منوعات / صحيفة الخليج

داود عبد السيد.. قصة مخرج بالصدفة صنع تاريخه بـ9 أفلام متمرداً على عبارة «الجمهور عايز كدة»


رحل المخرج المصري الكبير داود عبد السيد عن عالمنا، اليوم السبت، 27 ديسمبر 2025، عن عمر ناهز 79 عاماً، لكن رحيله لم يكن مجرد خبر وفاة، بل لحظة استدعاء ذاكرة سينمائية كاملة، ومسيرة استثنائية لمخرج جاء إلى السينما بالصدفة، وبقي فيها عن قناعة، ثم غادرها بكرامة، تاركاً خلفه أفلاماً قليلة العدد، عميقة الأثر.

داود عبد السيد: لم يكن حلمي أن أكون مخرجاً
كشف داود عبد السيد، في أحد لقاءاته، أن حلمه الأول لم يكن الإخراج، بل العمل بالصحافة، إلا أن الصدفة، وابن خالته تحديداً، كانا بوابته إلى عالم السينما.
ابن الخالة، الشغوف بالرسوم المتحركة، تطور اهتمامه إلى شراء وتجارب تصوير منزلية، ثم توطدت علاقاته بالعاملين في الوسط السينمائي، ليصطحب داود عبد السيد ذات يوم إلى استوديو جلال.
هناك، كان يتم تصوير من إخراج أحمد ضياء الدين، الذي كان داود يعرفه بحكم زمالته لابنه في المدرسة.
كانت تلك اللحظة فاصلة، إذ يقول إنه انبهر بالسينما «بصورة مذهلة»، ومن بعدها اتخذ قراره المصيري بالالتحاق بالمعهد العالي للسينما.
من مساعد مخرج إلى طريق مستقل
بدأ داود عبد السيد حياته العملية كمساعد مخرج في أفلام كبرى مثل «الأرض» ليوسف شاهين، و«الرجل الذي فقد ظله» لكمال الشيخ، و«أوهام الحب» لممدوح شكري، لكنه سرعان ما قرر التوقف عن هذا الطريق.
كان داود عبد السيد، صريحاً في وصف تجربته، حيث قال إنه لم يحب مهنة المساعد لأنها لا تشبه تكوينه، وتتطلب تركيزاً لا يمنحه إلا لما يؤمن به تماماً.
وقد كلّفه هذا الرفض، سنوات من التأخير، لكنه منحه استقلالاً فكرياً نادراً.

السينما التسجيلية.. المدرسة التي صنعت داود عبد السيد
دخل داود عبد السيد عالم السينما الروائية من «باب جانبي» مظلوم إعلامياً، هو السينما التسجيلية.
قدّم أفلاماً مثل «وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم»، و«العمل في الحقل»، و«عن الناس والأنبياء والفنانين».
حررته هذه التجربة من الخوف من الكاميرا، ومنحته الثقة بتحويل الفكرة إلى صورة، وكان يؤمن بأن الإخراج وكتابة السيناريو شيء واحد، وأن التعليم الحقيقي يكمن في تعلم كيفية إيصال الفكرة لا تدوينها على الورق فقط.

9 أفلام فقط.. لكنها صنعت تاريخاً
على مدار مسيرته، قدّم داود عبد السيد 9 أفلام روائية طويلة فقط، هي:
الصعاليك (1985)
البحث عن سيد مرزوق (1991)
الكيت كات (1991)
أرض الأحلام (1993)
أرض الخوف (2000)
مواطن ومخبر وحرامي (2001)
رسائل البحر (2010)
قدرات غير عادية (2014)
قلة الإنتاج لم تكن عجزاً، بل اختيار واعي، فرضه إيمانه بأن السينما موقف قبل أن تكون صناعة.
داود عبد السيد لا يؤمن بـ«الجمهور عايز كدة»
ظل داود عبد السيد طوال مسيرته رافضاً لمقولة «الجمهور عايز كدة»، معتبراً أنها تسيء لعقل المشاهد.
كان مستعداً للانتظار سنوات طويلة حتى يجد المنتج الذي يتحمس لأفلامه؛ لأنه لم يكن يساوم على أفكاره.
وكان يقول: «أنا أقدم الموضوعات التي أشعر بها وأتفاعل معها»، دون النظر لظروف السوق أو الموضة.

شخصيات قبل القضايا.. وسينما بلا إدانة
في أفلامه، تتقدم الشخصية على القضية، ونجد ذلك واضحاً في شخصيات مثل الشيخ حسني في الكيت كات، ويحيى أبو دبورة في أرض الخوف، ويوسف كمال في البحث عن سيد مرزوق، ويحيى في رسائل البحر، لم تكن مجرد رموز، بل تفاصيل إنسانية كاملة.
أجمل ما في سينما يوسف داود أنه لا يدين شخصياته، بل ينظر إليها برحمة، ويتفهم دوافع النفس والجسد، ويترك الحكم للمشاهد.

جوائز وتكريمات تليق بمكانة داود عبد السيد
رغم محدودية عدد أفلامه، حصد داود عبد السيد عشرات الجوائز، من بينها:
الهرم الفضي وجائزة السيناريو من مهرجان القاهرة السينمائي
الجائزة الذهبية من مهرجان دمشق
أوسكار السينما المصرية
جوائز مهرجان جمعية الفيلم
جائزة الدولة للتفوق في الفنون (2004)
جائزة الدولة التقديرية في الفنون (2012)
كما حظي بتكريمات من مهرجانات دبي، مونبلييه، تطوان، دمشق، ونقابة المهن السينمائية.

«لم يعد لي مكان».. قرار الاعتزال
في نهاية عام 2021، أعلن داود عبد السيد اعتزاله خلال مداخلة تلفزيونية، مؤكداً أنه لم يحتج وقتاً طويلاً لاتخاذ القرار، وأن آخر أفلامه «قدرات غير عادية» عُرض عام 2015.
قالها بهدوء موجع: «أديت رسالتي.. ولم يعد لي مكان الآن».
وقد تحوّلت كلماته وقتها إلى صدمة ثقافية، وأعادت اسمه إلى الصدارة، وسط موجة حب واسعة من الجمهور والمثقفين.

وداع يليق بمخرج لم يساوم
مع إعلان خبر وفاته، عاد السؤال القديم: لماذا لم يجد داود عبد السيد منتجاً يغامر معه؟ ولماذا غابت سينماه الخاصة عن لسنوات؟
ربما لأن السوق لا يحتمل الأسئلة، لكن المؤكد أن داود عبد السيد سيبقى فارس السينما المغامرة، الذي قدّم أفلاماً قليلة، لكنها صنعت وعياً، وتركت أثراً لا يزول.
ومن المقرر أن تُقام الجنازة في كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، في وداع أخير لمخرج عاش وفياً لفنه.. ورحل كما عاش: صادقاً.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا