الحج ركن من أركان الإسلام، وعبادة فريدة يؤديها المسلم في وقت ومكان محددين، قال تعالى: «وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق» -الحج:27-، وهي شعيرة تُقام على مدار أيام معدودات، تحتشد فيها الملايين في بقعة جغرافية محدودة لأداء مناسك عظيمة. أخبار متعلقة شيطان النظرية ذو مغزى ودلالة الشباب السعودي.. رحلة النمو والابداعلقد أولت السعودية هذه الشعيرة الجليلة مكانة خاصة منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وحتى يومنا هذا، حيث تبذل جهودًا جبارة، وتستثمر مليارات الريالات، وتُسخّر آلاف الكوادر في مختلف القطاعات، لتوفير بيئة آمنة ومريحة لضيوف الرحمن، ولأن الحج من أعظم مظاهر الحشود البشرية، فإن إدارة هذه الحشود تحتاج إلى دقة عالية وخطط استباقية تعتمد على أرقام واضحة، وتصاريح منظمة، وتقنيات متقدمة. وفي السنوات الأخيرة، ومع التوسع في خدمات الحج ورعاية ضيوف الرحمن المتميزة في جوانب عدة ومنها الجوانب الطبية، وتنظيم الحج اللوجستي والتقني، ازداد الإقبال على الحج بشكل لافت، مما استوجب مزيدًا من التنظيم لضمان سلامة الجميع. لكن في المقابل، لا يزال البعض يظن أن أداء الحج يمكن أن يتم بالعاطفة، أو التساهل، أو حتى التسلل دون تصريح، وكأن الأمر لا يتعدى كونه قرارًا فرديًا. وهذا اعتقاد خاطئ يحمل تبعات كبيرة على أمن وسلامة الحجيج، ويُربك جهود التخطيط والتفويج والنقل والخدمات الصحية. الحج بلا تصريح ليس فقط مخالفة نظامية، بل تجاوز على حقوق الآخرين، وتعدٍ على الترتيبات التي بُنيت على أرقام دقيقة. فحين يتم تجاوز العدد المسموح به، تُصبح إدارة الحشود أكثر خطورة، وتتعرض الأرواح للخطر، وتُستنزف الموارد المُعدة مسبقًا، مما قد يحوّل موسم الحج إلى أزمة، لا قدّر الله. وقد أثبتت المملكة ريادتها في هذا المجال عالميًا، حيث تُدرّس تجربتها في إدارة الحشود في الجامعات ومراكز التدريب الدولية. إذ يتم تفويج الحجاج بدقة متناهية، ويُدار انتقالهم بين المشاعر المقدسة وفق جدول زمني وهندسي مدروس، تُراقبه مراكز التحكم الميدانية على مدار الساعة. كما تسير آلاف الحافلات وفق خطوط مخصصة، وتعمل أنظمة الطوارئ، والتبريد، والإسعاف الجوي والبري، بتكامل احترافي لا مثيل له. إن احترام التنظيم ليس أمرًا إداريًا فحسب، بل هو التزام ديني، وامتثال لقوله تعالى: «ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» -الحج:32-. ومن يعظّم هذه الشعائر يلتزم بالنظام الذي وُضع لصيانتها، لأن الفوضى ليست من الدين، ولا من العقل، ولا من المسؤولية. من ذلك ، ينبغي أن نرسّخ الوعي بأن التصريح للحج ليس إجراءً شكليًا، بل هو بوابة لحج آمن وميسر، يُعلي من قيمة الإنسان، ويحميه، ويمنحه حقه في العبادة بأمان. ولنتذكر دومًا أن احترام النظام هو جزء من تعظيم هذه الشعيرة، وأن الدولة حين تنظم، فإنما تفعل ذلك وفاءً لحق الحجيج، لا تضييقًا عليهم. [email protected]