مارلين سلوم
اسم توم هاردي يشجعك على مشاهدة فيلم أكشن تم التنويه له بأنه يحتوي على مشاهد عنف ودماء، طبعاً هذا متوقع في أغلبية أفلام الجريمة والمطاردات البوليسية الأمريكية، لكنك لا تتوقع أن يجسد «هافوك» حرفياً معنى عنوانه «خراب»، ولا تتوقع أن يكون هاردي هو المنقذ الوحيد لفيلم غارق في العنف، وكأنه مصنوع خصيصاً لإرضاء عشاق أفلام الجريمة ومدمني الإحساس بارتفاع الأدرينالين إلى أعلى مستوى، علماً أن الفيلم لا يتضمن رعباً بل هو عبارة عن مطاردات وتدمير وقتل منذ بدايته وحتى نهايته، مروراً ببعض المحطات الدرامية التي تبحث فيها عن المعنى الحقيقي والهدف الرئيسي من القصة، واللافت أن يتصدر هذا العمل قائمة الأكثر مشاهدة عربياً، ما يعني أنه نجح في إرضاء محبي أفلام العنف وأنهم كثر!
بداية «هافوك» مبشرة جداً، حيث اختار المؤلف والمخرج جاريث إيفانز التوطئة للفيلم بصوت بطله واكر (توم هاردي) كلها مشاعر وتبدو كمن يبرر كل ما سنشاهده لاحقاً وما سينتهي إليه الفيلم، خصوصاً أنه يوجه حديثه بشكل مباشر إلى المشاهد مثل قوله «في هذا العالم تعيش وتتخذ قرارات تحاول تبريرها لنفسك ولأسرتك، إلى أن تتخذ قراراً يطيح بكل شيء، أسرتك وأصدقائك وبك أنت». تمهيد يجعلك تتعاطف مع الراوي وتنتظر بشوق تلك الأحداث والأسباب التي ستدفع واكر إلى اتخاذ قرارات يخسر بسببها كل شيء «ولا يبقى إلا الأشباح» كما قال.
مقدمة تشويقية تتبعها مطاردات بين شاحنة ضخمة تقودها فتاة وبجانبها شاب، كلاهما يضع قناعاً مضيئاً يخفي ملامحه وسيارات الشرطة التي تلاحقهما في مطاردة طويلة تنتهي بإصابة خطرة للضابط كورتيز (سيرهات ميتن)، الذي نكتشف لاحقاً أنه واحد من مجموعة ضباط جرائم القتل، واكر وفنسنت (تيموثي أوليفنت) وجيمي (جون كيومنز)، تجمعهم شراكة ما بعيداً عن الوظيفة الرسمية، فلماذا يسرع واكر إلى تبني التحقيق في هذه العملية تحديداً رغم رغبته الشديدة في شراء هدية لابنته (6 أعوام) وزيارتها في منزل مطلقته؟
ككل أفلام الجريمة والأكشن، تتوقع أن يكون هناك عناصر من الشرطة متورطة في الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهناك «رأس مدبر» يتعمد إخفاء الحقائق وإبعاد المحققين عن المسار الحقيقي للأحداث وطبعاً إخفاء أدلة وتهديد شهود.. لكن جاريث إيفانز شكّل مجموعة من الضباط مخالفين لشرف المهنة ويستغلون مناصبهم لمصلحة أحد السياسيين الفاسدين والمرشحين على مقعد في البرلمان لورنس بومونت (فورست ويتيكر)، وتتعقد الأمور حين يلي عملية المطاردة في البداية، جريمة إبادة جماعية في أحد الملاهي الليلية يبدو أنها بين تجار مخدرات، إنما الأزمة الأكبر ظهور ابن لورنس الشاب المتهور تشارلي (جاستن كورنويل) وصديقته الشابة ميا (كويلن سبولفيدا) في إحدى الصور المأخوذة عن الكاميرات في المكان، واكر الذي حضر إلى المكان أخفى عن زميلته الشرطية المبتدئة الذكية والمثالية إيلي (جيسي مي لي) معرفته بالشاب، وخرج ليتحرك بمفرده بحثاً عن لورنس.
خيوط وألغاز
الوحيدة التي تجسد الشرطي الشريف وصاحب الضمير الباحث عن الحقيقة بلا فساد ولا رشى ولا مصالح هي إيلي، التي يمنحها المؤلف دوراً مهماً في إصلاح هذا الكم من الدمار الذي نشاهده، كما يمنحها القوة والقدرة الخارقة على مواجهة أكثر من عصابة وفك كل خيوط وألغاز سلسلة الجرائم التي تتوالى وبشكل متسارع لدرجة أنك تشعر بأن نهاية الفيلم ستكون نهاية لكل من عمل فيه ولن تجد أياً من أبطاله على قيد الحياة!
تجارة مخدرات وعصابات تجمع بين طرفين أمريكي وصيني، وفي مشهد يبدو مؤثراً بين السياسي الفاسد لورنس وزعيمة عصابة صينية (يو يان يان) في محادثة هادئة حول ابنيهما تجعلك تتعاطف مع كل منهما، فهي مكلومة بسبب مقتل ابنها الوحيد «تسوي» صاحب الملهى الليلي، وقد جاءت خصيصاً للانتقام من تشارلي ابن لورنس، إلى أن تكتشف أن القاتل هو طرف آخر غير متوقع، لكن اللحظة العاطفية تعبر سريعاً ليستكمل المخرج رحلة القتل التي استخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وقد اختار جاريث أن يكون للجانبين الأمريكي والصيني نفس القوة ونفس نسبة الفساد، سواء في القدرة على القتال أو في الأسلحة أو في تجارة المخدرات، ويلمّح إلى أن «الشارع الصيني» خالٍ من هذا الفساد، حيث يهدد فينسنت أكثر من مرة شريكه في المؤامرة تشينغ (صاني بانج) بتوزيع المخدرات في الشارع الصيني.
صناع العنف
جاريث إيفانز سبق أن لفت الأنظار بفيلم أكشن عنيف «الغارة: الفداء» (2012)، ومن بعده «الغارة 2» (2014)، ويبدو واضحاً أنه من صناع العنف وكأنه يختبر قدرة مشاهديه على تحمل القتل المتواصل والدماء والجثث المنتشرة في كل اتجاه طوال مدة عرض أفلامه، الحوار والسرد بالكاد يذكر مقابل هذا الكم الهائل من المطاردات والقتال، فالمؤلف لا يحتاج إلى نص محبوك، بل هو يربط بين مشاهد الأكشن ببعض الحوارات التي تأتي وكأنها تعريف بالشخصيات وبما يجري، علماً أننا في كثير من الأحيان لا نفهم من يقتل من ومن يطارد من، هذا لا ينفي براعة جاريث في تقديم حركة سريعة جداً وأكشن متقن، لكنه العنف غير المبرر، والقصص الخالية من أي معنى وأي هدف، وكأنها مجرد وسيلة لتقديم المخرج نفسه للجمهور ومدى قدرته على التفوق في الأكشن، واللافت أيضاً أنه ينشغل بالمعارك دون أن يقدم أي مجهود في تصوير الأماكن بل لا يعنيك كمشاهد أن تعرف أين يحدث هذا وفي أي منطقة أو بلد.
أسئلة بلا إجابات
غياب الحوار والعمق في النص يحجب فرصة تقديم أفضل أداء أمام الممثلين، صحيح أن هاردي هو الأكثر تميزاً في هذا العمل، لكنه ليس أفضل ما قدمه ولا يمكن الحكم على أداء أي ممثل طالما أنه يجسد مجموعة لقطات وحركات لا يصعب على أي كومبارس متمرس أن يؤديها. البطولة للرصاص والدماء وللجثث المتناثرة وللفوضى التي تصيبك بتشنج واشمئزاز، في حين كان باستطاعة المؤلف التركيز أكثر على تكوين قصة منطقية تبرر فساد تلك المجموعة من الشرطة، أو على الأقل تقدم لنا تفسيراً منطقياً باستطاعته إدانتهم وليس بالضرورة تبرئتهم، علماً أن المقدمة التي جاءت بصوت البطل كانت شديدة الإقناع وشجعتنا على معرفة ما الذي حصل ولماذا خسر واكر نفسه ومن أجل من؟ أسئلة لا نجد لها إجابات في الفيلم، بل بدت مجرد طعم يصطادنا به المؤلف كي ننجذب للفيلم ونشاهده ونحاول إقناع أنفسنا بأن الأفضل سيأتي لاحقاً، ولكنه لا يصل، بل تجد نفسك أمام «خراب» حقيقي ونهاية متوقعة وصناعة سينمائية استهلاكية بامتياز.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.