فيديو / صحيفة اليوم

من جبال لبنان إلى صحراء الظهران.. فصل منسي من قصة البحث عن النفط

  • 1/7
  • 2/7
  • 3/7
  • 4/7
  • 5/7
  • 6/7
  • 7/7


[email protected]
بعد أقل من عامٍ على وطء أقدام الروّاد الأوائل من الجيولوجيين الأمريكيين أرض المملكة العربية للمرة الأولى، بدأت ملامح القصة التي ستغيّر وجه المنطقة والعالم تتشكل ببطء وأحيانًا على نحو لم يتوقّعه أحد.
thumbnail_كروغ هنري في المنتصف وسوك هوفر في أقصى اليسار يجهزان للرحيل من الجبيل مع فريقهم الميداني المتجه إلى جبل الظهران عام 1933

thumbnail_كروغ هنري في المنتصف وسوك هوفر في أقصى اليسار يجهزان للرحيل من الجبيل مع فريقهم الميداني المتجه إلى جبل الظهران عام 1933


كان ذلك في 23 سبتمبر من عام 1933، حين وصل فريق من شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا إلى ساحل الجبيل قادمين من البحرين، مستكشفين أرضًا مجهولة آنذاك في ما كان يُعرف باسم الأحساء، وهي التسمية التي كانت تُطلق في تلك الفترة على معظم ما يُعرف اليوم بالمنطقة الشرقية.
thumbnail_من اليسار إلى اليمين كروغ هنري، هيو بيرتشفيل، بيرت ميلر، وفلكس دريفوس في مقر الجبيل في عام 1934

thumbnail_من اليسار إلى اليمين كروغ هنري، هيو بيرتشفيل، بيرت ميلر، وفلكس دريفوس في مقر الجبيل في عام 1934


بين شهري أكتوبر ومايو، كانت الأجواء في شرق الجزيرة العربية معتدلة إلى حد ما، مما أتاح للجيولوجيين العمل الميداني والبحث الجاد في صحراء غير مأهولة.
لكن حين أطل صيف عام 1934، وواجه الفريق سطوة الصيف في الظهران، قرر الجيولوجي بيرت ميلر، أحد قادة الفريق، أن يستأجر فندقًا في لبنان، ليكون مقرًا صيفيًا مؤقتًا يراجع فيه هو وزملاؤه، كروغ هنري وسوك هوفر وأربعة آخرون تقاريرهم الجيولوجية، ويجدون فيه ًا من الراحة بعيدًا عن لهيب رمال الظهران.
وفي أعالي جبال لبنان، وتحديدًا في بلدة ضهور الشوير، استقر الجيولوجيون في فندق فاخر يعود تاريخه إلى عشرينيات القرن الماضي. وهناك، في أحضان الطبيعة، كان عبق الصنوبر يتسلل عبر النوافذ المفتوحة، وأوراق السنديان تتراقص على وقع نسيم الجبل، فيما تلوح في الأفق قمة جبل صنين بكل كبرياء، كملاك يحرس الوادي والذكريات.
في تلك ، تلاقت الطبيعة الساحرة مع أجواء من الفن والحياة. غنّت أم كلثوم متمايلة بمنديلها، وصدح صوت محمد عبدالوهاب في قاعات الفنادق، ونُظمت أول مسابقة جمال في لبنان عام 1935، بين كل تلك الأجواء هناك كانت قصة مختلفة على وشك أن تُكتب، قصة تتعلق باكتشاف نوع آخر من الثروات، وفتاة ستحفر اسمها في ذاكرة أرامكو.
في ذات الفندق، كانت فتاة شابة تُدعى «أنيت» تقيم مع والدتها. وُلدت أنيت في بورسعيد عام 1915، ونشأت في بيروت وسط حياة مرفهة مليئة بالثقافة واللغات. كانت تتقن الفرنسية والعربية واليونانية والإيطالية، ولم تكن تتحدث الإنجليزية بعد.
كان بيرت ميلر حينها يستعد للذهاب إلى لندن لقضاء شهر في ترتيب الإمدادات للظهران، وكان سوك هوفر وكروغ هنري، اللذان أوصيا في تقريرهما الأول بحفر أول بئر في قبة الدمام، يعملان الآن على تقارير أخرى، فقرر الجميع أن يتناولوا الغداء معًا. جلسوا إلى الطاولة، ألقوا نظرة على قائمة الطعام، وأصغوا بفتور إلى عزف فرقة روسية، ثم.. فُتح باب قاعة الطعام، ودخلت امرأة وفتاة.
thumbnail_أنيت هنري في القاهرة ، مايو 1965

thumbnail_أنيت هنري في القاهرة ، مايو 1965


كان كروغ هنري يجلس في مواجهة الباب. تبعت عيناه المرأة والفتاة إلى طاولتهما، وبقيتا معلقتين بهما حتى بعد أن جلستا، ولم يشح بنظره حتى عندما التفتت الفتاة الجميلة داكنة العينين، نظرت نحوه فاحمرّ وجهها خجلًا. أما هنري، فلم يكن يستطيع سماع شيءٍ من تعليقات رفاقه الساخرة.
لم يكن كروغ يعلم أن رحلته إلى جبال لبنان، التي بدأها هروبًا من حرّ الصحراء، ستقوده إلى فرصة اكتشاف مختلفة، لم تكن على الخارطة، ولا في تقارير المسح الجيولوجي. فبين جدران فندقٍ عتيق، وتحت سقف صالة طعام هادئة، لم يكتشف كروغ حقل نفط جديد، بل امرأة ستغيّر حياته إلى الأبد.
thumbnail_الطفلة ميتزي في صورة مع والديها انيت وكروغ هنري

thumbnail_الطفلة ميتزي في صورة مع والديها انيت وكروغ هنري


وصف الكاتب والاس ستيغنر في كتابه «ديسكفري» تلك اللحظة قائلاً:
«لو أن الفتاة حملت شحنة كهربائية بقوة 6600 فولت، لما شلته أكثر، لكنه لم يضع الفرصة، كان رجلاً مباشراً، وفي تلك اللحظة كان يعرف تمامًا ما يريد.»
لم يمضِ أكثر من خمسة أسابيع حتى عقدا قرانهما في بيروت، لتبدأ أنيت رحلة عمر لم تكن تدري أنها ستكون شاهدة على ميلاد واحدة من أعظم قصص في القرن العشرين.
وفي يونيو 1936، وصلت أولى الوحدات السكنية المكيّفة مشحونة من أمريكا الى الظهران، وكانت تلك أول وحدات مكيّفة في المنطقة الشرقية، ومثّلت نقطة تحوّل فاصلة. فلم يعد الصيف يعني الرحيل نحو الجبال، بل أصبح تحمله ممكنًا مع مواصلة العمل وأعمال التنقيب.
وفي أبريل 1937، وصلت أنيت هنري إلى فرضة الخبر، لتسجلا اسمها كأول زوجة أمريكية تلتحق بزوجها في الظهران. وكانت تحمل بين ذراعيها طفلتهما الصغيرة «ميتزي»، التي أصبحت أول طفلة في مجتمع المستكشفين الأمريكيين هناك.
لاحقًا، تنقّلت عائلة هنري بين وكولومبيا وفنزويلا، ثم عادت إلى السعودية عام 1948، وهذه المرة إلى رأس تنورة. هناك، درّست أنيت اللغة الفرنسية، وشاركت في الأنشطة الثقافية، وبرزت لاحقًا كلاعبة بريدج عالمية، كما روى ابنها مايكل لمجلة «الأيام الجميلة».
فندق القاصوف في ضهور الشوير حيث غنت أم كلثوم وفيروز ومحمد عبدالوهاب وعمالقة فن اخرون

فندق القاصوف في ضهور الشوير حيث غنت أم كلثوم وفيروز ومحمد عبدالوهاب وعمالقة اخرون


في عام 1957، تقاعدت العائلة في سان فرانسيسكو، وتوفي كروغ هنري عام 1981 بعد معاناة مع المرض، فيما توفيت أنيت عام 2002 عن عمر يناهز 87 عامًا، بعد أن سبقتها ابنتها ميتزي بعامين. كتبت صديقتها ماري نورتون عنها:
«كانت أنيت في أواخر عمرها لا تزال متألقة، حادة الذكاء، تشعّ بالحياة. لم تفقد يومًا شغفها أو جمال روحها.»
بلدة ضهور الشوير في قضاء المتن بلبنان وجبل صنيّن يتربع في الأفق

بلدة ضهور الشوير في قضاء المتن بلبنان وجبل صنيّن يتربع في الأفق


قصة أنيت هنري ليست فقط عن امرأة أحبت وتزوجت في جبال لبنان، بل عن امرأة أصبحت شاهدة على التحديات القاسية لمشروع نفطي غيّر العالم. هي تجسيد لوجه آخر من تاريخ أرامكو، الوجه الإنساني، الرقيق، العاشق، والجميل.
ولعلّي حين أزور ضهور الشوير، قريبًا -إن شاء الله-، لن أزورها كسائح عادي، بل كزائر يحمل في قلبه صدى البدايات، وحنين الحكايات التي غيّرت وجه التاريخ.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا