جاءت مجموعة فيكتوريا بيكهام Victoria Beckham لربيع وصيف 2026 لتأخذنا في رحلةٍ تتأرجح بين الحنين إلى البدايات والاطمئنان إلى النضج. فهي ليست مجرد مجموعة أزياء، بل تأمل بصري في تطور الهوية، وانعكاس لمصممة بلغت مرحلة من الاتزان بين الماضي والمستقبل.
عُرضت المجموعة في باريس لموسمها السابع، في لحظة رمزية متزامنة مع اقتراب إطلاق فيلمها الوثائقي على نتفليكس، وكأن بيكهام اختارت أن تُعيد النظر إلى رحلتها الفنية من منظورٍ ناضج، يوازن بين ما كانت عليه كرمز بوب عالمي، وما أصبحت عليه كواحدة من أبرز المصممات البريطانيات في المشهد العالمي.

بين الذاكرة والإبداع: الحنين كأداة تصميم

• انطلقت المجموعة من فكرةٍ عميقة: استعادة شعور المراهقة، لا من باب النوستالجيا، بل من باب التحرر الفني.
• تحدثت بيكهام عن تلك المرحلة التي كانت فيها تقطع قمصانها القديمة وتُعيد تشكيلها، عن متعة التجربة غير المقننة، وعن الاكتشاف العفوي للهوية عبر الملابس.
• هذا الشعور الخام انعكس بوضوح في المجموعة التي بدت كأنها حوار بين الدقة البريطانية والعبث الأنثوي.

الخياطة الحديثة تلتقي بالحرية الأنثوية

• تُعرف فيكتوريا بيكهام بدقتها في القصّات، وهذه المجموعة لم تشذ عن القاعدة، لكنها أضافت إليها لمسة من النعومة المتحررة.
• ظهرت السترات بخطوطٍ مرنة، بكتفٍ منخفض ولمسةٍ شبه منزلقة، تمنح الإطلالة طابعًا غير متكلّف.
• أما السراويل فجاءت بطيات مكوية حادة، تحمل توقيعها الكلاسيكي ولكن بروح أكثر استرخاءً.
• توازنت الفساتين بين الانسيابية الدقيقة والملمس الخفيف، فبدت وكأنها تتحرك بتناغم مع الجسد لا عليه.

إنها أزياء تُصمَّم لتُرتدى لا لتُعرض فقط، وهذا تحديدًا ما يجعل علامة بيكهام محبوبة بين النساء العاملات اللواتي يبحثن عن التوازن بين العملية والأنوثة.

أنوثة متحررة دون اصطناع

1. المجموعة تعكس مفهومًا جديدًا للأنوثة، أنوثة هادئة، واثقة، ومتصالحة مع ذاتها، بين الأقمشة الشفافة والقصّات غير المتماثلة، بدت المرأة التي تقدمها فيكتوريا بيكهام امرأة تعرف قوتها، لكنها لا تشعر بالحاجة إلى إثباتها.
2. فبدل المبالغة في الإغراء، نجد لمسة من الحميمية الصامتة، ملابس تحتفي بالجسد بطريقة طبيعية ومتزنة، حتى التفاصيل الصغيرة، مثل الطبقات الدقيقة من التول أو حواف الدانتيل الخفيفة، جاءت كتلميحات لا كتصريحات، لتخلق لغة بصرية توازن بين الرقة والوعي الذاتي.

لوحة ألوان تتحدث بلطف

اختارت بيكهام لوحة ألوان هادئة تشبه الذاكرة حين تُروى بعد سنوات طويلة:

• هي ألوان الخُوخ الفاتح، الأبيض الكريمي، الرملي، والعاجي، تدرجات تنبض بدفء الصيف دون أن تصرخ.
• كما أضافت بعض الظلال الرمادية الباردة لتكسر الرتابة، فخلقت بذلك توازنًا بصريًا يُذكّر بالتصوير الفوتوغرافي القديم.
• في بعض القطع، أُضيفت لمسات من الأسود والأزرق الليلي كأنها علامات فاصلة بين الماضي والحاضر.
• أما الأقمشة، فقد تراوحت بين الحرير المنسدل، الكريب، الموسلين، والتول الناعم، مما أضفى خفة تشبه الهمس.

أشكال الكرينولين ولمسات الطفولة

• من أبرز عناصر المجموعة كان ظهور أشكال الكرينولين، الهياكل المستديرة التي كانت تُستخدم في فساتين القرن التاسع عشر.
• لكن بيكهام لم تستخدمها بوصفها استرجاعًا للتاريخ، بل كرمزٍ لخيالات الطفولة ولعب الفتيات بالأزياء.
• تم تخفيف صرامة هذه الهياكل بفضل الشفافية والنعومة، لتتحول إلى لمسة شاعرية تذكّر بالبراءة دون أن تسقط في الرومانسية الزائدة.
• بهذه الطريقة، تخلّت بيكهام عن التزيين التقليدي لصالح الحنين المنضبط، لتصنع توازناً نادراً بين الماضي والحداثة.

الحرفية والدقة: التميز الهادئ

من يتتبع أعمال فيكتوريا بيكهام يعرف أن الحرفية الدقيقة هي قلب مشروعها التصميمي:

• في هذه المجموعة، بدت كل قطعة وكأنها تمر بمرحلة تأمل قبل أن تُخاط.
• لا شيء مبالغ فيه، لا زخرفة مفرطة، بل هندسة أنيقة تعتمد على القصّة والخطوط كوسيلة للتعبير.
• حتى عندما استخدمت الأقمشة اللامعة، مثل الساتان أو الأورجانزا، جاء بريقها خافتًا، كضوءٍ متسلل من ذاكرة بعيدة.

بين الطموح وسهولة الارتداء

• تميزت المجموعة بمزج نادر بين الترف الهادئ والعملية اليومية.
• فهي أزياء يمكن أن تراها في عرضٍ راقٍ أو في خزانة امرأة أنيقة في يوم عمل عادي.
• وهذا هو سر نجاح بيكهام في قدرتها على ترجمة الحس الفاخر إلى ما يمكن ارتداؤه فعلاً.

إنها لا تصمم للخيال فقط، بل للواقع الأنيق، ولذلك نرى مجموعاتها تُباع بسرعة، لأن كل قطعة فيها تُخاطب احتياجًا حقيقيًا لدى النساء، الراحة في إطار الجمال.

تزامن العرض مع الوثائقي: رسالة شخصية

• يبدو أن توقيت العرض لم يكن صدفة، فهو جاء قبيل إطلاق الوثائقي المنتظر على نتفليكس الذي يتناول حياة فيكتوريا بيكهام وزوجها ديفيد.
• وبينما يركّز الفيلم على حياتها العامة، جاء العرض ليكشف عن صوتها الإبداعي الداخلي.
• كأنها تقول للعالم: "أنا لست فقط رمز بوب سابق أو زوجة نجم كرة قدم، بل مصممة لها رؤية مستقلة تتحدث من خلال القماش والخياطة."
• وبالفعل، استطاعت من خلال هذه المجموعة أن توحّد سرديتها الشخصية والفنية في لحظة نادرة من الصدق الإبداعي.

امرأة متصالحة مع ذاتها

• في نهاية العرض، شعرت وكأن بيكهام وصلت إلى نقطة التوازن التي كانت تبحث عنها منذ سنوات.
• فروحها الشابة المرحة التي كانت مكبوتة في بداياتها عادت لتتجلى، لكن بوعيٍ ناضج وثقة هادئة.
• ربما لم تغيّر هذه المجموعة قواعد اللعبة في الموضة، لكنها أكدت شيئًا أهم:
• أن القوة الحقيقية تكمن في الهدوء، في التصميم الذي لا يصرخ بل يهمس بثقة.

بين الخياطة الدقيقة والعاطفة، بين الذاكرة والحداثة، كتبت فيكتوريا بيكهام فصلاً جديدًا في مسيرتها، فصلاً يُعبّر عنها كفنانة، وكامرأة تعرف تمامًا من تكون.