03 ديسمبر 2025, 10:18 صباحاً
على امتداد أكثر من أربعة عقود، لم تكن القمم الخليجية مجرد اجتماعات دورية تجمع قادة دول مجلس التعاون، بل أصبحت محطات تاريخية تُعمّق الروابط الأخوية، وتؤسس لعمل مشترك يقوم على وحدة الهدف والمصير المشترك، ويستند إلى إرث طويل من التلاحم المجتمعي والتاريخي والثقافي الذي وحّد شعوب المنطقة قبل نشأة المجلس ذاته، وأثبتت هذه القمم أن وحدة القرار الخليجي لم تكن يومًا استجابة ظرفية، بل ثمرة وعي سياسي رسّخ قناعة مشتركة بأن استقرار المنطقة وازدهارها لا يتحققان إلا بتماسك الصف وتكامل السياسات.
ومنذ انعقاد القمة الأولى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تَشكّلَ نهج ثابت يقوم على الحوار، وتوحيد الرؤى، ومعالجة التحديات الإقليمية والدولية برؤية مشتركة، وتبني سياسات متوازنة تحفظ الأمن والاستقرار وتعزز التنمية، ومع اقتراب القمة السادسة والأربعين المقرر عقدها اليوم الأربعاء في مملكة البحرين، تتجدد ملامح هذا النهج، مؤكدة أن مجلس التعاون أحد أكثر التجارب الوحدوية قدرة على الثبات والاستمرار والتأثير، رغم التحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.
وتأتي مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزارء –حفظه الله- في أعمال الدورة الـ46، امتدادًا لجهود المملكة الرامية لتعزيز العمل الخليجي المشترك، وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- التي أقرها قادة دول المجلس في عام 2015م؛ لتصبح محطة تحول بارزة في مسيرة العمل الخليجي المشترك، إذ وضعت الرؤية إطارًا شاملًا لتعزيز التكامل في مختلف المجالات، خاصة الدفاعية والأمنية والاقتصادية، وأعادت تنظيم مسارات التعاون، ورفعت من مستوى التنسيق بين الدول الأعضاء، وأسهمت في تعزيز فاعلية المجلس وقدرته على الاستجابة للتحديات المستجدة.
وتعكس القمم المتعاقبة منذ تأسيس المجلس عام 1981م تطورًا مستمرًا في الهياكل المؤسسية، وبناء شراكات اقتصادية وعسكرية وأمنية، وإطلاق مشروعات تكاملية حققت للمجلس حضورًا مؤثرًا في محيطه الإقليمي والدولي، وأسهمت هذه القمم في تعزيز مرتكزات الاقتصاد الخليجي، ودعم الاتحادات الجمركية، وتسهيل الحركة التجارية والتنقل بين الدول الأعضاء، إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي، والموافقة على إنشاء هيئة السكك الحديدة لربط الدول الأعضاء، وتسهيل الحركة التجارية وتنقل السكان، وإنشاء شركة المدفوعات الخليجية، والربط بين البنوك المركزية الخليجية، وإنشاء وتطوير المجلس الصحي الخليجي، والمركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وإصدار القوانين الموحدة المتعلقة بسلامة الأغذية.
وفي الجانب السياسي، شكَّلت القمم الخليجية إطارًا موحدًا للتعامل مع القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمات العربية، والتحولات الدولية التي تستدعي مواقف مشتركة تحفظ الأمن الإقليمي وتدعّم الاستقرار، وبرز هذا الدور خلال سلسلة من القمم التي تناولت قضايا الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتصدي للتدخلات الخارجية، والدفع نحو حلول سياسية للأزمات، مع الالتزام بثوابت السياسة الخليجية القائمة على احترام القانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم الحوار والحلول السلمية.
وشكّلت القمم منذ بداية الألفية الجديدة مساحةً للعمل الاقتصادي المشترك، حيث طُوّرت الاتفاقيات، ووُحّدت الإجراءات الجمركية، وعُزّزت السوق الخليجية المشتركة، وأُقرت تسهيلات واسعة أمام تنقل المواطنين، ووُسّع نطاق الأعمال والاستثمارات بين الدول الأعضاء، بما ساعد على بناء بيئة اقتصادية موحدة تتعامل مع المتغيرات العالمية بكفاءة ومرونة.
وتجلّت آثار هذه الرؤية في القمم اللاحقة، التي أكدت تعميق التكامل الدفاعي عبر تفعيل القيادة العسكرية الموحدة، والارتقاء بالعمل الأمني المشترك، وتطوير آليات تبادل المعلومات، ودعم الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف وتمويله، إضافة إلى توسيع التعاون الدولي، وإطلاق شراكات إستراتيجية مع الدول الكبرى والمجموعات الإقليمية؛ بما يعزز مكانة المجلس المحورية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
ومن أبرز المحطات التي رسخَّت هذا النهج ما شهدته القمة الحادية والأربعون التي عُقدت بالعُلا يناير 2021م، وأعادت التأكيد على وحدة الصف الخليجي، وأطلقت مرحلة جديدة من التعاون الشامل، وجاء بيان القمة ليعزز التكامل العسكري، ويدعم الشراكات الدولية، ويفتح آفاقًا أوسع للتعاون الاقتصادي، ويضع إستراتيجيات واضحة للتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس على مسيرة المجلس في السنوات التالية.
فيما أكَّدت القمة الثانية والأربعون بالرياض في ديسمبر 2021م مجددًا، قوة المجلس ووحدة الصف، ودعمت المبادرات البيئية والتنموية، وفي مقدمتها "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر"، إلى جانب تعزيز التكامل في الشراكات الإستراتيجية، وتأكيد الالتزام برؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، والتشديد على مواجهة التحديات الأمنية وتطوير العمل العسكري المشترك.
وتحققت خلال الدورة الـ42 برئاسة المملكة العديد من النتائج المهمة في تنمية التبادلات التجارية مع أبرز الشركاء التجاريين لدول المجلس، ومن ذلك تعزيز مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة لمجلس التعاون مع المملكة المتحدة، والصين، وكوريا، والهند، وأستراليا، ونيوزلندا، وإيجاد بيئة تجارية مفتوحة تقوم على القواعد التجارية العالمية.
أما القمة الثالثة والأربعون التي عُقدت في العاصمة الرياض عام 2022م؛ فجاءت لتؤكد التزام الدول الأعضاء بسياسات تنويع الاقتصاد، وتعزيز التكامل الاقتصادي، ودعم استقرار أسواق الطاقة، والمضي في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-؛ لتحقيق الوحدة الاقتصادية، والمنظومة الدفاعية، والأمنية المشتركة، مع توجيه الأجهزة المعنية بمضاعفة الجهود لاستكمال مراحل التنفيذ.
وجدّد قادة دول المجلس، في دورتهم الرابعة والأربعين بالدوحة في ديسمبر 2023م، موقفهم الثابت تجاه القضايا العربية والإسلامية، معبّرين عن قلقهم البالغ من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومؤكدين إدانتهم عمليات القصف والتهجير وتدمير المنشآت المدنية في غزة، بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
وفي العام الماضي، استضافت دولة الكويت القمة الخليجية الخامسة والأربعين، التي شكّلت امتدادًا للمسار المتصاعد في تفعيل العمل المشترك وتعزيز دور المجلس على الساحة الدولية، وأكدت القمة مواصلة تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وتطوير آليات التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والدفاع والطاقة، وتوسيع الشراكات الإستراتيجية مع القوى العالمية، ودعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم.
وإيمانًا برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ودورها المحوري في تحقيق التكامل بين دول المجلس، أسهمت المملكة بشكل فاعل في إنجاح الرئاسة الكويتية لأعمال الدورة الـ45 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حرصًا منها على تفعيل الشراكة مع دول المجلس بما يحقق أولويات العمل الخليجي المشترك.
وعمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطوير وتعزيز الحوارات والعلاقات والشراكات الإستراتيجية مع كبرى دول العالم حيث يُجري المجلس حوارات منتظمة مع نحو 16 دولة ومنظمة إقليمية، أبرزها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، والاتحاد الأوروبي، ورابطة دول الآسيان.
ومع انعقاد القمة السادسة والأربعين في مملكة البحرين، ترتكز دول المجلس على رصيد ممتد من الإنجازات، وعلى تجربة تراكمية أثبتت قوتها وصلابتها، وقدرتها على مواكبة التحديات وتطوير أدوات العمل الجماعي، وتمثّل القمة مناسبة لتعزيز ما تحقق، وتحديد أولويات المرحلة المقبلة، خصوصًا في ملفات التكامل الاقتصادي، والأمن الإقليمي، والطاقة، والمناخ، وتنمية الشراكات الدولية، بما يلبّي تطلعات شعوب دول الخليج نحو مزيد من الازدهار والاستقرار.
وعكست مسيرة القمم الخليجية، منذ التأسيس حتى اليوم، ثبات الإرادة السياسية لقادة دول مجلس التعاون؛ لتؤكد أن وحدة الصف واستشراف المستقبل ركيزتان جوهريتان في بناء منظومة إقليمية متماسكة، قادرة على الاستمرار والتطور، ومهيّأة لمواجهة تحولات العالم ومتغيراته، ومع كل قمة جديدة، تتجدد هذه الإرادة، ويُعاد التأكيد على أن مجلس التعاون سيظل -بإرثه ومؤسساته وإنجازاته- أحد أهم النماذج الوحدوية في المنطقة العربية، وحاضنًا لطموحات شعوب الخليج في الأمن والتنمية والازدهار.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
