغرق وقتًا طويلًا وتتطلب تجهيزات معقدة، فإنها قد تتأثر بالتشويش المحيط بسهولة. مع ذلك، إن مراقبة كيفية تصرف الجسيمات مثل الإلكترونات والفوتونات داخل النظام الكمي، وفهمها أمر بالغ الأهمية، إذ يُعد أساسًا لتطوير حواسيب كمية موثوقة، وأجهزة استشعار بالغة الدقة، فضلًا عن كشف جوانب ما تزال غامضة في علم الفيزياء. لإيجاد طريقة أكثر كفاءة لدراسة الأنظمة الكمية، طور فريق من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية تقنية جديدة تسمى (الظلال الضحلة القوية). تتيح هذه الطريقة للعلماء قياس الأنظمة الكمية وفهمها بفعالية أكبر حتى في ظل وجود تشويش أو مؤثرات كبيرة داخل النظام. إنشاء ظلال للحالات الكمية لفهم ما يحدث داخل النظام الكمي، يستخدم العلماء عادة تقنية تُعرف باسم (تصوير الحالة الكمية Quantum State Tomography). تخيل أنك تحاول معرفة شكل جسم غامض من خلال تسليط الضوء عليه من زوايا مختلفة ومراقبة الظلال التي يكونها، إن هذه هي الفكرة الأساسية. مع ذلك، إن الأنظمة الكمية أكثر تعقيدًا بكثير من كونها مجرد ظلال، إضافة إلى أن الضوضاء القادمة من المحيط الخارجي تجعل المهمة أكثر صعوبة، ولهذا السبب، طور الباحثون طريقة تعتمد على دوائر كمية عشوائية وضحلة، والمقصود بالضحلة هنا أن العمليات الكمية تكون بسيطة وسريعة، ما يقلل من احتمالية تراكم الأخطاء. تُنشئ تلك الدوائر مشاهدات عشوائية للنظام الكمي كأنها لقطات غير واضحة مأخوذة من زوايا مختلفة. ثم يأتي الجزء الذكي، فبدلًا من محاولة إزالة التشويش مسبقًا -وهو أمر معقد جدًا- استخدم الفريق طريقة تُسمى (الاستدلال البايزي Bayesian Inference) بعد الانتهاء من أخذ القياسات. تساعد هذه الأداة على تقديم أفضل تصور ممكن لما يحدث داخل النظام، استنادًا إلى البيانات المشوشة ومدى احتمال وقوع أخطاء معينة. كأن تملك صورًا غير واضحة وتستخدم خوارزمية ذكية لإعادة بناء الصورة الأصلية. عند اختبار هذه التقنية على حواسب كمية من شركة (آي بي إم – IBM)، اكتشف الباحثون أنها تستطيع تقدير خصائص مثل (إنتروبيا التشابك Entanglement Entropy) و(درجة الدقة في الأداء Fidelity) بكفاءة أعلى بكثير من التقنيات السابقة، بل إنها أثبتت فعاليتها حتى في بيئات مليئة بالتشويش، وبدون الحاجة لتكرار القياسات كثيرًا أو استخدام تجهيزات كبرى. قال مؤلفو الدراسة: «في هذه التجارب، أظهرنا أن بروتوكول الظلال الضحلة القوية يمكنه استرجاع تقديرات غير متحيزة لمجموعة واسعة من القياسات على حالات كمية غير معروفة، حتى في وجود المشوشات». ليست طريقة مثالية بعد بشكل عام، تُعد تقنية الظلال الضحلة القوية أكثر كفاءة وقابلية للتوسّع من الطرق التقليدية، وهي مفيدة للغاية في الوقت الراهن، إذ ما تزال الحواسب الكمية إلى اليوم صغيرة وتعاني من المشوشات. أشار العلماء إلى أن تلك المقاومة للتشويش مهمة جدًا لتطبيقات عديدة، مثل التعلم الآلي الكمي، والكيمياء الكمية، وفيزياء الأجسام الكمية المتعددة. مع ذلك، وبينما تقلل هذه التقنية من عدد القياسات المطلوبة، فإن استخدامها للإحصاء في تصحيح التشويش قد يُدخل قدرًا أكبر من عدم اليقين في النتائج. يقترح الباحثون أن تحسين النماذج الإحصائية ودمجها مع نظام تقييم الزمن الحقيقي قد يقلل من هذه الشكوك ويجعل التقنية أكثر مصداقية. نُشرت هذه الدراسة في مجلة نيتشر كومينوكيشنز Nature Communications). اقرأ أيضًا: خبراء يحذرون: الحواسيب الكمومية يمكنها تدمير حماية الإنترنت في دقائق! كيف تقيس الساعات وغيرها من متعقبات اللياقة البدنية نبضات القلب؟ ترجمة: أحمد صبري عبد الحكيم تدقيق: نور حمود المصدر المراجع