في عالم الاستثمارات، لا تحدد الأرقام وحدها قواعد اللعبة، بل تلعب التجربة والجيل والعمر دورًا محوريًا في تشكيل نظرة المستثمر إلى المخاطر والفرص.
وبينما ترسخت في أذهان الأجيال السابقة مبادئ "الاستثمار طويل الأجل" و"شراء الأسهم الزرقاء والاحتفاظ بها"، ظهر جيل جديد يتنقل بين منصات التداول عبر الهواتف الذكية، ويغرد حول الأسهم ويُحدث موجات شرائية من مجرد منشور على وسائل التواصل.
وما بين جيل وُلد في ظل فقاعة الدوت كوم، وآخر نشأ في فترة الأزمة المالية العالمية عام 2008، وثالث بدأ أولى خطواته في عالم المال وسط زلازل جائحة كوفيد-19 وشبكات "ريديت"، تتباين الفلسفات، وتتصادم أحيانًا وجهات النظر.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وشهدت السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في الطريقة التي تتعامل بها الأجيال المختلفة مع الاستثمار في سوق الأسهم.
ففي الوقت الذي اعتمدت فيه الأجيال الأكبر سنًا، مثل جيل الطفرة السكانية وجيل إكس، على استراتيجيات استثمار تقليدية تقوم على التنويع طويل الأجل والاستعانة بالمستشارين الماليين، جاء جيل الألفية وجيل زد ليعيدا رسم ملامح المشهد الاستثماري.
وفي المقابل، تبنّى هؤلاء نهجًا أكثر جرأة، يعتمد على المنصات الرقمية، والتفاعل اللحظي، والرغبة في إحداث أثر اجتماعي يتجاوز حدود العائد المالي، ما يعكس تحوّلًا جوهريًا في فلسفة الاستثمار بين الأجيال.
هذا الانقسام الجيلي لا يُعيد تشكيل الأسواق فحسب، بل إنه يطرح أيضًا تساؤلات حول مستقبل تكوين الثروة والاستقرار المالي.
جيل الألفية وجيل زد
نشأ جيل الألفية (من مواليد 1981–1996) وجيل زد (من مواليد 1997–2012) في ظل ازدهار الإنترنت والهواتف الذكية والتقنيات المالية الحديثة.
وعلى عكس الأجيال السابقة التي اعتمدت على السماسرة أو مديري الصناديق، يفضل هؤلاء المستثمرون الشباب المنصات الرقمية مثل روبن هود، وويبول، وإيتورو، وسوفي، بدلًا من الاعتماد على السماسرة التقليديين.
ووفقًا لمسح أجرته شركة تشارلز شواب عام 2022، فإن 60% من مستثمري جيل زد بدأوا الاستثمار قبل سن 21 عامًا، ومعظمهم عبر تطبيقات الهاتف.
وقد تجلت قوة هذا الجيل بوضوح خلال ظاهرة "الأسهم الميمية" عام 2021، حين اندفع مستثمرون شباب منصات مثل "وول ستريت بيتس" على موقع ريديت، ووجّهوا أنظارهم نحو أسهم كانت تُعد خارج دائرة الاهتمام مثل "جيم ستوب" و"إيه إم سي".
لم تكن هذه الموجة مجرد تداول تقليدي، بل كانت أشبه بحراك جماعي يجمع بين السخرية والمخاطرة، عبر السعي لتحدي المؤسسات المالية الكبرى وتحقيق مكاسب من خلال تضخيم قيمة أسهم مدفوعة بالزخم الرقمي، لا بالمؤشرات الأساسية.
هذه الظاهرة سلّطت الضوء على أسلوب جديد في الاستثمار يعتمد على الثقافة الرقمية والتأثير الجماعي، ويعكس فلسفة مختلفة جذريًا عن الأجيال السابقة.
ويركز جيل الألفية وزد على الاستقلال المالي بدلاً من مجرد التخطيط للتقاعد، إذ يتبع الكثير منهم توجه الاستقلال المالي والتقاعد المبكر، ويسعون لبناء ثرواتهم بوتيرة سريعة من خلال استثمارات جريئة في الأسهم والصناديق المتداولة والعملات الرقمية.
وتنتشر ثقافة الاستثمار بين هؤلاء عبر المؤثرين على تيك توك ويوتيوب الذين يناقشون أساليب الدخل السلبي و"التداول اليومي".
وفي هذا تقول "إميلي غارسيا"، وهي مستثمرة شابة تبلغ من العمر 24 عامًا من كاليفورنيا، في مقابلة مع بلومبرج: "لم أبدأ الاستثمار من أجل التقاعد، بل لأكون حرة ماليًا خلال سنوات قليلة.
واعتبرت أن العملات الرقمية والأسهم الميمية فتحت عينيها على فرص استثمارية لم يكن جيل والديها يتصورانها.
وأظهر تقرير من فيديليتي إنفسيتمينت أن 79% من جيل الألفية يمتلكون أسهمًا فردية، أي أسهمًا في شركات بعينها مثل تسلا أو آبل، بدلًا من الاستثمار في صناديق الاستثمار، مقارنة بـ61% فقط من جيل إكس، ما يعكس استعدادهم لتحمل المخاطر بحثًا عن عوائد أعلى.
قيم أخرى لدى الأجيال الأحدث سنًا
خلافًا للتركيز التقليدي على العوائد فقط، يعطي جيل الألفية وزد أهمية كبيرة للعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة .
ويدفع هذا التوجه إلى انتشار الاستثمارات المستدامة، حيث يتفادون شراء الأسهم في الشركات المرتبطة بالوقود الأحفوري أو الأسلحة أو الممارسات العمالية غير الأخلاقية.
وبحسب دراسة من مورجان ستانلي عام 2023، فإن 95% من جيل الألفية يهتمون بالاستثمار المستدام، مقارنة بـ 65% فقط من جيل الطفرة السكانية.
ولهذا تحظى شركات مثل تسلا، وبيوند ميت، ونكست إيرا إنرجي بشعبية كبيرة بين هؤلاء الشباب.
ففي عام 2022، شهد صندوق "آي شيرز جلوبال كلين إنرجي" هو صندوق متداول في البورصة يمتلك أسهماً في شركات الطاقة النظيفة حول العالم، تدفقًا كبيرًا من الاستثمارات من فئة الشباب دون سن الثلاثين، دعمًا لتقنيات الطاقة النظيفة.
شهية مرتفعة للمخاطر
كما يُظهر الشباب استعدادًا أكبر للمخاطرة وتحمّل التقلبات، ليس فقط في أسواق الأسهم وحدها، بل في أنواع الاستثمار الأخرى حيث لا يتردد الكثير منهم في الاستثمار في العملات الرقمية، والرموز غير القابلة للاستبدال، وهي مجالات يراها الأكبر سنًا محفوفة بالمخاطر.
وبحسب تقرير من "كوين بايز" عام 2023، فإن 64% من مستثمري جيل زد في العملات الرقمية يمتلكون أكثر من عملة واحدة، ويعتبرون هذه الأصول جزءًا أساسيًا من استراتيجيتهم طويلة الأجل.
مقارنة فلسفات الاستثمار حسب الأجيال: | |||
الجيل | فترة الميلاد | نمط الاستثمار | درجة المخاطرة |
الطفرة | 1946-1964 | طويل الأجل والأسهم الآمنة | منخفضة |
إكس | 1965-1980 | المحافظ، والأسهم المتنوعة | متوسطة |
الألفية | 1981-1996 | استثمار رقمي سريع | عالية |
زد | 1997-2012 | تداول يومي، أسهم ميمية | عالية جدًا |
فعلى سبيل المثال، في فترة الانتعاش بين عامي 2020 و2021، شهدت عملة بيتكوين موجة إقبال قوية من جيل الألفية وزد، ما أدى إلى زيادة قياسية في عدد مستخدمي منصات مثل كوين بايز وباينانس.
ومن بين النقاط التي يتميز بها الشباب في الاستثمار في البورصات خاصة والأسواق بشكل عام، هو تعلم أساسيات الاستثمار ليس من الكتب أو المستشارين الماليين، بل من المجتمعات الإلكترونية، فتطبيقات مثل تيك توك، ويوتيوب أصبحت مصادر رئيسية للمعلومات.
وتحظى قنوات مثل "جراهام ستيفن"، و"أندريه جيخ"، و"ماينوريتي مايندسِت" بملايين المتابعين، ما ساعد على نشر ثقافة الاستثمار، لكن يعيب هذا النموذج أنه يفتح الباب أيضًا أمام المعلومات المغلوطة والتوصيات غير المدروسة، ما يعرضهم لمخاطر عالية.
على الجانب الآخر، يتسم نهج جيل الطفرة السكانية (من مواليد 1946-1964) وجيل إكس (من مواليد 1965-1980) بالحذر والتركيز على الأمان المالي.
فقد مروا بأزمات مثل انهيار السوق عام 1987، وفقاعة الإنترنت عام 2000، والأزمة المالية العالمية في 2008، ما جعلهم يفضلون تنويع المحفظة، والأسهم التي توزع أرباحًا، والصناديق المشتركة، وحسابات التقاعد مثل "401 كيه" و"آي آر إيه".
كما يعتمد هؤلاء بشكل أكبر على المستشارين الماليين، فوفقًا لتقرير من "فانجارد" عام 2023، فإن أكثر من 60% من استثمارات جيل الطفرة تتوزع على السندات والأسهم الآمنة.
هذا التباين لا يرتبط فقط بالأدوات الاستثمارية، بل يمتد إلى الجوانب النفسية، حيث يطغى على الأجيال الأكبر سنًا "الخوف من الخسارة"، ويميلون إلى التحفظ بعد تجارب أزمات حادة. في المقابل يتأثر الشباب أكثر بما يُعرف بـ"الخوف من فوات الفرصة"، مدفوعين بثقافة اللحظة ومواقع التواصل، ما يدفعهم أحيانًا لاتخاذ قرارات سريعة بحثًا عن مكاسب كبيرة، هذا الفارق النفسي يعزز ميلهم للمخاطرة ويجعلهم أكثر تقبّلًا للتقلبات.
هذا الاختلاف في الفلسفات الاستثمارية يؤثر على الأسواق المالية عبر عدة طرق، مثل زيادة التقلبات بسبب التداولات المدفوعة بمنصات التواصل الاجتماعي، نمو غير مسبوق في الصناديق المستدامة والاستثمار الأخلاقي.
كما يسهم في بروز نماذج هجينة تجمع بين الاستشارة التقليدية والذكاء الاصطناعي، وضغوط تنظيمية متزايدة لمواكبة الابتكار السريع في عالم التمويل.
ومع تزايد ثروة وتأثير الأجيال الجديدة، من المتوقع أن يستمر تأثيرهم في تغيير شكل الأسواق المالية.
في المحصلة، لا يُمكن فصل سلوك المستثمر عن روحه الجيلية وسياقه الزمني، فبينما يحمل جيل الطفرة السكانية وجيل إكس فلسفة الأمان والتدرج والنمو المستقر، يُجسّد جيل الألفية وجيل زد روح السرعة والتجريب والتأثير الرقمي.
وهذا التباين لا يصنع فقط أنماطًا مختلفة من الاستثمار، بل يُعيد رسم الحدود بين المفاهيم التقليدية والممارسات الحديثة في عالم المال.
وفي ظل تسارع الابتكار وتغيّر أولويات الأجيال، يُصبح مستقبل الاستثمار مرهونًا بقدرتنا على الدمج بين الحصافة والجرأة، بين المعرفة التقنية والرؤية الأخلاقية، لصياغة نموذج مالي يُوازن بين الربح والمسؤولية، ويعكس تنوع الأجيال لا صدامها.
المصادر: أرقام- تشارلز شواب- بلومبرج- رويترز- فيديليتي إنفستمنتس- فاينانشال تايمز- فانجارد
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.