عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

التقاعد المبكر.. بداية جديدة تعيد تعريف النجاح

تحقيق: سلام أبوشهاب، عبدالرحمن سعيد، محمد أبوالسمن

لم تعد الوظيفة في نظر كثير من الشباب الإماراتيين نهاية الطموح، بل باتت مجرد محطة قد يختار البعض التوقف عندها مبكراً. في السنوات الأخيرة بدأ يتشكل وعي جديد يعيد النظر في العلاقة بين العمل والحياة، حيث أضحى التقاعد المبكر خياراً قائماً على السعي للتوازن، لا على الرغبة في الانسحاب.

هذا التحوّل لا يرتبط بضعف الالتزام أو قلة الطموح، بل يعكس قناعات فردية نضجت تحت تأثير تجارب شخصية وضغوط مهنية وأولويات متغيرة، فالبعض يرى في التفرغ للأسرة أو المشاريع الخاصة باباً لعطاء مختلف، سواء بتأسيس تجارة تنمو يوماً بعد يوم لتشكل مصدر دخل رئيسياً وكبيراً، أو العودة للدراسة أو الانخراط في أعمال تطوعية أو استشارية.

«الخليج» التقت عدداً من الموظفين والمسؤولين الذين تحدثوا عن هذه القضية، وأشاروا إلى أن دوافع التقاعد المبكر تتراوح بين البحث عن جودة حياة أفضل، والسعي لتحقيق الاستقلال المالي، أو الرغبة في كسر الروتين، أما القاسم المشترك بين كل هذه التوجهات، فهو الرغبة في التغيير.

أكد عدد من المتحدثين أن التقاعد لم يعد يُنظر إليه بوصفه نهاية مسار، بل بداية جديدة تُبنى على الخبرة، وتعكس نضجاً ذاتياً يترجم إلى أدوار مختلفة في المجتمع، فيما يرى آخرون أن الظاهرة تكشف عن تحديات حقيقية في بيئات العمل، تدفع للتفكير في خيارات بديلة.

في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحاً: هل التقاعد المبكر لتخطيط واعٍ، أم استجابة لضغوط آنية؟ وبين الطموح والضغوط، تتشكل تجربة جديدة، تعيد تعريف النجاح من زاوية أكثر اتساعاً وشمولاً.

أكدت ربى يوسف الحسن، مدير عام الشؤون الاستراتيجية واستشراف المستقبل - دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، أن من الاتجاهات التي تناولها تقرير «الاتجاهات الناشئة – إدارة المواهب 2024–2040» التي أعدته الدائرة، هو اتجاه المتقاعدين الشباب الذي يُصنَّف كإشارة ضعيفة ومؤشر مبكر على تحولات مستقبلية محتملة أو تحديات لم تُرصد بعد على نطاق واسع، ويستند هذا التصنيف إلى ما ورد في أحدى المنصات، التي تسلّط الضوء على نمط ناشئ لدى بعض الشباب، يتمثل في السعي العلني للتقاعد المبكر بالتركيز على الادخار وتحقيق الاستقلال المالي مدى الحياة، بدلاً من اتباع مسار مهني تقليدي طويل الأمد.

وأضافت: «لطالما كان العمل عنصراً أساسياً في حياة الإنسان، يُنظر إليه كمصدر للدخل ووسيلة للتعبير عن الذات وتحقيق الإنجاز، غير أن أخلاقيات العمل التقليدية بدأت تشهد تحولاً ملحوظاً، مع بروز قيم ومواقف جديدة لدى فئات شابة، فعلى سبيل المثال، يسعى بعض الموظفين ورواد الأعمال ذوي الأداء العالي إلى التقاعد في الثلاثينيات أو أوائل الأربعينيات من أعمارهم، ويعتمد هؤلاء الأفراد على تبنّي نمط حياة اقتصادي صارم، يقوم على تجنّب الديون وزيادة الادخار والاستثمار، ما يحفزهم نحو حرية الوقت حتى وإن تطلّب ذلك العيش ضمن ميزانية محدودة، فهم لا يرون في العمل أو الوظيفة عنصراً جوهرياً في هويتهم، ولا يعتبرون تراكم الثروة أو تحسين مستوى المعيشة شرطاً للسعادة».

وتابعت: «رغم أنهم لا يستبعدون العمل في المستقبل، إلا أن الهدف الأساسي بالنسبة لهم هو الوصول إلى الحرية المالية التي تمكّنهم من اتخاذ قرارات حياتهم دون قيود، وقد تمكّن بعضهم من تحقيق هذا ، وشاركوا تجاربهم عبر الإنترنت، مقدمين نصائح عملية للراغبين في اتباع نفس المسار».

آثار اقتصادية

أوضحت ربى الحسن، أنه وفقاً للتقرير الاستشرافي، فإن التقاعد المبكر، رغم جاذبيته على المستوى الشخصي، قد يترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية مهمة، أبرزها تقلّص حجم القوى العاملة المتاحة، كما أن تزايد أعداد المتقاعدين في سنّ مبكرة قد يسهم في رفع نسبة الإعالة الاقتصادية».

وبيّنت، أنه إذا أصبح هذا الاتجاه سائداً على نطاق واسع، فقد يؤدي إلى انخفاض معدلات الاستهلاك نتيجة للموارد المالية المحدودة لدى المتقاعدين الشباب، مما قد يتسبب في تباطؤ في النمو الاقتصادي، لا سيما في قطاعات تعتمد على الإنفاق الاستهلاكي، ومع ذلك، قد يقود هذا النمط أيضاً إلى بعض النتائج الإيجابية، مثل تحسين جودة الحياة، وتقليل مستويات التوتر، وبالتالي تقليل الكلف الصحية على المدى البعيد، ومع توفر الوقت والمرونة، قد يُقبل هؤلاء الأفراد على تكوين أسر أو إنجاب عدد أكبر من الأطفال مقارنة بما كان ممكنًا في حال استمرارهم في العمل التقليدي.

وأكدت أنه في عام ، حدد قانون التقاعد المُعدّل في أبوظبي الحد الأدنى لسن التقاعد عند 45 عاماً مع 25 سنة خدمة، على أن يرتفع تدريجياً بمقدار ستة أشهر سنوياً ليصل إلى 55 عاماً، ورغم أن هذا السن أدنى من متوسط سن التقاعد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الذي بلغ 65.8 عام للنساء و66.3 عام للرجال عام 2022، إلا أنه من المتوقع أن يستمر بالارتفاع عالمياً.

وأوضحت أنه في حال أصبح التقاعد المبكر نمطاً شائعاً بين الشباب في الثلاثينيات أو الأربعينيات داخل دولة ، سيكون من الضروري تطوير استراتيجيات استباقية للتعامل مع هذا التحول، قد تشمل إعادة تصميم سياسات الموارد البشرية وتوفير بيئات عمل محفّزة، وتقديم فرص تعلم مستمر، وتطبيق ترتيبات عمل مرنة، وتعزيز ثقافة تشجع على تحقيق الرضا المهني واحتفاظ الموظفين لفترة أطول.

دوافع التقاعد

أكد الدكتور سعيد عبيد بالليث، مدرب خبير تنمية بشرية وإرشاد أسري، أن دوافع الشباب للتقاعد المبكر، أبرزها الرغبة في التفرغ للحياة الشخصية أو الأعمال الخاصة، حيث يفضّل البعض الاستقلال المالي والعمل الحر بدلاً من الوظيفة التقليدية، كما يُعد الضغط النفسي والاحتراق الوظيفي من الأسباب الدافعة للانسحاب المبكر، خاصة في حال العمل في بيئة مرهقة.

وأضاف أن في حالات أخرى، يحقق بعض الأفراد الاكتفاء المالي المبكر بفضل الاستثمارات، مما يمكنهم من اتخاذ قرار التقاعد بثقة، كذلك يسعى البعض إلى التفرغ لتحقيق شغف شخصي، مثل الكتابة أو الفن أو العمل التطوعي، بينما يشعر آخرون بالإحباط من بيئة العمل أو عدم وجود فرص للتطور الوظيفي، ما يدفعهم للهروب من روتين الوظيفة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص».

وقال: «يحمل التقاعد المبكر مجموعة من الإيجابيات، منها تحسين جودة الحياة وتخصيص وقت أكبر للعائلة والهوايات، بالإضافة إلى التحرر من الضغوط الوظيفية وتقليل التوتر والإجهاد، إلى جانب منح الفرصة لإطلاق مشاريع خاصة أو ممارسة نشاطات غير ربحية، في المقابل، تظهر بعض السلبيات المرتبطة مثل فقدان الدخل الثابت والمزايا الوظيفية كالتأمين الصحي والتقاعد، إلى جانب الشعور بالعزلة أو فقدان الهوية المهنية، واحتمال ضعف الادخار للمستقبل، فضلاً عن التعرض لمشكلات نفسية نتيجة الفراغ أو فقدان الهدف.

عوامل مؤثرة:

أشار سعيد بالليث، إلى أنه من بين التأثيرات التي تدفع الشباب نحو التقاعد المبكر، تبرز الثقافة المجتمعية الحديثة التي تُروّج لفكرة الحرية المالية المبكرة، إلى جانب دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لحياة مثالية خالية من العمل، كما أسهمت التحولات الاقتصادية، مثل انتشار نماذج العمل عن بعد ونمو الاقتصاد الرقمي، في فتح أبواب كسب دخل خارج الوظيفة التقليدية، يضاف إلى ذلك وجود للتقاعد والتحفيز المالي في بعض المؤسسات، إلى جانب تدهور ظروف العمل التقليدية المتمثلة في ضعف التقدير أو غياب العدالة في الترقية والتقييم».

وقال: «يؤدي التقاعد المبكر على الصعيد الاجتماعي، إلى انخفاض مساهمة الفئة الشابة في القوى العاملة، وفقدان رأس مال بشري مهم، مع صعوبة إعادة دمج المتقاعدين لاحقاً في حال رغبتهم بالعودة، أما اقتصادياً، فيتمثل أبرز التحديات في ارتفاع الضغط على صناديق التقاعد والمعاشات، وعدم كفاية الموارد المالية الشخصية لتغطية الاحتياجات طويلة الأمد، إلى جانب التأثير السلبي على معدلات الادخار والاستثمار في المجتمع».

وأضاف: «أصبح التقاعد المبكر ظاهرة لافتة في المجتمعات الحديثة، بحثاً عن الراحة النفسية أو التفرغ للحياة الشخصية أو إطلاق مشاريع خاصة، وبينما يرى البعض في هذا التوجه خطوة نحو الاستقلالية والحرية المالية، يرى آخرين أنه قد يحمل في طياته تحديات اقتصادية واجتماعية تستوجب التوقف عندها».

وأوضح: «لعل ما يستدعي التأمل هو أن بعض قرارات التقاعد المبكر لا تأتي من اكتفاء مالي، بل من ضغوط العمل، أو ضعف بيئة الدعم، أو التحديات النفسية التي تواجه بعض الموظفين، وهنا تبرز الحاجة لاستراتيجيات تمكين مهني، وبرامج توعية بالتخطيط المالي طويل الأمد، وفي ظل ما يشهده العالم من تغيرات في أنماط العمل وقيم الأجيال الجديدة، فإن تناول موضوع التقاعد المبكر لا يجب أن يكون من باب القلق فقط، بل من باب الفهم والتخطيط، لتحقيق التوازن بين طموحات الأفراد واستدامة التنمية.

التقاعد والطموح

يرى عدد من الموظفين والمتقاعدين، أن اتجاه بعض الشباب في دولة الإمارات نحو التقاعد المبكر لا يعني تخلٍّ عن الطموح، بل يعكس توجهاً فردياً نابعاً من وعي ذاتي، يعزز من جودة الحياة، ويرتكز على إعادة ترتيب الأولويات وتحقيق التوازن الشخصي والمهني».

وقال يوسف بالحمر، إن هناك من تدفعه ظروف صحية أو أسرية، وهناك من يرى في هذه المرحلة فرصة لاكتشاف ذاته من جديد، وتوسيع مداركه، وممارسة شغفه، أو حتى استكمال دراسته الأكاديمية في بيئة أكثر هدوءاً واتزاناً، والدولة اليوم تدعم كل ما يعزز جودة الحياة، وتمنح المواطنين مساحة لاختيار مسارهم بما يتماشى مع قدراتهم وتطلعاتهم».

وبيّن أن الكثير من المتقاعدين الشباب حالياً أطلقوا مشاريع ريادية، وآخرون التحقوا ببرامج دراسات عليا أو دخلوا مجالات تطوعية، أو حتى خصصوا وقتهم لتقوية أواصرهم العائلية، وتعزيز صحتهم الجسدية والنفسية، وممارسة الهوايات التي لطالما أجّلوها، هذا التوازن بين الذات والمجتمع يجعل من التقاعد المبكر خياراً واعياً وليس انسحاباً. وأكد أن التقاعد المبكر لا يعني توقف الحياة، بل بداية حياة أكثر نضجاً ومرونة، والقرار حين يكون مبنياً على تخطيط ووعي، يتحوّل من نقطة نهاية إلى منصة انطلاق جديدة، تليق بطموح المواطن الإماراتي.

العوامل المؤثرة

قال عبدالعزيز حميد السويدي:«من أبرز العوامل المؤثرة في التقاعد المبكر: تغيّر أولويات الأفراد، وتنامي الرغبة في تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، إضافةً لازدياد الوعي بإمكانية بناء مسارات مالية مرنة خارج الإطار التقليدي للوظيفة».

وأشار إلى أنه يمكن اعتبار التقاعد المبكر ناتجاً عن قناعة متى ما ارتكز على تخطيط واعٍ وتحليل واقعي للفرص المستقبلية، ويمكن أن يكون نقطة انطلاق نحو مرحلة مهنية جديدة تتسم بالمرونة والإبداع، سواء في ريادة الأعمال أو العمل الاستشاري أو المجتمعي، ويُعد ذلك خياراً مثالياً للأشخاص الذين يمتلكون توجهاً ذاتياً واضحاً، أما في حال اتُخذ القرار دون وضوح رؤية أو بدائل مستدامة، فقد يشير إلى حاجة لإعادة التوجيه.

وقال إن المؤسسات التي تتبنّى المرونة والتطوير المستمر تُعد أكثر جذباً للكفاءات على المدى الطويل، كما أن توفير مسارات مهنية متنوعة تسهم في تعزيز الاستقرار المهني ويُقلل من التوجه نحو التقاعد المبكر لدى بعض الفئات، ولفت إلى أن الجيل الحالي يميل إلى اعتبار الوظيفة وسيلة لتحقيق النمو الشخصي وتطوير المهارات، فيما كانت الأجيال السابقة تربط بين الاستقرار الوظيفي والالتزام طويل الأمد.

وأوضح السويدي، أن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت في إبراز تجارب عمل جديدة ونماذج متنوعة للنجاح، ما ساعد على إعادة تشكيل المفاهيم المهنية لدى فئة من الشباب، ونتج عن ذلك انفتاح أكبر على خيارات العمل المستقل، حيث يُنظر إلى التقاعد المبكر حاليا على أنه امتداد لفكر اقتصادي واجتماعي جديد يركّز على الاستقلال المالي.

وأكد أنه يمكن للشباب المتقاعدين أن يثبتوا أنفسهم كأشخاص منتجين ومؤثرين في المجتمع بالمشاركة في المشاريع المجتمعية، أو تأسيس أعمال خاصة، أو تقديم الخبرات في مجالات التدريب والتوجيه.

اتجاه متزايد

قال الدكتور عبدالله علي سعيد الكتبي:«لم أفكر في التقاعد المبكر اطلاقاً، لأن العمل أساسي في حياة كل إنسان، وعليه أن يضع بصمة في عمله والمساهمة في المجتمع، وأن السنوات الأخيرة تشهد اتجاهاً متزايداً لدى بعض فئات الشباب نحو التفكير في التقاعد المبكر، مدفوعين بجملة من الأسباب المتباينة، أبرزها نجاح مشاريعهم الخاصة، أو عدم الارتياح من بيئة العمل وضغوطاتها».

واعتبر أن التقاعد المبكر نابع من طموح شخصي يسعى لتحقيق الاستقلال المالي، ومن الممكن أن يكون نتيجة ضغوط نفسية ومهنية متراكمة، وأكد أن نمط الحياة الحديث، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، كان له أثر كبير في انتشار الفكرة، نظراً لما توفره من فرص لتحقيق مردود مادي كبير بعيداً عن الوظيفة التقليدية، كما أن تقلّب الفرص وغياب الأمان الوظيفي يشكلان حافزاً للبعض للخروج من هذا الإطار ويختلف الجيل الحالي في نظرته لمفهوم الوظيفة مقارنة بالأجيال السابقة».

راحة نفسية

قالت شما عبدالقادر محمد، إن من إيجابيات التقاعد المبكر أنه يمنح الشخص فرصة للراحة النفسية، خاصة بعد سنوات من العمل المكثف، حيث يمكن للفرد أن يأخذ وقتاً لنفسه ويستمتع بالحياة، وأن بعض الشباب يلجأون للتقاعد المبكر لاستكشاف فرص جديدة، مثل البدء بمشروع خاص يمثل لهم شغفاً شخصياً أو طموحاً مهنياً مختلفاً عن الوظيفة التقليدية.

وأشارت إلى أن من سلبيات التقاعد المبكر خسارة الدخل الثابت، ما قد يؤدي إلى صعوبات مالية مستقبلية، خاصة في حال غياب خطة مالية واضحة ومستقرة، والتقاعد في سن مبكرة قد يؤدي أيضاً إلى شعور بالملل أو فقدان الإحساس بالإنجاز، وأنصح الشباب بعدم التفكير في التقاعد المبكر إلا في حالات خاصة.

وأوضحت أن الجهات حالياً أكثر تساهلاً ومن الممكن أن يواصل الشخص دراسته الأكاديمية من خلال راتبه دون الحاجة لترك الوظيفة، إلا في حال كانت الدراسة طويلة وتتطلب تفرغاً كاملاً. وأكدت أنها في عمر الثلاثين وتستطيع حالياً بذل جهد في المجال الذي تعمل فيه ولا تفكر في التقاعد، لأنها ما تزال في مرحلة العطاء، قائلة إن التقاعد قد يكون خياراً مطروحاً في المستقبل فقط.

أسباب ضاغطة

قال فهد عبدالعزيز المعمري، إن توجّه الشباب نحو التقاعد المبكر له الكثير من الأسباب، وأبرزها الضغوط والتوجيه الخاطئ من جهة العمل، إضافة إلى غياب الراحة في بيئة العمل، وتطور الأنظمة، والموظف يجب ألا يُقاس عمله بعدد ساعات الدوام، بل بمدى إنجازه للمهام الموكلة إليه، هذا ما يجعله يشعر بأنه صاحب مسؤولية أكبر».

وأضاف:«رغم معارضتي العامة للفكرة، لكن هناك حالات تستدعي مرونة في هذا الخيار، فكثير من الأشخاص مرضى أو من لديهم ظروف صحية أو اجتماعية خاصة».

وأشار إلى أن من الأسباب التي تمنع البعض من التقاعد المبكر الجانب المالي، إذ لا يحصل الموظف على 100% من الراتب التقاعدي إلا بعد إكمال 30 أو 35 سنة من الخدمة، هذا الأمر يشكّل عائقاً نفسياً، ويدفع الكثيرين للاستمرار في العمل رغم التحديات.

وأوضح:«أنا أرى أن 25 سنة من الخدمة كافية للحصول على نسبة عادلة من الراتب التقاعدي، وأن عمر الخمسين هو سن مناسبة للتقاعد، وأن إنتاجية الفرد تتغير بطبيعة الحال مع التقدم في العمر. فالتقاعد لا يعني نهاية العطاء، بل قد يكون بوابة لمرحلة جديدة من الاستقلال والابتكار، وأن هذا الخيار يخلق نوعاً من التجدد الشخصي ويفسح المجال أمام الشباب لدخول سوق العمل».

الحياة الأسرية

قال طه عبدالله السقاف (38 عاماً):«أنا أؤيد التقاعد المبكر، خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي وساعات العمل الطويلة التي لا تترك وقتاً كافياً للأسرة، الدوام حالياً يبدأ من الثامنة صباحاً حتى الرابعة، وهذا يستهلك معظم اليوم، بينما في السابق كانت الدوامات أقصر، وكان لدى الآباء وقت أكبر لقضائه مع أبنائهم، لتعليمهم القيم والأخلاق ومشاركتهم الحياة اليومية».

وأضاف:«عندما يعود الأب إلى المنزل، بالكاد يرى أبناءه ساعة أو ساعتين، وهو مرهق جسديًا وذهنيًا، ولا يستطيع منحهم الوقت الكافي، أتذكر كيف كان والدي يزورنا ونجلس جميعًا على سفرة واحدة، يتحدث معنا ويعلمنا، وكانت تلك اللحظات حافلة بالنصائح والخبرة، والآن، الزوج والزوجة يعملان، والأطفال يعودون من المدرسة في وقت متأخر، ولم يعد هناك وقت كافٍ يجمع الأسرة».

وأكد السقاف، أن بعض الموظفين لديهم مشاريع خاصة قد تتعارض مع دوامهم الرسمي، وأنا أؤيد التقاعد المبكر في بعض الحالات هي:«إذا كنت تمتلك مشروعاً حراً وتؤمن بأنه سيحقق لك دخلًا مستقرًا ويفتح لك ولأسرتك مستقبلًا أفضل، فالتقاعد المبكر خيار منطقي، بشرط أن تكون مستعدًا له ماليًا وإداريًا، ومن الإيجابيات المهمة للتقاعد أنه يفتح المجال أمام الحصول على فرص وظيفية».

ولفت إلى أنه عندما يتقاعد من يمتلكون خبرات طويلة في العمل، نفقد عنصرًا مهمًا في بيئة العمل، وخروجهم المفاجئ يترك فراغًا في الخبرة والمعرفة، ويُضعف عملية نقل المهارات إلى الجيل الجديد.

 

شيماء الجابري: التقاعد منحني مساحة للتنفس والإبداع

ترى شيماء سالم الجابري، مدربه في القيادة التنفيذية والعلاقات، أن الأسباب التي تدفع الشباب للتقاعد المبكر متعددة، أبرزها غياب الرضا الوظيفي، والإحساس بأن الحياة تمضي دون أن تُعاش فعليًا، وأن كثيرًا من الشباب اليوم يمتلكون وعيًا عاليًا، ولا يرغبون في قضاء سنواتهم في بيئة تستنزفهم جسديًا أو نفسيًا، موضحة أن الضغط المتواصل، والروتين اليومي، وغياب التقدير، ومحدودية فرص التطور، هي أبرز العوامل التي تدفعهم لإعادة النظر في المستقبل المهني. 

وتحدثت عن تجربتها قائلة:«قراري بالتقاعد المبكر بعد 20 عاماً من العمل، جاء لسببين أساسيين، الأول التفرغ للأهل نتيجة الظروف الصحية لوالدي، والثاني شعوري بتقديم أعلى من طاقتي دون تقدير مناسب».وأشارت إلى أنها لا تندم إطلاقًا على اتخاذ هذا القرار، بل تعتبره نقطة تحوّل مهمة في حياتها، قائلة:«التقاعد المبكر منحني مساحة للتنفس والإبداع، ومكّنني من بناء حياة تشبهني وتتناسب مع تطلعاتي، وذلك كونه لا يأتي بدافع واحد فقط، بل هو مزيج من الطموح والضغوط، كما أن بعض القرارات الكبيرة تحتاج إلى ضغط يدفع الإنسان لاتخاذ خطوة شجاعة». 

وقالت إن مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بشكل مباشر في طريقة تفكير الشباب في حياتهم المهنية، فكثيرون منهم يشاهدون نماذج من الأفراد يعيشون حرية العمل المرن والسفر والتحكم بالوقت، ويقارنونها بحياتهم ذات النمط الرتيب، معتبرة أن هذه المقارنات رغم مثاليتها أحيانًا، إلا أنها ساعدت في توسيع وعي الشباب بأن الحياة لا يجب أن تُختصر في مكتب ووظيفة روتينية. وأصبح التقاعد المبكر مرتبطًا بثقافة جديدة تؤمن بأن العمل وسيلة لا غاية، وأن الجيل الجديد أصبح يعمل ليعيش، لا يعيش ليعمل، لذا توضح شيماء الجابري، إلى أن سوق العمل الحالي لم يعد جذابًا كما كان في السابق وأن الترقيات بطيئة، والضغوط مرتفعة والثقة محدودة، ما يجعل الموظف يشعر بأنه يعطي دون أن يحصل على مقابل حقيقي.

وقالت:«هناك اختلاف واضح في نظرة الأجيال المتعاقبة لمفهوم الوظيفة، فالأجيال السابقة كانت تراها مصدرًا للاستقرار والضمان، بينما يراها الجيل الحالي قد تتحول إلى قيد إن لم تضف للإنسان معنى أو تمنحه حرية. 

من هنا يتأكد أن التقاعد المبكر يحمل في طياته جوانب إيجابية وأخرى سلبية، ومن أبرز إيجابياته امتلاك حرية في إدارة الوقت، وفرصة للنمو الحقيقي، وبناء مشاريع شخصية تمنح الحياة معنى أعمق، في المقابل، قد يواجه المتقاعد مبكرًا ضغطًا ماليًا إذا لم تكن لديه خطة واضحة، كما قد يشعر مؤقتًا بالضياع أو بفقدان الانتماء، إلى جانب مواجهة أحكام المجتمع أو نظرة الناس.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا