مرال ألكساندريانالجمعية الوطنية للتصلب المتعدد
في عالم يواجه تحديات التغير المناخي، وعدم المساواة الاقتصادية، والأعباء الصحية المزمنة، تترسخ قناعة عالمية مفادها: ليس بمقدور أي منظمة أو قطاع أو حكومة حل المشاكل النظامية، بمفردها.
إن الاعتراف بتعقيد المشهد ليس كافياً؛ فالتحدي الحقيقي يكمن في تنسيق الحلول العملية والدائمة بين مختلف الجهات ذات العلاقة. وهنا يأتي دور التحالفات، فهي ليست مجرد شراكات عابرة أو ظرفية، بل أدوات استراتيجية تقوم على الملكية المشتركة، والابتكار، والتأثير على مستوى الأنظمة، وتحقيق المصالح المشتركة.
لقد رأينا هذا النموذج ينجح مراراً وتكراراً، فقد رأينا التحالف العالمي للقاحات «جافي» يسهم في تحصين أكثر من مليار طفل منذ عام 2000، من خلال دمج التمويل العام بآليات التنفيذ الخاصة والمساءلة المحلية. كما يوفر صندوق الأمم المتحدة للتعليم في حالات الطوارئ، «التعليم لا يمكن أن ينتظر» المدعوم من وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة العالمية، التعليم للأطفال في المناطق المتأزمة. أما مبادرة «كل امرأة، كل طفل»، فجمعت الحكومات والجهات متعددة الأطراف والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتحسين صحة الأمهات والأطفال على مستوى العالم.
ورغم اختلاف القطاعات والمناطق الجغرافية، فإن هذه الأمثلة تشترك في عناصر جوهرية: هدفها مشتركٌ وواضحٌ وعاجل، وهياكلها جمعت بين المرونة والمسائلة، ثقافة قائمة على الثقة والتشارك، وتواضع في الإنصات إلى من يواجهون التحدي وإشراكهم في تعريف عناصر النجاح.
كل هذه العناصر تجعل من التحالفات أداة فعالة لمعالجة التحديات الأكثر إلحاحاً في عصرنا الحالي، فعند تصميم التحالفات بشكل جيد، تصبح بنية نادرة تستوعب التعقيد دون أن يكون سبباً في انهيارها.
لماذا تنجح التحالفات في إحداث أثر اجتماعي؟
إن تحديات التأثير الاجتماعي، كالأمراض، والتهميش، وعدم المساواة الممنهجة، لا تلتزم بحدود مؤسسة واحدة. إنها مترابطة، ومتجذرة، ويصعب زحزحتها بسرعة. لذلك، فإن البرامج الممنهجة ضرورية، ولكنها وحدها لا تكفي. ما نحتاجه هو تناغم لا تكرار، وقوة جماعية لا جهود معزولة.
هنا تحديداً تبرز ميزة التحالفات؛ فهي تجمع المعرفة والمصداقية والتمويل والتأثير من قطاعات متعددة، وتتيح حل المشكلات على مستويات مختلفة، بدءاً من السياسات إلى تقديم الخدمات، ومن الأبحاث إلى المناصرة، مع الحفاظ على الهدف الموحّد.
والنجاح لا يعتمد فقط على التنسيق الفني، فالتحالفات الفعالة تخلق مساحة للتحدي، وتبني الجسور، وتجعلنا نصغي أكثر مما نقود. قد تكون خطواتها بطيئةً في البداية، ذلك لأن بناء الثقة يحتاج وقتاً، ولكنها حين تتماسك، تُحدث أثراً يفوق ما يمكن أن تحققه المبادرات الفردية.
منحنى التحالف: ما الذي يجب أن نتوقّعه وما الذي يجب أن نتجنّبه؟
بحكم عملي على بناء تحالف وطني للتصلب المتعدد في الإمارات، تعلّمت أن نجاح التحالفات لا يتوقف على اختيار الشركاء المناسبين فحسب، بل على قدرتها على التطوّر والتكيّف.
هناك منحنى يمر به كل تحالف: التشكيل، حيث تُبنى الثقة وتُوزّع الأدوار، ثم التنفيذ، حيث تظهر الاختلافات ويتم اختبار التوافق؛ ثم النمو أو الركود، بحسب إدارة الحوكمة والمرونة والمساءلة.
وهذا المنحنى هو المكان الذي تتعثر فيه العديد من التحالفات، فبعضها يُبالغ في التنظيم ويفقد القدرة على التكيف. ويركز البعض الآخر على التوافق ويتجنب النقاشات الصعبة حول المسؤوليات وصناعة القرار. وهناك من يُعامل التحالف كعلامة تجارية، فيعطي الأولوية للظهور على حساب الإنجاز. لهذا لا بد من تصميم التحالفات بتواضع وبرؤية واضحة وقابلة للتكيف.
ما هي أهم الركائز للحفاظ على مرونة التحالفات؟
أولاها، التشارك بدلاً من التشاور، فدعوة الشركاء بعد إعداد الخطط، لا يكفي، حيث يجب أن يساهم الشركاء في صياغة جداول أعمال منذ البداية، لا المصادقة عليها فحسب.
ثانيًا، الثقة كعنصر أساسي: كما قال أحد الزملاء، «تتحرك التحالفات بسرعة الثقة». ومن دونها، لن تصمد أي استراتيجية ولن تُؤتي أية نتائج.
ثالثًا، المساءلة المرنة: النتائج الحقيقية لا تُقاس دائماً على جداول زمنية ثابتة. وفي حين أن قياس الأثر ضروري، إلا أنه يجب أن يعكس التجربة الحياتية بجانب المقاييس. بعض أفضل مؤشرات التقدم تكون نوعية مثل: عمق التعاون، واللغة المشتركة، وديمومة الالتزام.
نموذج من الإمارات
هذه المبادئ أرشدتنا في الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد بالإمارات. منذ البداية، أدركنا أن الجهود المتفرقة التي تدعم مجتمع المتعايشين مع التصلب المتعدد تفتقد عنصرًا بالغ الأهمية، وهو التنسيق. لذا، أسّسنا الشراكة الوطنية للتصلب المتعدد، لتكون منصةً وطنيةً متعددة القطاعات، تضم الجهات الحكومية، ومقدمي الرعاية الصحية، وأصحاب العمل، وشركات التأمين، والباحثين، والمتعايشين مع التصلب المتعدد.
وصممنا نموذجاً للمشاركة ذا مستويين، يشمل «المساهمين» و«المتعاونين»، ونظم حوكمة واضحة تاركين مساحةً للتطوير، ومجموعات عمل منتظمة، وخارطة طريق ترتكز على احتياجات واقعية من المجتمع.
وطوال هذه الرحلة، منحنا أولوية لصوت المجتمع من خلال برامج السفراء، وتقييمات خط الدعم، والمجموعات النقاشية المركزة، لضمان أن تظل الشراكة مسؤولةً أمام من تم إنشاؤها لخدمتهم.
قد لا تكون هذه خطوات سريعة دائمًا، لكنها خطوات أساسية. والتقدّم الذي شهدناه أكد لنا ما كنا نؤمن به: وهو أن التحالفات لا تُغني عن الاستراتيجية، بل تجعلها قابلة للتنفيذ، ومستدامة، ومشتركة.
نحو المستقبل: التحالف كنموذج للتحول المجتمعي
مع استمرار تطور التحالف، تبرز أمامنا آفاق أوسع حول مستقبل التأثير الاجتماعي عالمياً.
إذا أردنا لأثرنا أن يستمر بعد انتهاء التمويل وتغير القيادات، علينا الاستثمار في نماذج تتجاوز الأفراد وتُبنى على العمل الجماعي. وهذا هو ما تقدمه التحالفات، فهي لا تغيّر الأنظمة من خلال تضخيم فكرة واحدة، بل من خلال تعاون جهات متعددة لتحقيق غاية مشتركة. وهي تؤسس لمسؤولية جماعية، وتوزّع القيادة بما يتماشى مع تعقيد التحديات التي نواجهها.
نمو الشراكة الوطنية للتصلب المتعدد يذكّرنا أن إحداث الأثر المستدام يتطلب أكثر من رؤية، بل إلى استراتيجية لخدمة الآخرين، وتحالفات صُممت لتتطور؛ كي تدوم.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.