كتب جمال عبد الناصر
السبت، 27 ديسمبر 2025 06:22 ملم تكن لقاءاتي بالمخرج الكبير الراحل داوود عبد السيد مجرد حوارات صحفية، بل كانت مساحات مفتوحة للتأمل، ودهشة معرفية تتسع مع كل سؤال، ويزداد عمقها مع كل إجابة.
حواران مع المخرج داوود عبد السيد يفصل بينهما الزمن، ويجمعهما الشغف ذاته بالسينما كفكرة، وكشف، وسؤال لا ينتهي، الأول كان عام 2001، حول فيلمه (مواطن ومخبر وحرامي)؛ لقاء يحمل رهبة البداية، إذ كانت المرة الأولى التي أجري فيها حوارًا مع مخرج بحجمه وتجربته، غير أن تلك الرهبة تلاشت سريعًا أمام تواضعه الإنساني، وهدوئه العميق، وقدرته النادرة على الإصغاء، استوعب ارتباكي الأول، وفتح لي باب الحديث كما يفتح مخرج كبير كادره على اتساعه، فخرجت من اللقاء محمّلًا بخبرة لا تُنسى، وإحساس مبكر بأن السينما يمكن أن تكون حوارًا قبل أن تكون صورة.

حواري مع المخرج داوود عبد السيد
أما الحوار الثاني، فكان في تونس عام 2015، على هامش مهرجان أيام قرطاج السينمائية، حول فيلمه " قدرات غير عادية"، و هنا لم يعد الحوار حوار فيلم فقط، بل حوار فكر ورؤية؛ امتد إلى أسئلة الوجود، وحدود الواقع، ومعنى الفن، ودور السينما في مساءلة العالم لا تزيينه، وكان داوود عبد السيد في هذا اللقاء مفكرًا سينمائيًا بقدر ما هو مخرج، يُحلل بعمق، ويتأمل بلا ادعاء، ويترك للأسئلة حقها في أن تظل مفتوحة.
أقدّم اليوم هذا الحوار، بتصرف، لا باعتباره مادة صحفية فحسب، بل بوصفه شهادة شخصية، وقيمة خاصة أعتز بها، وفخرًا بمحاورة فنان نادر، ظلّ وفيًا للسينما كحلم، وكفعل تفكير، وكحياة تُعاش على مهل.
- عناوين الحوار :
• الممثل الجيد يقدم ما لا يخطر على بالى وأحمد زكى ونور الشريف ومحمود عبد العزيز والفخرانى من هذه النوعية.
• على المخرج أن يستخدم كل الأدوات الفنية لتوصيل أفكاره.
• الفترات المتباعدة بين أفلامى سببها الإنتاج ثم الإنتاج.
• الطبقة المتوسطة هى محور أفلامى لأننى أقدم سينما عن شخصيات أعرفها.
• يهمنى فى السينما التى أقدمها أن يتأثر المشاهد ويفكر ولا أحب الأفلام البليدة التى تقدم لعقليات بليدة.
• أتعامل مع "السبكى" بشروط
نص الحوار بتصرف :
- لماذا تحضر دائما مدينة الإسكندرية بقوة فى أعمال المخرج داوود عبد السيد؟
إسكندرية بالنسبة لى مكان وهى موجودة فى عدد من أفلامى بحكم السيناريو ففى فيلمى الجديد "قدرات غير عادية" هناك بنسيون وكان لزاما أن يكون على بحر ولذلك اخترت اسكندرية وبالتحديد منطقة أبو قير واختيار المكان له دلالة خفيفة ولا يجب أن نحمل حدود اختيار الإسكندرية أبعد من ذلك.
-هل تترك دائما مساحة من التفكير للمشاهد ولا يسرد له القصة بسهولة؟
لابد أن أفعل ذلك لأن هذا هو عيب التعليم فى مصر وأحد عيوب الإعلام الشمولى فمثلا يقولك "لازم تنزل تنتخب" وهنا أتساءل: "ليه لازم" فمن الممكن أن أكون مقاطع مثلا ولى مطلق الحرية فى عدم الانتخاب.
-أسماء الشخصيات لديك هل يكون لها دلالة؟ ولماذا تكرار اسم "يحيى" فى أبطال أفلامك؟
بالفعل كل أبطال أعمالى مؤخرا اسمهم "يحيى" لأن هناك تشابه بين الأبطال فى أفلامى وكل اسم له دلالة وتكرار الاسم له دلالة أيضا، وكنت أحب أن أسميه "يوسف" ولكن عندما أنجبت "ولد" وسميته يوسف لم أرغب أن يكون اسم بطل أفلامى على نفس اسم ابنى.
-كيف تكتب سيناريوهاتك؟ هل دفعة واحدة أم على مراحل؟ ومن أين تأتى بأفكارك؟
بالتأكيد على مراحل مختلفة ولا أستطيع ولا أتذكر كيف تأتينى فالفكرة فجأة تخطر على بالى والفكرة يتم تطويرها بالمناسبة فأول فكرة من الممكن ألا تكون هى الأساس فى السيناريو ولكن فيما بعد تتطور الأفكار مع العمل نفسه فى السيناريو.

المخرج الكبير الراحل داوود عبد السيد
نعم هذه الطبقة هى محور أغلب أفلامى فما أقدمه من شخصيات عن الناس التى أعرفها ومن الممكن أن تتحدث عن ناس شعبيين فى طبقة فقيرة ولكنك تكون مدعى ففى "سارق الفرح" كانت قصة قصيرة ولكنها فتحت لى بابا من القصص التى نسجتها لأقدم الفيلم، وتفكر دائما كمخرج فى حدود خبرتك وعندما قدمت فيلم "أرض الخوف" عن عالم المخدرات لم يكن لدى معلومات بالقدر الكافى لكننى بدأت التفكير وسألت نفسى: ما حدود معرفتى بعالم المخدرات؟، فكانت الإجابة أن حدود معرفتى بهذا العالم لا تتجاوز المسلسل الإذاعى "سمارة" وعندما شرعت فى الفيلم ذهبت لضباط مخدرات ولكن المعلومات لم تكن كافية، فاستخدمت خيالى وبعض الخيال يكون من وجهة نظرى أصح من الواقع.
-لماذا يرهق داوود عبد السيد المشاهد فى أفلامه؟
أنا يهمنى أن يتأثر المشاهد ويفكر، والفيلم الذى "يريح" المشاهد أعتبره فيلما بليدا وإذا كان هذا مزعجا فلأننا لم نتعود عليه لأننا لم نعتد على النقد نتيجة الإعلام والتعليم، وحتى عندما ظهرت الصحف والقنوات الخاصة عملت فى منظومة إعلام شمولى، وتأمل اللقاءات مع الناس فى البرامج ستجدها متشابهة فلا أحد يستطيع أن يشرح وجهة نظره فالإرهابيين أصبح خيالهم أكبر من الداخلية فهذه هى المشكلة وهذا يسرى على كل شىء لأننا نخلق عقليات بليدة.
- الراوى فى سينما داوود عبد السيد دائما حاضر والبعض يعتبره نقصا فى توصيل الأفكار بالصورة فما رأيك؟
الراوى كان لدى فى بعض الأفلام وهى أرض الخوف ومواطن ومخبر وحرامى ولكن هناك حوار داخلى يكون على لسان البطل وهدفه توضيح معلومات أو أحاسيس والسينما ليست صورة فقط فقد كانت صورة فقط أثناء السينما الصامتة ولذلك فعلى المخرج أن يستخدم كل الأدوات الفنية التى توصل أفكاره فممكن معلومة تقوله بثانيتين بالصوت ولو عملتها بالصورة سيحدث ملل فالتكثيف مهم وهذا أسلوبى ومن لا يعجبه ينتقده وأنا اتقبل النقد.
-لماذا يصنف البعض أفلامك على أنها أفلام نخبوية؟
أنا أقدم أعمالى فى السينما بقدر المستطاع بجودة عالية لأوسع جمهور ممكن وهذا مشروعى ولو كانت أفلامى للنخبة فقط فهذا عيب لدى.
-هل من الممكن أن تتعامل مع السبكى كمنتج؟
ممكن بشروط واتفاقات محددة لأننى لست ضده ولكن لدى مواصفات لو تم احترامها لا أمانع فى التعامل معه لأنه منتج لديه شفرة الجمهور، ويعرف كيف يكسب الجمهور، وأنا ضد مقاطعة أعمال فنية لمنتج أو لمخرج وإنشاء حملات ضده.
-لماذا يكتب داوود عبد السيد كل أفلامه؟
ليس لها علاقة بوجود سيناريو جيد من عدمه فأنا لا أبحث عن سيناريوهات ولكنى أفضل أن أعبر عما يشغلنى بنفسى فهل هناك كتاب سيناريو يعبرون عما يشغلنى؟، لو وجدت ذلك سوف أعمل مع كتاب سيناريو.
-لماذا هناك فترات طويلة ما بين أفلام داوود عبد السيد؟
السبب هو الإنتاج وأيضا البحث عن أفكار فقد ظللت فى فيلم "الكيت كات" لمدة 5 سنوات لأن الإنتاج لم يرد بناء حارة وكانوا يرغبون أن نصور فى حارة مجهزة بأحد الاستديوهات، وأنا لا يفرق معى الكم ولا الكيف يهمنى فقط الرضا عما أقدمه، وأنا راضٍ عما قدمت من أفلام بقدر ما فى العموم وأنا لا أحب مشاهدة أفلامى التى انتهيت منها لأننى أرى عيوبها لأننى مقتنع بأنه لا عمل كامل ولذلك أشاهد النقص.
-ما هو المشروع الذى يشغل داوود ولم ينفذه بعد؟
هو المشروع القادم الذى لا أعرف عنه شيئا وفى مرحلة التكوين.
-ما هو أفضل ممثل تعامل معه داوود عبد السيد؟
المهم لدى فى الممثل أن يحقق لى ما لا يخطر على بالى وليس ما أريده أنا منه لأن هذا هو الحد الأدنى لكن هناك ممثل يحقق لك أكثر مما كنت تريد منه، وهذا ينطبق على محمود عبد العزيز فى فيلم "الصعاليك" لأننى كنت أراه ممثل "حليوة" ولكنه فاجأنى، وأيضا الراحل نور الشريف فى سيد مرزوق، وهناك أحمد ذكى، ويحيى الفخرانى، فكل هؤلاء أساتذة فى التمثيل وهم مظلومون فى السينما لأن موهبتهم أكبر مما يقدموه.
-لماذا ترفض إخراج الدراما التليفزيونية؟
لأننى غير مستعد لأقدم 30 حلقة فى كلام فارغ ولو أتيحت لى الفرصة أفضل تقديم تاريخ مصر فى 30 حلقة فى عمل ملحمى والمهم هنا الإنتاج، وبالمناسبة الدراما السورية استطاعت أن تقدم الدراما خارج الأستوديو وبكاميرا واحدة بمعنى أصح قدمت الدراما التليفزيونية بمفهوم السينما ولذلك نجحت، وأنا فى مرحلة عمرية لا أستطيع خلالها أن أقدم مسلسلا واستغرق وقتا كبيرا فى التصوير، إضافة لكون ما يعجبنى لا يستطيع أحد عمله لأنه مكلف جدا ومن الشخصيات التاريخية التى أرغب فى تقديمها محمد على أو الخديوى إسماعيل وكل تاريخ الأسرة العلوية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
