• افتتاحية صحيفة «واشنطن إكزامنر»
تحب واشنطن الحلول السريعة، فعندما يشكو الناخبون من ارتفاع كلفة السكن، والرعاية الصحية، والطاقة، والتعليم، يلجأ السياسيون إلى الأداة ذاتها مراراً وهي «الدعم الحكومي» الذي يتجلى في المزيد من الإعفاءات الضريبية، والمزيد من الشيكات، وتوسيع نطاق الاستحقاق.
لكن الواقع بسيط بالقدر نفسه، وإن كان أقل راحة لأن زيادة الطلب من دون توسيع العرض تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لا إلى خفضها. قد يبدو ذلك كإغاثة مؤقتة، لكنه لا يحل المشكلة، وغالبا ما يزيدها سوءاً.
هذه ليست حجة حزبية ولا نظرية متطرفة، بل من أبجديات علم الاقتصاد. عندما يزداد عدد المشترين الذين يتنافسون على كمية محدودة من السلع والخدمات، يرفع البائعون الأسعار.
وإذا لم يتمكن العرض من الاستجابة، تتدهور القدرة على تحمّل التكاليف. ولا يمكن لأي خطاب سياسي أن يلغي هذه القاعدة.
تهيمن سياسات دعم الطلب على أجندة «القدرة على تحمّل التكاليف» اليوم حيث تبنّت الحكومة الفيدرالية فكرة أن المشكلة في جوهرها مشكلة دخل، وهنا يتم دعم المشترين بطرق عديدة بدءاً من منح الإسكان ودعم الرهون العقارية إلى إعانات التأمين الصحي ودعم الطاقة.
لكن القدرة على تحمّل التكاليف ليست مسألة دخل فحسب، بل هي مسألة كمية المعروض.
في القطاعات التي يتمتع فيها العرض بالمرونة والمنافسة، قد تؤدي زيادة الطلب إلى زيادة الإنتاج. لكن في القطاعات التي تثير أكبر قدر من التذمر الشعبي — كالإسكان والرعاية الصحية والتعليم والطاقة — فإن العرض مقيّد بشدة بسبب القوانين التنظيمية، وأنظمة الترخيص، وقوانين تقسيم الأراضي، وطول دورات الاستثمار. وعندما تضخ واشنطن قوة شرائية إضافية في هذه الأسواق من دون معالجة هذه القيود، ترتفع الأسعار لامتصاص الدعم.
تُعد سياسة الإسكان المثال الأوضح على هذا الإخفاق. فالحكومات غالباً ما تستجيب لارتفاع أسعار المنازل عبر تقديم مساعدات للدفعة الأولى، أو إعفاءات للمشترين لأول مرة، أو قروض مدعومة.
هذه السياسات توسّع قاعدة المشترين، لكنها لا تزيد عدد المنازل. والنتيجة؟ يرفع البائعون الأسعار.
أظهرت دراسات عديدة أن إعانات الإسكان غالباً ما تنعكس مباشرة في ارتفاع قيم المنازل والإيجارات. فالمستفيد الحقيقي ليس المشتري الذي يكافح لدخول السوق، بل مالك العقار القائم الذي يبيع بسعر أعلى. ويبقى النقص على حاله، وتتعمق أزمة القدرة على تحمّل التكاليف.
ما يرفض صانعو السياسات مواجهته هو أن الإسكان مكلف لأن بناءه مقيّد. فالقوانين الصارمة التي تحكم خطط تقسيم المناطق، وإجراءات الترخيص الطويلة، وقدرة المجتمعات المحلية على تعطيل المشاريع، والتكاليف التنظيمية، كلها تخنق العرض في المناطق ذات الطلب المرتفع. وطالما لم تُرفع هذه القيود، فإن دعم المشترين ليس سوى صبّ الوقود على النار.
ينطبق المنطق ذاته على الرعاية الصحية والتعليم العالي. فدعم أقساط التأمين أو الرسوم الدراسية يقلل حساسية المستهلك للأسعار، ويعزل مقدمي الخدمات عن ضغوط المنافسة. وعندما يُحمى المرضى والطلاب من الكلفة الحقيقية، تتراجع حوافز ضبط الإنفاق.
ويساعد هذا في تفسير سبب تجاوز تكاليف الرعاية الصحية والتعليم الجامعي معدلات التضخم لعقود، رغم توسع الدعم الحكومي. فقد دخل المزيد من المال العام إلى النظام، بينما ظل العرض مقيّداً بقواعد الترخيص والاعتماد والمنافسة المحدودة.
والنتيجة لم تكن قدرة أفضل على تحمّل التكاليف، بل إنفاق أعلى، وبيروقراطية أكبر، وتحسن محدود في النتائج قياساً إلى الكلفة.
تتكرر القصة نفسها في ملف الطاقة. فدعم الاستهلاك أو فرض سقوف سعرية قد يخفف الصدمات مؤقتاً، لكنه يثبط الاستثمار ويشوّه إشارات العرض. وعندما يكون الإنتاج مقيداً — بفعل التنظيم أو نقص الاستثمار أو الاضطرابات الجيوسياسية — فإن دعم الطلب لا يزيد الإنتاج.
وعلى المدى الطويل، تؤدي هذه السياسات إلى نقص في الإمدادات، أو ضغوط مالية على الموازنات العامة، أو تراجعات مفاجئة عندما تعجز الحكومات عن مواصلة الدعم. وفي النهاية، يجد المستهلك نفسه في وضع أسوأ.
لكن إذا كان دعم الطلب يفشل بهذا الشكل المتكرر، فلماذا يستمر السياسيون في تبنّيه؟
لأنه سريع ومرئي ومريح سياسياً. فإصدار شيكات أسهل من إصلاح قوانين تقسيم الأراضي. وتوسيع الإعفاءات الضريبية أقل كلفة سياسية من مواجهة المصالح المحلية أو النقابات أو الهيئات المهنية المستفيدة من قيود العرض. أما الإصلاحات القائمة على زيادة العرض فتتطلب وقتاً وشجاعة واستعداداً لإغضاب جماعات ضغط نافذة.
كما أن دعم الطلب يسمح للسياسيين بالادعاء بأنهم تحركوا، من دون معالجة الأسباب الهيكلية لارتفاع الأسعار — وهي أسباب تنبع في كثير من الأحيان من السياسات الحكومية نفسها.
إذا كان صانعو السياسات جادين بشأن القدرة على تحمّل التكاليف، فعليهم التركيز على توسيع العرض.
وهذا يعني السماح ببناء المزيد من المساكن، خصوصاً في المدن ذات الطلب المرتفع. ويعني إصلاح أنظمة الترخيص لزيادة أعداد العاملين في القطاع الصحي. ويعني تعزيز المنافسة في التعليم والاستثمار في إنتاج الطاقة بدل تقييده. كما يعني الاعتراف بأن التنظيم، مهما كانت نواياه حسنة، يفرض تكاليف يدفعها المستهلك في النهاية.
ولا يعني ذلك التخلي عن الدعم الموجّه للفئات الأكثر احتياجاً. لكن ينبغي أن يكون الدعم محدوداً ومؤقتاً ومكمّلاً لسياسات زيادة الإنتاج والمنافسة، لا بديلاً عنها. فعندما يصبح الدعم هو الاستراتيجية الأساسية، يتحول من إغاثة إلى تشويه.
لا يمكن الخروج من الندرة عبر الدعم. فعندما تزيد واشنطن الطلب من دون توسيع العرض، ترتفع الأسعار، ويتحمل دافعو الضرائب العبء، وتبقى الأسر تحت الضغط. ويتبدد وهم القدرة على تحمّل التكاليف، ليحل محله واقع من التكاليف الأعلى والإحباط الأعمق.
وإلى أن يواجه صانعو السياسات هذه الحقيقة، سيواصل الأمريكيون الدفع أكثر، مهما كثرت الوعود في موسم الانتخابات.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
