تقود التقنيات الذكية تحولاً عميقاً يغير من طبيعة الطب كمهنة وأساليب تشخيص وطرق علاج، لتصبح جزءاً من منظومة الرعاية الصحية الحديثة، والذي تلعب فيها مؤسسة «دبي الصحية» دوراً حاسماً، إذ تقدم نموذج متكامل للرعاية الرقمية يجمع بين الذكاء الاصطناعي والخبرة الإنسانية، من الجراحة الروبوتية إلى الواقع الافتراضي في إدارة الألم والمراقبة الذكية للمرضى في وحدات العناية المركزة.
وللإضاءة على هذه التحولات ودور المؤسسة في تطوير البنية التقنية للقطاع الصحي، «الخليج» حاورت المهندس كريم جاد، مدير إدارة تقنية المعلومات والحوكمة الرقمية في «دبي الصحية»، الذي أكد أن الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الطب في جوهره، لكنه لن يغير إنسانيته.
* ما رؤيتكم لمستقبل الذكاء الاصطناعي في عالم الطب؟
- عند إدخال أي تقنية جديدة إلى القطاع الصحي، لاسيما الذكاء الاصطناعي، يجب أن نكون حذرين في استخدامها المباشر مع المريض، لضمان أعلى مستويات الأمان والدقة. لذلك توسعنا في «دبي الصحية» بتوظيفه في العمليات الخلفية للمستشفيات والجامعات والإدارات التابعة للمؤسسة، بما يسهم في رفع كفاءة التشغيل وتحسين الإجراءات الإدارية والتنظيمية، وهي مرحلة تمهيدية أثبتت فاعليتها وساعدتنا كثيراً في تطوير بيئة العمل الداخلية.
أما في الخدمات التي تتضمن تواصلاً مباشراً مع المريض، فقد بدأنا باستخدامه في مراكز الاتصال، بحيث يستطيع النظام التفاعل صوتياً أو كتابياً مع المتصل بطريقة طبيعية تشبه المحادثة البشرية، دون أي خطورة على المريض، ما يخفف عبء العمل على الفرق التشغيلية ويمنح المريض تجربة أكثر سلاسة وتفاعلاً.
وعلى النطاق الطبي البحت نستخدم في «دبي الصحية» الجراحة الروبوتية في عدد من التخصصات الدقيقة، التي أثبتت دقتها وكفاءتها العالية، ونتوسع حالياً في هذا المجال، خصوصاً في تخصصات العظام وجراحات تغيير الركبة باستخدام روبوتات متخصصة، وغيرها، كما نستخدم الكثير من التقنيات الأخرى.
* هل تتفوق كفاءة الذكاء الاصطناعي على الطبيب البشري؟
- لا يمكن للطبيب أن يترك زمام العملية بالكامل للتقنيات أو الأنظمة الذكية، فحتى في الجراحات الروبوتية يظل وجود الطبيب البشري أساسياً، لأنه المسؤول عن القرار النهائي والإشراف الكامل على الإجراء الطبي. لكن المهم أن الطبيب اليوم يحتاج إلى مستوى مختلف من التدريب للتعامل مع هذه الأنظمة، لأن استخدامها يتطلب مهارة تقنية جديدة موازية للخبرة الطبية.
فالذكاء الاصطناعي في جوهره أداة تمكينيه تساعد الأطباء والمهنيين الصحيين على أداء عملهم بكفاءة أعلى، وليس بديلاً عنهم. ومن الطبيعي أنه في هذا العصر، من لا يستخدمه في مجاله المهني سيجد نفسه متأخراً عن زملائه ومنافسيه، سواء كان طبيباً أو مؤسسة.
* هل يواجه مصطلح «الذكاء الاصطناعي» مقاومة من الجمهور؟
- نحاول تفادي أي مقاومة أو سوء فهم قد يرافق إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى المنظومة الصحية، لذلك نحرص على أن يُسبق التطبيق بمرحلة إرشاد وتوعية شاملة، ليس للكادر الطبي فقط، بل للمرضى أنفسهم أيضاً، فمن المهم أن يعرف المريض طبيعة الخدمة التي يتلقاها إذا كانت تعتمد عليه، وما الذي يمكن أن يتوقعه منها، وما حقوقه في مراجعة التقارير والنتائج.
هذه الخطوات جزء أساسي من سياسة المؤسسة قبل طرح أي خدمة جديدة، لضمان الشفافية وبناء الثقة المتبادلة بين المريض والنظام الصحي الذكي.
* ما أبرز مجالات استخدام دبي الصحية له في الرعاية الطبية؟
- من أبرز التطبيقات التي نركز عليها حالياً توظيفه في تدوين المحادثة الطبية بين الطبيب والمريض، وهي خطوة أحدثت تحولاً كبيراً في طبيعة التواصل داخل العيادات. فبدلاً من انشغال الطبيب بتسجيل الملاحظات على الكمبيوتر أثناء الاستشارة، بات النظام الذكي يقوم بتسجيل الحوار وتحليله وتلخيصه تلقائياً بطريقة علمية دقيقة، تُدمج في السجل الطبي وتُستخدم لاحقاً في المتابعة العلاجية، هذا التطور أتاح للطبيب أن يوجه كامل تركيزه للمريض، وجعل المحادثة أكثر إنسانية وسلاسة.
كذلك هناك تطبيق حلول رقمية مبتكرة لإدارة الألم، إذ نسعى دائماً لجعل تجربة المريض أكثر راحة وسهولة. فعلى سبيل المثال، نستخدم تقنيات الواقع الافتراضي (VR) لمساعدة المرضى — خصوصاً الأطفال — على تجاوز مشاعر الخوف أو القلق أثناء بعض الإجراءات الطبية، مثل أخذ عيّنات الدم أو الحقن، حيث يرتدي المريض نظارة الواقع الافتراضي ويدخل في تجربة مرئية تفاعلية توجه انتباهه لأمور أخرى وتخفف من إحساسه بالألم أو التوتر.
كما توسعت المؤسسة في استخدامه داخل وحدات العناية المركزة، حيث تُراقَب حالة المريض على مدار الساعة بأنظمة ذكية تجمع بيانات العلامات الحيوية بشكل لحظي، وتُصدر تنبيهات فورية عند حدوث أي تغير يستدعي التدخل الطبي. وتتميز هذه الأنظمة بقدرتها على التعرف إلى سلوك المريض واستجاباته الجسدية، مثل فتح العين أو محاولة النهوض من السرير، لتجنب حالات السقوط أو التدهور المفاجئ، ما يجعل عملية المراقبة أكثر دقة واستباقية.
* من واقع خبرتكم، إلى أي مدى يثق الجمهور بالذكاء الاصطناعي؟
- في دولة الإمارات نلاحظ تقبلاً واسعاً وثقة متنامية في تقنياته، بفضل الرؤية الوطنية الواضحة التي تقود هذا التحول في الدولة، والدعم الكبير الذي تقدمه القيادة الرشيدة لهذا القطاع، ليس في المجال الطبي فقط، بل في مختلف المجالات الاقتصادية والتعليمية والتقنية.
وأعتقد أن الجمهور بطبيعته منفتح على التجربة والتطوير، ومع ذلك، ما زال بعضهم يربطه بالفكرة التقليدية ل«الطبيب الذكي» أو الطبيب الآلي، وهو تصور لم يتحقق بعد. لذلك نركز دائماً على التوعية بأنه ليس بديلاً عن الطبيب، بل أداة داعمة له ترفع كفاءته وتحسن دقة التشخيص وجودة الخدمة.
وما يميز التجربة الإماراتية أن الدولة استثمرت مبكراً في البنية التقنية والتعليم والتدريب البشري في هذا المجال، ما جعلها في موقع ريادي عالمي. وقد أصبحنا نرى وفوداً من دول أخرى تزورنا وتسعى للاستفادة من خبراتنا في تطبيقاته في القطاع الصحي، وهو ما يعكس نجاح النموذج الإماراتي في الدمج بين الابتكار والثقة المجتمعية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
