منوعات / صحيفة الخليج

مستقبل الذكاء الاصطناعي يجب أن يتحدث العربية

من شعر المتنبي وفكر ابن رشد، إلى إنسانية نجيب محفوظ ومحمود درويش، كانت اللغة العربية عبر التاريخ ركناً أساسياً في التراث الثقافي والفكري العالمي. لكنها اليوم في زمن التواصل الرقمي، تمثل أقل مما تستحق في التقنيات التي تصوغ مستقبل العالم.
وبينما نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، الذي يوافق مرور 52 عاماً على اعتمادها لغة رسمية في الأمم المتحدة، نستذكر أن هناك أكثر من 450 مليون متحدث بالعربية. ومع ذلك، لا يشكل المحتوى العربي على الإنترنت سوى أقل من 3%.
وتتضاعف خطورة هذا التفاوت اليوم، مع بدء الذكاء الاصطناعي في تشكيل ليس فقط طرق تواصلنا، بل أنماط تفكيرنا وتعلمنا ومعايير التقدم ذاتها.
يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات، والبيانات هي انعكاس لما هو موجود على الإنترنت وفي أنظمتنا الرقمية. وعندما تكون اللغة العربية ضعيفة الحضور في هذه البيانات، فإن النماذج الناتجة، من محركات البحث إلى روبوتات الدردشة وأدوات الترجمة، تعجز عن خدمة المتحدثين بالعربية بالشكل المطلوب. وهذا لا يؤدي فقط إلى قصور في الأداء، بل يكشف مشكلة أعمق هي استبعاد لغة عالمية ذات إرث ثقافي وفكري واسع من أسس البنية الرقمية للمستقبل.
وهنا يظهر مفهوم «سيادة اللغة»، أي قدرة المجتمعات على رؤية لغتها مُجسدة بدقة واحترام في التكنولوجيا الرقمية. وهذا يتطلب أكثر من الترجمة؛ إذ يستلزم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات تعكس فعلياً طريقة كلام الناس وكتاباتهم وتفاعلاتهم العربية في مختلف البلدان واللهجات.
وتطرح العربية تحديات خاصة في هذا المجال، فثراؤها الصرفي وتنوع لهجاتها وازدواجيتها بين الفصحى والعامية، يجعل نمذجتها أكثر تعقيداً مقارنة بكثير من اللغات الأخرى.
لكن ذلك لا يعني أن تترك اللغة العربية خلف الركب، بل إنه يؤكد ضرورة حشد جهود مركزة وتعاونية، لضمان إدماج العربية بصورة جوهرية داخل نظم الذكاء الاصطناعي التي باتت وسيطاً رئيسياً للمعرفة والثقافة.
وقد أدركت خلال عملي كم هو ضروري أن تكون العربية جزءاً أساسياً من قاعدة الذكاء الاصطناعي، لا مجرد إضافة لاحقة. فخلال السنوات الماضية، ظهر عدد من النماذج اللغوية الكبيرة المخصصة للعربية، والمصممة لتجسيد بنيتها وثرائها وتنوع لهجاتها، مثل «فالكون العربي» و«نور» و«جيس». وتبرهن هذه الجهود، سواء من المنطقة أو من خارجها، على أنه من الممكن تماماً بناء نظم ذكاء اصطناعي تخدم مستخدمي اللغة العربية بفاعلية، شريطة أن تكون المبادرات مقصودة ومبنية على فهم لغوي وثقافي أصيل.
فمثل هذه النماذج تتجاوز البعد التكنولوجي، بل أدوات تعزز الشمولية. فحين تكون العربية حاضرة منذ البداية، فإنها تسهم في توجيه أداء الأنظمة وطريقة فهمها للعالم والمستخدمين الذين تستهدفهم. ويمثل هذا التحول انتقالاً مهماً من مجرد تعديل النماذج العالمية لتناسب العربية، إلى بناء أنظمة تنطلق من العربية وتضعها في جوهر تصميمها.
ومع زيادة اعتماد العالم على أنظمة الذكاء الاصطناعي كجزء من بنيته الأساسية، تصبح الشمولية والتمثيل وتعدد اللغات ضرورة للجميع. فعندما تُعكس العربية وغيرها من اللغات قليلة التمثيل بصورة دقيقة داخل الذكاء الاصطناعي، يصبح الابتكار أكثر عدلاً وأكثر فائدة وأكثر ارتباطاً بالمستخدمين الفعليين.
ويقع على عاتق المؤسسات البحثية وصناع القرار والمطورين مسؤولية ضمان ألا تضاف العربية لاحقاً إلى أنظمة صممت بلغات أخرى، بل أن تكون جزءاً من بنائها منذ البداية. فالأدوات التي نضع أسسها اليوم ستقرر من يملك صوتاً في المستقبل الرقمي، ومن يجد آذاناً تصغي إليه. وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نتذكر أن العربية يجب أن تكون حاضرة في هذه المسيرة منذ انطلاقتها، لا كلغة ترجمة فحسب، بل لغة ابتكار كاملة تحتل مكانتها المستحقة.

بقلم الدكتور شوقي قاسمي

الرئيس التنفيذي للابتكار في معهد الابتكار التكنولوجي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا