أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول ريادة الأعمال استعرض خلاله نتائج مؤشر ريادة الأعمال العالمي لعام 2024/ 2025، بالإضافة لواقع ريادة الأعمال بوصفها أداة فعّالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع التركيز على السياق المصري، كما سلط الضوء على تأثير الأزمات الاقتصادية لما بعد جائحة كوفيد-19 على رواد الأعمال، خاصة في ظل التحولات الرقمية، وأوضح التحديات والفرص المرتبطة بالتحول الرقمي للمشروعات الصغيرة، وتفاوت مستويات جاهزية البنية التكنولوجية بين الدول، مع التركيز على الفئات المهمشة، مثل النساء والشباب والعاملين في القطاع غير الرسمي، وأهمية دمجهم في بيئة ريادية عادلة وشاملة، بالإضافة لتناول المركز للتجربة المصرية وجهود الدولة في دعم رواد الأعمال عبر مبادرات وطنية، ومشروعات تعليمية وتدريبية، وأطر تنظيمية، تسعى لخلق بيئة محفزة لريادة الأعمال كرافعة للتنمية المُستدامة.
أوضح التحليل أن مؤشر ريادة الأعمال العالمي يعتمد على دراسة بحثية طويلة الأمد، تُجرى سنويًّا في عدد من الدول، وتركّز على قياس ريادة الأعمال من خلال بيانات سكانية، كما تُعرِّف المنهجية ريادة الأعمال بأنها القيام فعليًّا ببدء أو إدارة مشروع جديد، ولا تشمل مجرد التفكير أو التخطيط لإنشاء مشروع.
وفي ضوء نتائج مؤشر ريادة الأعمال العالمي لعام 2024، تصدّرت الإمارات العربية المتحدة الترتيب العالمي، محققة درجة 7.1 من 10، تلتها ليتوانيا في المركز الثاني بدرجة 6.4، ثم تايوان والسعودية في المركز الثالث بدرجة 6.3، وجاءت الهند في المركز الرابع بدرجة 6.1، بينما حلّت كوريا الجنوبية خامسًا بدرجة 6، وتعكس هذه النتائج وجود بيئات داعمة لريادة الأعمال، تتسم بتوافر البنية التحتية المناسبة، والتمويل، والسياسات المحفزة.
وأشار التحليل إلى أن ريادة الأعمال تُعد محركًا أساسيًّا للنمو الاقتصادي والاجتماعي، إذ تُسهم في تعزيز التنافسية، وتحفيز الابتكار، وتوليد فرص عمل جديدة، خصوصًا في القطاعات غير التقليدية. ويُشير البنك الدولي (2019) إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تلعب دورًا محوريًّا في دعم الاقتصادات، لا سيما في البلدان النامية، حيث تمثّل نحو 90٪ من إجمالي الشركات، وتوفر أكثر من 50٪ من فرص العمل على مستوى العالم. كما تسهم بما يصل إلى 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الناشئة، وتشكل مصدرًا رئيسًا لخلق الوظائف، إذ تولّد 7 من كل 10 وظائف رسمية.
وبين عامي 2020 و2022، شهد النشاط الريادي تفاوتات واضحة بين فئات الدخل المختلفة. ففي عام 2020، تسبب كوفيد-19 في إبطاء وتيرة ريادة الأعمال بشكل كبير، مما أدى إلى تسجيل ثاني أدنى مستوى لتأسيس الشركات الجديدة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2009، حيث لم تشهد سوى 40% من الاقتصادات زيادة في تسجيل الشركات. لكن عام 2021 شهد تعافيًا ملحوظًا، إذ سجلت 92% من الاقتصادات ارتفاعًا في عدد تسجيلات الأعمال الجديدة، وهو ما يعكس طفرة عالمية في تأسيس الشركات.
وبيّن التحليل أنه في عام 2022، واصلت الاقتصادات ذات الدخل المرتفع تصدر النشاط الريادي، حيث بلغ معدل تسجيل الشركات الجديدة نحو 7.3 شركة لكل 1000 بالغ، في حين ظلت الاقتصادات ذات الدخل المنخفض تسجل معدلات منخفضة بشكل لافت، لم تتجاوز 0.4 شركة لكل 1000 بالغ، مما يشير إلى اتساع الفجوة في كثافة الأعمال الجديدة.
وفي السياق ذاته، واصل العالم تعافيه من آثار الجائحة، في ظل أزمات متلاحقة أثّرت بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، لا سيما على رواد الأعمال والمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إذ يواجه هؤلاء تحديات متزايدة نتيجة ارتفاع التكاليف وتراجع الهوامش الربحية.
ورغم هذه التحديات، برزت فرص جديدة بفعل التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحاجة الملحّة إلى التحول في مجالي الطاقة والبيئة، مما أتاح المجال أمام نماذج أعمال مبتكرة. وفي هذا السياق، أصبحت المرونة وسرعة التكيف من السمات الحاسمة لاستمرار ونمو المشروعات، خاصة مع تغيّر أنماط الاستهلاك نحو التجارة الرقمية والاستدامة.
وبرزت أهمية التحول الرقمي في دعم قدرة الشركات على الصمود، إذ ساعدت الأدوات الرقمية على تحسين الكفاءة، وتوسيع الوصول إلى الأسواق، وزيادة فرص الابتكار. غير أن عدم المساواة في الجاهزية الرقمية يعمّق الفجوة بين الشركات، ويُضعف قدرة بعض رواد الأعمال على المنافسة.
وفي هذا السياق؛ أسهمت الجائحة في تسريع التحول الرقمي، ما أدى إلى تغيّرات في سلوك الأفراد وزيادة الاعتماد على التطبيقات الرقمية. وقد أظهرت الجاهزية الرقمية قبل الجائحة أهميتها في تعزيز قدرة الشركات على التكيف والابتكار، مما انعكس إيجابًا على رواد الأعمال الذين تبنّوا التكنولوجيا مبكرًا.
ومن ناحية أخرى، تُعدّ صعوبة الحصول على التمويل من أبرز العقبات التي تواجه رواد الأعمال، لا سيما في المراحل المبكرة. وفي ظل تصنيف الشركات الناشئة ضمن الفئات عالية المخاطر، فهي بحاجة إلى حلول تمويل بديلة، مثل؛ البنوك الرقمية ومنصات التمويل الإلكتروني، فضلًا عن أطر دعم متكاملة تُمكّنها من النمو والمساهمة في الابتكار الاقتصادي.
أشار التحليل إلى اتساع الفجوات بين الدول من حيث البنية التكنولوجية ودعم الابتكار، حيث لا يزال العديد من الدول النامية تؤدي دورًا محدودًا في الاقتصاد الرقمي العالمي، مقتصرة غالبًا على كونها مورّدًا للبيانات دون امتلاك أدوات المعالجة أو القدرة على إنتاج المعرفة. ويُعزى ذلك إلى ضعف الاستثمارات في التكنولوجيا، وغياب المهارات الرقمية، وتراجع البنية التحتية، مما يقيّد قدرة رواد الأعمال في هذه البلدان على الابتكار والنمو.
في المقابل، بدأ العديد من الدول المتقدمة في تنفيذ استراتيجيات وطنية لتعزيز ريادة الأعمال الرقمية، عبر برامج تدريبية وبناء نظم بيئية متكاملة تُسهّل الوصول إلى التكنولوجيا والتمويل والدعم المؤسسي.
شدد التحليل على أن هذا التحوّل يواكب تصاعد الاهتمام العالمي بمفاهيم الاستدامة، حيث تشير التقديرات إلى أن أربعة من كل خمسة رواد أعمال عالميين يأخذون في الاعتبار الجوانب البيئية والاجتماعية في قراراتها التشغيلية. كما اتجهت الحكومات نحو إلزامية الإفصاح عن ممارسات الاستدامة، بعدما كان طوعيًا، ما يؤثر في بيئة عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة، رغم أن معظم التركيز لا يزال موجّهًا نحو الشركات الكبرى.
أشار التحليل إلى أن القطاع غير الرسمي يضم نحو ملياري شخص، وقد ارتفعت نسبة العاملين فيه من 47% عام 2021 إلى 58% عام 2023. وقد تضرر رواد الأعمال في هذا القطاع بشدة بسبب الجائحة، خاصة في الدول النامية، حيث يعانون من ضعف الادخار، وضعف مستويات الحماية الاجتماعية، وضعف في الاطلاع على المعلومات المتعلقة بحزم الدعم الحكومية المخصصة للأعمال. ويتطلب دعم هذا القطاع تدخلات حكومية تشمل حوافز للدمج الرسمي، وتدريبًا على ريادة الأعمال والمهارات الرقمية، وتيسير الوصول إلى المعلومات، والتنظيمات، والشبكات التجارية.
وعلى صعيد متصل؛ يُعد تقليص الفجوة بين الجنسين في ريادة الأعمال ضروريًّا، إذ قد يؤدي استبعاد النساء من سوق العمل إلى خسارة تصل إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم مساهمة رائدات الأعمال في دعم الاقتصاد ودخل الأسر، فإنهن يواجهن تحديات مثل القيود الاجتماعية، وعدم توازن الأدوار المنزلية، وصعوبة الوصول إلى التمويل وبناء المهارات.
كما تواجه النساء تحديات متعددة تتمثل في القوانين المقيدة، والتحامل الثقافي، وضعف فرص الوصول إلى شبكات الدعم. ويمكن للحكومات دعمهن من خلال برامج تدريب وإرشاد، والاستثمار في اقتصاد الرعاية، والتوعية بالفرص، ومواجهة التحيزات عبر إبراز النماذج الناجحة.
وتسهم الرقمنة والتمويل غير التقليدي، مثل؛ التكنولوجيا المالية والتمويل الجماعي، في تقليص هذه الفجوة.
وفيما يخص الشباب، كشف التحليل أن متوسط بطالة الشباب عالميًّا بلغ 13% في عام 2023، مقابل 4% بين البالغين، مع تأثر إفريقيا وآسيا بشكل خاص. ويواجه رواد الأعمال الشباب صعوبات في التمويل والوصول إلى الأسواق؛ بسبب نقص الخبرة والسجل الائتماني. ويمكن أن يسهم وجود بيئة تنظيمية داعمة، وبرامج تمويل وتعليم، إلى جانب دعم الابتكار، ومؤسسات البحث، وحاضنات الأعمال، في تمكين الشباب من إطلاق مشاريع مُستدامة.
وأوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أنه في ضوء ما تشهده الساحة العالمية من تحديات وفرص، تبرز التجربة المصرية بوصفها نموذجًا لجهود وطنية تسعى إلى تحويل ريادة الأعمال إلى مسار للتنمية الشاملة، حيث أولت الدولة المصرية اهتمامًا متزايدًا بريادة الأعمال باعتبارها أحد المحركات الرئيسة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية على أن ريادة الأعمال تُسهم في تحفيز الاقتصاد، وخفض البطالة، وابتكار حلول للمشكلات الاقتصادية، كما تُعد جزءًا من الخطط الاستراتيجية للدولة.
وقد استعرض التحليل أبرز جهود الدولة لدعم ريادة الأعمال ومن ذلك:
-أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية حملة "المليون ريادي" لتأهيل مليون رائد أعمال بحلول عام 2030، وذلك في إطار استراتيجية التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030". ويتكوّن البرنامج التدريبي للحملة من ثلاث مراحل؛ تتناول المرحلة الأولى موضوعات، مثل؛ نموذج العمل التجاري، والإدارة المالية، وتطوير الأعمال، وبناء العلامة التجارية ومهارات القيادة، وجاهزية الاستثمار، وتحويل الفكرة إلى مشروع خلال 30 يومًا. أما المرحلة الثانية، فتركز على قانون الاستثمار، والضرائب والتأمينات، واختيار الموظفين، وإدارة النمو، وتطوير فرق العمل، وإدارة المشروعات، والتمويل، واتخاذ القرارات. وتشمل المرحلة الثالثة الإبداع والابتكار، وتحليل البيانات، وتطوير المنتجات الرقمية، والتسويق، والبيع، والتخطيط الاستراتيجي، وتطوير العاملين، وقوانين الملكية الفكرية.
-أُطلق مشروع "رواد 2030" في عام 2017 بتمويل من بنك مصر والبنك الأهلي المصري؛ بهدف تمكين الشباب من تحويل أفكارهم إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال كأحد محركات التنمية الاقتصادية المستدامة.
-شملت الجهود التعليمية مجموعة من البرامج والمبادرات، من أبرزها، برنامج ماجستير ريادة الأعمال بالتعاون مع جامعة كامبريدج وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى إنشاء 9 حاضنات أعمال في مجالي الذكاء الاصطناعي والسياحة، وحاضنة مصرية إفريقية تعمل عبر الإنترنت، ومشروع "مايكرو فاكتوري" بالتعاون مع البنك المركزي في إطار مبادرة "رواد النيل".
-إنشاء مرصد "رواد ميتر" كقاعدة بيانات قومية تهدف إلى متابعة وتقييم أنشطة الحاضنات في مصر، من خلال إصدار تقارير ربع سنوية تسلط الضوء على الأداء والإنجازات في هذا المجال.
-استهدفت حملة "ابدأ مستقبلك" طلاب المدارس والجامعات، وتمكنت من الوصول إلى نحو 300 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى تدريب 1500 مدرس، و10 آلاف طالب جامعي؛ بهدف نشر ثقافة ريادة الأعمال بين الأجيال الجديدة وتعزيز قدراتهم على الابتكار.
-أُنشئ جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 947 لسنة 2017، وتعديلاته، ليكون الجهة الوطنية المسؤولة عن دعم ريادة الأعمال في مصر، من خلال تهيئة بيئة تشريعية وتنظيمية مشجعة لنمو هذا القطاع الحيوي. ويتولى الجهاز تنمية وتطوير المشروعات وريادة الأعمال، إما بشكل مباشر أو عبر تنسيق الجهود مع الجهات الحكومية، والجمعيات الأهلية، والمبادرات المُتخصصة.
وأشار مركز المعلومات في ختام التحليل إلى أن ريادة الأعمال تبرز كركيزة استراتيجية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق تنمية مستدامة قائمة على الابتكار وتحفيز القدرات البشرية. ويتطلّب تفعيل هذا الدور توفير بيئة شاملة داعمة، تتكامل فيها السياسات العامة، والبنية التحتية، وجودة التعليم، وآليات التمويل، مع إيلاء اهتمام خاص بتمكين الفئات الأكثر احتياجًا.
وفي هذا الإطار، تُعد التجربة المصرية في دعم ريادة الأعمال نموذجًا واعدًا يعكس التزامًا واضحًا بتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويستوجب مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات، من خلال التقييم المستمر وتوسيع نطاق الحلول الابتكارية لضمان تعظيم الأثر واستدامته.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.