ربما لا يوجد شخص يجسد هوس الذكاء الاصطناعي مثل "جينسن هوانغ"، الرئيس التنفيذي لعملاق الرقائق الإلكترونية "إنفيدياً" (Nvidia)، التي شهدت قيمتها قفزة هائلة بنسبة 300% خلال العامين الماضيين.
وفي ظل هذه الطفرة التي يعيشها هوانغ، كان من المفهوم تماماً لماذا استهل بيانه الأخير للمستثمرين في مكالمة الأرباح بمحاولة تهدئة المخاوف من حدوث فقاعة؛ حيث قال للمساهمين: "هناك الكثير من الحديث عن فقاعة ذكاء اصطناعي، لكن من موقعنا، نرى مشهداً مختلفاً تماماً".
وعند تأمل خطاب "فقاعة الذكاء الاصطناعي"، يتضح أمر جلي: أولئك الذين لديهم الكثير ليكسبوه من استمرار وتيرة الإنفاق هم أنفسهم من يؤكدون أن النقاد القلقين من جنون الاستثمار "المبالغ فيه" مخطئون تماماً.
وفي هذا السياق، قال "ديفيد ساكس"، مسؤول الذكاء الاصطناعي السابق في البيت الأبيض والمستثمر المغامر، عبر بودكاست "All-In": "لا أعتقد أن هذه بداية دورة انهيار، بل نحن في طفرة.. نحن في دورة استثمارية فائقة".
أما المستثمر البارز في وادي السيليكون، "بن هورويتز"، فقد اعتبر فكرة وجود مشكلة في الطلب بعد خمس سنوات "أمراً مثيراً للسخرية"، مضيفاً: "إذا نظرت إلى العرض والطلب والمكررات الربحية مقابل النمو، فلا يبدو لي الأمر كفقاعة على الإطلاق".
ومن جهتها، وصفت "ماري كلاهان إيردوس"، المسؤولة التنفيذية في "جي بي مورغان تشيس"، خلال ظهورها على قناة (CNBC)، تسمية الأموال المتدفقة للذكاء الاصطناعي بـ "الفقاعة" بأنها "مفهوم مجنون"، مؤكدة: "نحن على أعتاب ثورة كبرى ستغير طريقة عمل الشركات".
شكوك وتباطؤ تقني على الجانب الآخر، يرى "بول كيدروسكي"، المستثمر المغامر والزميل الباحث في معهد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) للاقتصاد الرقمي، أن النظر إلى ما يحدث فعلياً داخل الصناعة يبعث على الشكوك الجدية، مشيراً إلى أن كميات هائلة من رؤوس الأموال تتدفق إلى "ثورة" لا تزال قائمة في معظمها على التكهنات.
وقال كيدروسكي: "التكنولوجيا مفيدة جداً، لكن وتيرة تحسنها توقفت تقريباً. لذا، فإن الاعتقاد بأن الثورة ستستمر بنفس الإيقاع خلال السنوات الخمس القادمة هو اعتقاد خاطئ للأسف".
إن حجم التدفقات المالية يذهل الخبراء الماليين؛ فشركة "OpenAI"، صانعة "ChatGPT" التي أطلقت السباق في أواخر 2022، أعلن رئيسها التنفيذي "سام ألتمان" أن إيرادات الشركة تبلغ 20 مليار دولار سنوياً، وتخطط لإنفاق 1.4 تريليون دولار على مراكز البيانات خلال السنوات الثماني القادمة. ويعتمد هذا النمو بالطبع على مبيعات متزايدة باستمرار للأفراد والشركات.
لكن هناك سبب للتشكيك؛ إذ تشير أبحاث متزايدة إلى أن معظم الشركات لا تلمس تأثيراً حقيقياً لروبوتات الدردشة على نتائجها المالية، كما أظهر تحليل أن 3% فقط من الناس يدفعون مقابل خدمات الذكاء الاصطناعي.
ويقول "دارون عجم أوغلو"، الخبير الاقتصادي في (MIT) والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024: "يتم تضخيم هذه النماذج بشكل مبالغ فيه، ونحن نستثمر أكثر مما ينبغي". وأضاف: "لا أشك في ظهور تقنيات ستضيف قيمة حقيقية في السنوات العشر القادمة، ولكن الكثير مما نسمعه من الصناعة الآن هو مبالغة".
ومع ذلك، تستعد شركات أمازون، وجوجل، وميتا، ومايكروسوفت لإنفاق نحو 400 مليار دولار مجتمعة على الذكاء الاصطناعي هذا العام، معظمها لتمويل مراكز البيانات، حيث ستخصص بعض الشركات نحو 50% من تدفقاتها النقدية الحالية لإنشاء هذه المراكز.
وبصياغة أخرى، يقول كيدروسكي: "يتعين على كل مستخدم "آيفون" على وجه الأرض دفع أكثر من 250 دولاراً لتغطية هذا الإنفاق، وهذا لن يحدث". ولتجنب استنزاف السيولة، بدأت شركات كبرى مثل "ميتا" و"أوراكل" باللجوء إلى الملكية الخاصة والديون لتمويل هذا التوسع.
بناء المستقبل بالديون والتمويلات الخطرة كشف تقييم لمحللي "جولدمان ساكس" أن شركات "Hyperscalers" (التي تملك قدرات حوسبة وسحابية ضخمة) قد حصلت على ديون بقيمة 121 مليار دولار خلال العام الماضي، بزيادة تفوق 300% عن عبء الديون المعتاد في الصناعة.
ويوضح المحلل "جيل لوريا" من شركة الاستثمار "D.A. Davidson"، أن بعض المناورات المالية في وادي السيليكون مصممة لإبقاء الديون خارج الميزانيات العمومية، باستخدام ما يسمى بـ "شركات الأغراض الخاصة" (SPV).
وفي هذا النموذج، تستثمر شركة التكنولوجيا في مركز بيانات، ويقدم المستثمرون الخارجيون معظم الأموال، ثم تقترض شركة الغرض الخاص لشراء الرقائق. وبذلك تحصل شركة التكنولوجيا على قدرة حوسبية دون إثقال ميزانيتها بالديون.
على سبيل المثال، تم تمويل صفقة مؤخراً بين شركة "ميتا" وشركة "Blue Owl Capital" لمركز بيانات في لويزيانا بقيمة 27 مليار دولار. هذه الديون مدعومة بمدفوعات "ميتا" مقابل استئجار المنشأة، ما يعني أن "ميتا" لديها فعلياً "رهن عقاري" على المركز. ورغم أنها تملك 20% فقط من الكيان، إلا أنها تحصل على كل القوة الحوسبية. وإذا انفجرت الفقاعة، ستكون "ميتا" ملزمة بدفع مليارات الدولارات لشركة "Blue Owl".
ويشير لوريا إلى أن هذه الترتيبات تعيد ذكريات سيئة، قائلاً: "مصطلح (شركة الأغراض الخاصة) برز قبل 25 عاماً مع شركة (إنرون) التي انهارت في 2001، الفرق الآن هو أن الشركات لا تخفي ذلك، لكن هذا ليس شيئاً يجب أن نعتمد عليه لبناء مستقبلنا".
يفترض وادي السيليكون أن إيرادات الذكاء الاصطناعي الضخمة ستغطي هذه الفواتير، لكن محللي "مورجان ستانلي" يقدرون أن شركات التقنية الكبرى ستنفق نحو 3 تريليون دولار على البنية التحتية حتى عام 2028، بينما ستغطي تدفقاتها النقدية نصف هذا المبلغ فقط.
ويحذر لوريا: "إذا استقر نمو السوق فقط، سنواجه سريعاً فائضاً في السعة المبنية، وستصبح الديون بلا قيمة، وستخسر المؤسسات المالية أموالها". ويذكر لوريا بما حدث قبل 25 عاماً حين انفجرت فقاعة "دوت كوم" بعد بناء شبكات ألياف ضوئية لمستقبل لم يكن قد وصل بعد، محذراً من "أزمة مالية أخرى" إذا لم نكن بحاجة لكل هذه المراكز في المستقبل.
هناك جانب آخر يثير الريبة وهو الطبيعة الدائرية للاستثمارات، مثل الصفقة الأخيرة بقيمة 100 مليار دولار بين "إنفيدياً" و"OpenAI". حيث ستقوم "إنفيدياً" بضخ الأموال لتمويل مراكز البيانات، لتقوم "OpenAI" لاحقاً بملء تلك المراكز برقائق "إنفيدياً". يرى محللون أن هذا يعني قيام "إنفيدياً" بدعم أحد أكبر عملائها بشكل مصطنع لتضخيم الطلب.
كما دخلت شركات أقل شهرة مثل "CoreWeave" في اللعبة، حيث تعاقدت معها "OpenAI" بمليارات الدولارات لاستئجار قدرات الحوسبة مقابل أسهم، في حين تضمن "إنفيدياً" (التي تملك حصة في CoreWeave) شراء أي سعة غير مستخدمة حتى عام 2032. ويصف عجم أوغلو هذه الصفقات بأنها قد تكشف في النهاية عن "بيت من ورق".
بدأت علامات القلق تظهر على مستثمرين مؤثرين؛ فقد باع الملياردير "بيتر ثيل" كامل حصته في "إنفيدياً" بقيمة 100 مليون دولار هذا الشهر، بعد قيام "سوف بنك" ببيع حصة بقيمة 6 مليارات دولار في نفس الشركة.
كما عاد "مايكل بيري"، المستثمر الذي توقع أزمة الإسكان عام 2008، للظهور مراهناً ضد "إنفيدياً"، متهماً الصناعة باستخدام "خدع محاسبية" وصفقات دائرية، وكتب عبر منصة (X): "الطلب النهائي الحقيقي صغير بشكل مثير للسخرية.. معظم العملاء يتم تمويلهم من قبل مورديهم".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
