لقد مرّ معظم الناس بلحظةٍ تبدأ فيها بضع ثوانٍ من أغنيةٍ بالتكرار في أذهانهم بلا نهاية، ويُطلق العلماء على هذه الحالة اسم "دودة الأذن"، وهو مصطلحٌ مُشتقٌّ من الكلمة الألمانية Ohrwurm، والتي تعني الحكة الموسيقية، حيث قدّم الطبيب النفسي كورنيليوس إيكرت هذا الاسم عام 1979، وهو يصف مقطعًا موسيقيًا قصيرًا، عادةً ما يكون مدته حوالي عشرين ثانية، يتكرر في وعيك دون جهدٍ واعٍ. وتشير الأبحاث إلى أن تسعةً من كل عشرة أشخاص على الأقل يُصابون بدودة الأذن، وقد تكون هذه التجربة مُزعجةً لنسبةٍ كبيرةٍ منهم، ووفقًا لديفيد سيلبيرسويج، الطبيب النفسي وعالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد، والذي درس استجابة الدماغ للموسيقى، فإن بعض السمات الهيكلية والعاطفية في الأغاني تزيد من احتمالية تعلقها. كيف تُحوّل الأنماط الموسيقية المُتكررة الأغاني إلى دودة أذن؟ الأغاني ذات الإيقاعات أو الألحان المُتكررة لديها فرصةٌ أكبر لأن تُصبح حلقاتٍ داخليةً لأن الدماغ يمتص الأنماط ويتذكرها بسهولة، وتميل الألحان التي تحمل نغمات معينة لفترات أطول أو تستخدم فترات أقصر بين النغمات إلى البقاء لفترة أطول، وتساعد هذه الخصائص الهيكلية على طبع اللحن في الدوائر العصبية المسؤولة عن الإدراك الموسيقي. ويعزز الاتصال العاطفي هذا التأثير، فالأغنية التي تذكرك بذكرى معينة أو تثير شعورًا قويًا، حتى على مستوى اللاوعي، من المرجح أن تظهر على السطح لا إراديًا، وغالبًا ما تصبح الموسيقى المرتبطة بالحنين إلى الماضي أو الفرح أو الحزن أو التجارب الشخصية المهمة هي الموسيقى التصويرية التي يعيد دماغك تشغيلها دون أن يُطلب منك ذلك. كيف تُسبب أجزاء الدماغ المختلفة حدوث ديدان الأذن؟ منحت تقنيات التصوير الحديثة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، العلماء رؤية أوضح لكيفية تشكل ديدان الأذن، وتلعب القشرة السمعية في الفص الصدغي، والتي تساعد على تفسير الصوت والموسيقى، دورًا محوريًا. وتتواصل هذه المنطقة مع الهياكل المرتبطة بالذاكرة مثل الحُصين والتلفيف المجاور للحُصين، مما يسمح بتخزين المقاطع الموسيقية واسترجاعها، وقد حدد الباحثون أيضًا دور الحلقة الصوتية، وهي نظام تخزين الأصوات قصير المدى في الدماغ، والذي يُوصف غالبًا بأنه "دفتر ملاحظات عقلي"، وتسمح لك هذه الحلقة بحفظ صوت ما في ذهنك لبضع ثوانٍ، ويمكن أن تُصبح هذه الحلقة المؤقتة أساسًا لدودة أذن عند دمجها مع التكرار والأهمية العاطفية. وتساهم مراكز المعالجة العاطفية أيضًا، وتؤثر اللوزة الدماغية، المسؤولة عن الإشارة إلى الأهمية أو الشدة العاطفية، والنواة المتكئة، المرتبطة بالمتعة والمكافأة، على مدى ترسخ المقطع الموسيقي، وغالبًا ما تنشأ ديدان الأذن عند تقاطع الذاكرة والعاطفة والانتباه، حيث تحكمها شبكات تربط هذه المناطق. ليه دماغنا بتحفظ بعض الأغانى؟ لعبت الموسيقى دورًا حاسمًا في تطور الإنسان، فقبل وقت طويل من وجود اللغة المكتوبة، استخدمت الثقافات اللحن والقافية لحفظ ونقل القصص والتاريخ، وساعدت هذه الأدوات الناس على تذكر المعلومات المعقدة من خلال الإيقاع والتكرار. وقد تطورت أدمغتنا لتعتمد على هذه الإشارات الموسيقية، مما يفسر سبب ثبات بعض المقاطع الموسيقية بسهولة اليوم، وتشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في سعة الذاكرة العاملة، مثل المصابين باضطرابات نقص الانتباه، قد يعانون من دودة أذن أقل لأن عقولهم تحتفظ بمعلومات متكررة لفترات أقصر. وعلى العكس من ذلك، قد يكون الأفراد الذين يعانون من ميول الوسواس القهري أكثر عرضة لتكرار الحلقات الذهنية، بما في ذلك الموسيقية، بسبب صعوبة الدماغ في مقاطعة دورات التفكير المتكررة. سبب "توقف" دماغك تتشكل دودة الأذن عندما تتفاعل الوصلات التي تربط القشرة السمعية ومراكز الذاكرة والدوائر العاطفية في حلقة تلقائية، وهذا التنشيط المستمر يعيد إنشاء الذاكرة الموسيقية دون قصد. بمجرد أن تبدأ الحلقة، يمكن أن تتكرر بشكل متكرر حتى يقاطعها مهمة أو صوت آخر. كيف تمنع تكرار أغنية في ذهنك؟ هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في كسر الحلقة، يمكن أن يؤدي تشتيت انتباه الدماغ بنشاط يتطلب التركيز إلى تحويل الانتباه بعيدًا عن اللحن المتكرر عن طريق إعادة توجيه الدوائر المعنية. يجد بعض الناس الراحة من خلال اليقظة الذهنية، مما يسمح للحن بالعزف دون مقاومة حتى يتلاشى في النهاية، طريقة أخرى هي الاستماع إلى موسيقى مختلفة، واستبدال الجزء العالق بمدخلات سمعية جديدة بشكل فعال.