اقتصاد / صحيفة الخليج

الين الياباني.. قنبلة تهدد الاستقرار المالي

ستيفن جين*

يسير الاقتصاد الياباني فوق خط هشّ من التناقضات، يتجسد أبرزها في ضعف الين الشديد، الذي بات بعيداً عن قيمته العادلة المتسقة مع أساسيات الاقتصاد. هذا الخلل المتفاقم يزيد من احتمال تراجع مفاجئ في استراتيجية تجارة الحِمل بالين (كاري تريد)، أو (تجارة الترجيح)، التي راكمها المستثمرون على مدى سنوات.
فالين يُتداول حالياً قرب 155 مقابل الدولار الواحد، أي في أعلى نطاقه الممتد لعقود عدّة، بين 80 و160. ومنذ مطلع 2022، حين كان قريباً من 115، شهدت العملة اليابانية انهياراً حاداً، مدفوعاً بالأساس بفارق العوائد الهائل بين والولايات المتحدة. ففي وقت اضطرت فيه البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي، إلى رفع الفائدة بقوّة، لكبح التضخم، حافظ بنك اليابان على سياسة الفائدة السلبية، وتمسّك تماماً ببرنامج التحكم في منحنى العائد، حتى مارس 2024.
ومع أن المحافظ، كازو أويدا، أعاد الفائدة إلى التحرك في نطاق إيجابي طفيف، ثم رفعها تدريجياً إلى 0.50%، فإنها تبقى أقل كثيراً من الفائدة الأمريكية، كما تبقى دون مستوى التضخم الياباني البالغ 3%. وبالتالي، نحن أمام فائدة حقيقية شديدة السلبية، تزيد الضغط على الين، وتدفع رؤوس الأموال إلى الخارج.
من غير المستغرب أن يؤدي ضعف الين إلى تأجيج التضخم في اليابان، وهذا يبدو لأول وهلة خبراً جيداً لبلد حارب الانكماش لربع قرن كامل، مستخدماً كل أدوات السياسة النقدية غير التقليدية. وكان بنك اليابان أول من ابتكر سياسات أسعار الفائدة الصفرية والسلبية، والتيسير الكمي، وسياسة سعر الفائدة على أساس النسبة المئوية.
لكن ما حدث منذ 2022، لم يكن تضخماً صحياً موجهاً لتحفيز الإنتاج والصادرات، ويعود ذلك، إلى حد كبير، إلى أن شيخوخة السكان في البلاد جعلتها تعاني نقصاً في العمالة. ولهذا السبب، لم تستفد اليابان من ضعف الين في دفع الصادرات، كما في السابق. وبدلاً من ذلك، تضخمت الأرباح التشغيلية للشركات الكبرى، ما دفع أسواق الأسهم للصعود بقوة، في حين ظل النمو الاقتصادي هشّاً، وبقي التضخم، كما يقول أويدا، ناتجاً عن ضغوط التكاليف أكثر من كونه مدفوعاً بالطلب.
ما يحدث عملياً، هو أن اليابان تحقّق نمواً محدوداً عبر تقليص قوّتها الشرائية الدولية. وهو مسار يُشبه السعي للثراء عبر إفقار الذات.
ففي عام 2000، وبعد عقد على انفجار فقاعة العقارات والأسهم، كانت اليابان لا تزال في المرتبة الثالثة عالمياً، في نصيب الفرد من الناتج المحلي بالدولار، بعد ليختنشتاين ولوكسمبورغ فقط. أما في 2025، فتراجعت إلى المرتبة 38 خلف دول مثل إسبانيا، والبرتغال، والتشيك، وسلوفينيا، والعامل الأكبر وراء هذا الهبوط هو قيمة الين. فلو كانت العملة عند 125 للدولار الواحد، وهو المستوى الذي يشير إليه الحساب الإحصائي التقليدي، ويقترب من تقديرات الحكومة اليابانية، لكانت اليابان ضمن الدول الأعلى نمواً بالقيمة الحقيقية.
من الواضح أن تقييم العملة ليس ممارسة دقيقة، فهناك العديد من الطرق لتقييم السعر النسبي لعملتين. ينطبق هذا بشكل خاص على الين، إذ يجب مراعاة التشوّهات الاسمية الناتجة عن الميزانية العمومية المتضخمة، والمعقدة لبنك اليابان. إلا أن وزيرة المالية اليابانية تعتقد أن المستوى العادل للدولار يتراوح بين 120 و130 ينّاً، لذا فإن هدفاً متوسط الأجل عند 125 يبدو معقولاً.
إن العودة المحتملة لقيمة الين العادلة قد تنجم عن محفزات عدّة، أبرزها:
أولاً: تضييق فروق العائد. ويتم عبر رفع المركزي الياباني أسعار الفائدة أسرع من المتوقع، فيما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفضها بفعل تدهور سوق العمل الأمريكي.
ثانياً: إعادة توطين الأرباح الخارجية لتمويل استثمارات رأسمالية ضرورية في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وهي أدوات حيوية لدولة بهذه التركيبة السكانية.
ثالثاً: تغيّر توقعات السوق. إذا اعتقد المستثمرون أن سعر الدولار مقابل ين سيتراجع، فقد تتقلص التدفقات الخارجة بسرعة، خصوصاً بعد سنوات من التيسير الكمي الحكومي، والعجز المالي الكبير، التي أضعفت جزئياً مكانة الين كملاذ آمن.
ولا يزال بعضنا يتذكر 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1998، ودروسه القاسية، عندما انهار سعر صرف الدولار مقبل الين من 134 إلى 120 في يوم واحد، بسبب أزمة «إدارة رأس المال طويل الأجل»، وتخلف روسيا عن سداد ديونها. لكن السبب العميق كان الانكشاف الهائل لصفقات «الحِمل بالين».
واليوم، تتوفر كل الأسباب للاشتباه في أن تلك الصفقات باتت مرة أخرى ضخمة للغاية، وأن الين الضعيف ليس سوى قنبلة موقوتة تنتظر الشرارة المناسبة.
* الرئيس التنفيذي والمدير المشارك لتكنولوجيا المعلومات في شركة «يورايزن إس إل جيه»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا