تستطيع حوسبة الإكساسكيل معالجة أكثر من كوينتيليون (10¹⁸) عملية في الثانية، ما يتيح لأجهزة الكمبيوتر العملاقة إجراء عمليات محاكاة معقدة كانت تُعد مستحيلة سابقًا. لكن كيف تعمل هذه التقنية المتقدمة؟ تُعد حوسبة الإكساسكيل أحدث إنجاز في مجال الحواسيب العملاقة المتطورة، وهي أنظمة عالية الأداء قادرة على إجراء عمليات حسابية بسرعات لا يمكن تحقيقها حتى الآن بأي وسيلة أخرى. تعمل أجهزة الكمبيوتر العملاقة بمقياس الإكساسكيل وفق وحدة الإكسا-فلوب. تشير «إكسا» إلى كوينتيليون (أي 10¹⁸)، بينما يُقصد بـ «فلوب» عدد عمليات النقطة العائمة التي تُنفذ في الثانية (وهي نوع من العمليات الحسابية يُستخدم مقياسًا لأداء الحواسيب). لذا، فإن حاسوبًا يعمل بمقياس الإكسا قادر على تنفيذ ما لا يقل عن كوينتيليون عملية نقطة عائمة في الثانية الواحدة. للمقارنة، تعمل معظم الحواسيب المنزلية ضمن نطاق التيرافلوب، أي نحو 5 تيرافلوب، وهو ما يعادل نحو 5 تريليونات (5 × 10¹²) عملية في الثانية. صرّح جيرالد كلاين، نائب رئيس حلول عملاء الحوسبة عالية الأداء والذكاء الاصطناعي في شركة HPE، لموقع لايف ساينس: «الإكسافلوب يعادل مليار مليار عملية في الثانية. ويمكن بواسطته حل مشكلات واسعة النطاق، مثل محاكاة كوكب، بدقة أعلى بكثير». كلما زاد عدد عمليات النقطة العائمة التي يستطيع الحاسوب تنفيذها في الثانية، زادت قوته الحسابية، وأصبح قادرًا على إنجاز المهام بسرعة. تُستخدم حوسبة الإكساسكيل عادةً لإجراء عمليات محاكاة معقدة، كالتنبؤ بالطقس، وتصميم نماذج دوائية جديدة، والاختبار الافتراضي لمحركات وآليات متطورة. كم عدد حواسيب الإكساسكيل الموجودة؟ وما هي استخداماتها؟ أُطلق أول حاسوب إكساسكيل، المسمى فرونتير، من قبل شركة HPE في يونيو 2022، بسرعة تشغيل بلغت 1.102 إكسا-فلوب. وقد تفوق عليه لاحقًا الحاسوب العملاق إل كابيتان، الذي يعمل بسرعة 1.742 إكسا-فلوب. وحتى تاريخ نشر هذا التقرير، يوجد حاسوبان فقط بهذا المقياس. في أثناء جائحة كوفيد-19، استُخدمت حواسيب الإكساسكيل في جمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها ومعالجتها. ساهم ذلك في تسريع فهم الشيفرة الجينية للفيروس، واستخدم علماء الأوبئة قدراتها لمحاكاة انتشار المرض بدقة، وهو ما لم يكن ممكنًا بالحواسيب التقليدية، حتى تلك عالية الأداء. من المهم الإشارة إلى أن الحواسيب الكمومية تختلف عن الحواسيب العملاقة، فهي لا تعتمد على البِتّات التقليدية، بل تستخدم البِتّات الكمومية التي تستفيد من الظواهر الكمومية لحل مشكلات معقدة لا يمكن لأي حاسوب كلاسيكي التعامل معها. لتقليل خطر الأعطال وتجنب التوقفات المفاجئة، تستخدم أجهزة إكساسكيل أنظمة مراقبة متقدمة وحزم تشخيصية تتابع الأداء العام باستمرار. ترصد هذه الأنظمة مكونات الحاسوب وتكتشف الأجزاء التي تظهر عليها علامات التآكل، لتنبيه الفنيين لاستبدالها قبل حدوث أي خلل. قال كلاين: «تتيح لنا أنظمة المراقبة معرفة أداء كل مكوّن بدقة. يمكننا فحص الأجزاء فحصًا منفصلًا، والحصول على تنبيهات استباقية، ويعمل الفنيون باستمرار على استبدال المكونات المعطلة والحفاظ على الجهاز في حالة تشغيلية ممتازة. فالحفاظ على تشغيل هذه الأنظمة يتطلب عناية فائقة ومراقبة دقيقة». البرمجيات المتخصصة لحوسبة الإكساسكيل تتطلب السرعات الفائقة التي توفرها حوسبة الإكسا أنظمة تشغيل وتطبيقات متخصصة للاستفادة القصوى من إمكاناتها. يقول مانينن: «نحتاج إلى توزيع الخوارزميات الحسابية على ملايين وحدات المعالجة بطريقة غير متجانسة (بين العقد، وداخل العقد بين أنوية وحدات المعالجة الرسومية أو المركزية). ليست جميع المسائل الحسابية مناسبة لهذا النموذج، لذا يجب تنظيم الاتصال بين العمليات والخيوط المختلفة بعناية فائقة. إضافةً إلى أن تنفيذ عمليات الإدخال والإخراج بكفاءة يُعد تحديًا كبيرًا». ونظرًا لتعقيد عمليات المحاكاة التي تُجرى على هذه الأنظمة، فإن التحقق من النتائج يصبح بدوره عملية صعبة. إذ لا يمكن التحقق من نتائج حوسبة الإكساسكيل باستخدام الحواسيب المكتبية التقليدية، على الأقل ليس في فترات زمنية معقولة. لذلك، تستخدم التطبيقات ما يُعرف باسم «أشرطة الخطأ المتوقعة»، التي تقدّم تقديرًا تقريبيًا للنتائج المرجوّة، مع استبعاد أي نتائج تقع خارج هذا النطاق. ما وراء حوسبة الإكساسكيل وفقًا لقانون مور، من المتوقع أن يتضاعف عدد الترانزستورات في الدوائر المتكاملة كل عامين. وإذا استمر هذا المعدل من التقدم (وهو أمر غير مضمون)، فقد نبلغ مستوى الحوسبة بمقياس الزيتاسكيل (Zettascale)، أي 10²¹ عملية في الثانية، في غضون نحو عشر سنوات. مع أن حوسبة الإكسا تتفوق في تنفيذ عدد هائل من العمليات في وقت قصير، فإن الحوسبة الكمومية بدأت تُظهر قدرتها على معالجة مسائل معقدة يصعب على الحوسبة التقليدية حلّها. ومع أن الحواسيب الكمومية لا تزال حاليًا أقل قوة من أنظمة الإكساسكيل، إلا أن التوقعات تشير إلى أنها قد تتفوق عليها في المستقبل. من أبرز التوجهات الحديثة في هذا المجال تطوير حواسيب هجينة تجمع بين القدرات الكمومية والتقليدية، أي بين الحوسبة الكمومية والحوسبة الفائقة. وقد بدأ العلماء بالفعل في هذا الاتجاه، إذ جرى دمج حاسوب كمومي مع الحاسوب الفائق فوجاكو (Fugaku) في اليابان. يقول كلاين:«مع استمرارنا في تقليص حجم هذه الأجهزة، وتحسين تقنيات التبريد، وخفض التكاليف، ستكون لدينا فرصة حقيقية لحل مشكلات لم نتمكن من التعامل معها سابقًا». اقرأ أيضًا: علماء يثبتون نظرية كمومية قد تؤدي إلى حوسبة مغناطيسية فائقة السرعة شريحة جديدة تفتح الباب أمام حوسبة الذكاء الاصطناعي بسرعة الضوء ترجمة: ماسه فؤاد كريم تدقيق: يامن صالح مراجعة: باسل حميدي المصدر