اقتصاد / ارقام

الرهان على الاكتتابات الأولية .. مكاسب محتملة أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

في عام 2024، اجتمعت مجموعة من المستثمرين الأفراد في أحد المنتديات المالية لمناقشة تجربتهم المؤلمة مع اكتتاب شركة "آرم" البريطانية، المتخصصة في تصميم الرقائق، والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع كأحد أبرز الاكتتابات في ذلك العام.

 

فبعد ضجة إعلامية كبيرة وتوقعات بأرباح سريعة، تراجعت قيمة السهم بنحو 20% خلال الأسابيع الأولى، مما أدى إلى خسائر كبيرة للعديد منهم.

 

كانت هذه التجربة تكرارًا لحالات مشابهة من الطروحات الكبرى التي لم تحقق الوعود، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول مدى جدوى الاستثمار في الاكتتابات العامة العملاقة.

 

 

فما الذي يجعل بعض الطروحات العامة مخيبة للآمال رغم كل الزخم الذي يسبقها، ويرفع سقف آمال المستثمرين الأفراد الذين يسارعون للشراء فور الإدراج، دون تقييم دقيق للأساسيات المالية للشركة؟

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وبينما قد تتحقق هذه الآمال في بعض الحالات، كما حدث مع شركات كبرى خلال الطفرة الرقمية، إلا أن كثيرًا من الاكتتابات الجديدة أصبحت تعاني من تقلبات حادة فور دخولها السوق.

 

ليبقى الاستثمار في الطروحات الأولية سيفًا ذا حدين: فهو من جهة فرصة للدخول المبكر إلى شركات واعدة، ومن جهة أخرى، مغامرة تنطوي على مخاطر مرتفعة لا تقل عن أسواق المضاربات.

 

وضع أسواق الاكتتاب

 

بدأ عام 2025 كـ"عام الضوء الأخضر" للاكتتابات العامة في الولايات المتحدة، حيث جرى نحو 68 اكتتابًا جديدًا حتى نهاية أبريل، ما يمثل زيادة بنسبة 41.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب شركة "رينيسانس كابيتال".

 

وفيما يشبه تكرارًا لعام 2024 -الذي شهد أداء جيدًا لكنه ليس استثنائيًا- يتوقع أن يصل إجمالي الأموال التي سيتم جمعها من الاكتتابات العامة هذا العام إلى ما بين 45 و50 مليار دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات "ديلويت".

 

وذلك مقابل نحو 29.6 مليار دولار جمعتها اكتتابات عام 2024، لتتجاوز أرقام ، لكنها لا تزال بعيدة عن ذروة 2021 التي بلغت 142.4 مليار دولار.

 

ويتوقع المحللون أن عدد الطروحات العامة في عام 2025 لن يتجاوز 150 اكتتابًا، ما يمثل رابع عام على التوالي من التراجع عن المستوى القياسي الذي سجلته الاكتتابات في السوق خلال عام 2021.

 

عدد الاكتتابات العامة الأولية في السوق الأمريكي منذ بداية الربع الرابع من 2024

الشهر

عدد الاكتتابات

أكتوبر 2024

22

نوفمبر

8

ديسمبر

14

يناير 2025

17

فبراير

18

مارس

18

أبريل

16

 

أما خارج الولايات المتحدة، فقد سجلت الاكتتابات العامة الأولية في عام 2024 انتعاشًا لافتًا في العديد من الأسواق العالمية، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين رغم التحديات الاقتصادية المستمرة.

 

 

وتصدرت الهند السوق العالمية من حيث عدد الاكتتابات، إذ شهدت 327 اكتتابًا عامًا أوليًا.ومن أبرز هذه الطروحات شركة "هيونداي موتور الهند"، التي جمعت حوالي 3.3 مليار دولار، وشركة "سويجي"، التي جمعت حوالي 1.3 مليار دولار، بالإضافة إلى شركة "أولا إلكتريك"، التي جمعت حوالي 1.2 مليار دولار.

 

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سُجلت 54 اكتتابًا عامًا أوليًا، جمعت ما مجموعه 12.6 مليار دولار.

 

أما في أوروبا، فقد شهدت القارة انتعاشًا ملحوظًا في سوق الاكتتابات، حيث جرى جمع 14.6 مليار يورو (15.8 مليار دولار أمريكي) من خلال 57 اكتتابًا عامًا.

 

ومن بين أبرز الطروحات كانت شركة "بويج براندز" في إسبانيا التي جمعت 2.6 مليار يورو (حوالي 2.8 مليار دولار)، وشركة "جالدرما" في سويسرا التي جمعت 2 مليار يورو (2.16 مليار دولار)، وكذلك "سي في سي كابيتال" في جزيرة جيرسي التي جمعت 2 مليار يورو (حوالي 2.16 مليار دولار).

 

وفي هونج كونج، شهدت السوق المحلية نموًا قويًا، حيث تضاعفت الأموال المحصّلة من الاكتتابات الجديدة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 مقارنة بالعام السابق، مدفوعةً بدعم تنظيمي وتحسينات ملحوظة في كفاءة السوق.

 

الاكتتابات بين وعود الثراء ومخاطر التقييمات

 

يُعد التقييم المبالغ فيه من أبرز المخاطر التي تواجه سوق الاكتتابات، خاصة مع الطروحات العملاقة.

 

فمثلًا، كانت شركة "فينتشر جلوبال" تطمح في بداية عام 2025 إلى تقييم يتجاوز 110 مليار دولار، لكنها اضطرت إلى خفض ذلك بنسبة 45% بعد تزايد المخاوف لدى المستثمرين بشأن جدوى هذا التقييم.

 

 

ومن الأمثلة التاريخية البارزة أيضًا، طرح شركة "" عام 2012، الذي قُدِّر بأكثر من 104 مليار دولار، وبالرغم من التوقعات المرتفعة، تراجعت أسهم الشركة بعد الإدراج إلى ما دون سعر الطرح، واستغرق الأمر أكثر من عام حتى استعادت قيمتها السوقية.

 

وتُظهر الإحصائيات أن الأداء قصير الأجل للطروحات العملاقة غالبًا ما جاء دون التوقعات؛ ففي عام 2023، سجّلت 80% من أكبر 10 اكتتابات أولية خسائر خلال أول شهر من التداول.

 

ويشير هذا الاتجاه إلى الطبيعة المضاربية العالية للسوق، ويؤكد أهمية التقييمات الواقعية بدلاً من الاعتماد فقط على الضجة الإعلامية.

 

ويعزز هذه المخاوف ما حدث مع بعض الشركات التي شهدت تقييمات ضخمة قبيل الطرح، دون أن ينعكس ذلك على أدائها في السوق.

 

فعلى سبيل المثال، طُرحت "هيونداي موتور الهند" في منتصف العام الماضي بتقييم تجاوز 20 مليار دولار، لكن أسهمها تراجعت بنحو 18% خلال الأسابيع الأولى من التداول، مما أثار تساؤلات حول مدى دقة هذا التقييم.

 

وبالمثل، شركة إنستاكارت الأمريكية، المتخصصة في توصيل الطلبات، حظيت بتقييم أولي بلغ نحو 10 مليارات دولار عند الطرح في سبتمبر 2023، بعد أن كانت تطمح لتقييم يصل إلى 39 مليار دولار خلال ذروة جائحة .

 

ورغم هذا التقييم "المخفض"، تراجعت أسهم الشركة بأكثر من 35% خلال الأشهر الثلاثة التالية للطرح، ما أثار تساؤلات حول استدامة نموذج عملها في ظل اشتداد المنافسة وهشاشة الأرباح.

 

وتشير بيانات من بنك الاستثمار "مورجان ستانلي" إلى أن ما يقرب من 60% من الشركات التي طُرحت بتقييمات تفوق 10 مليارات دولار خلال الفترة من 2021 إلى 2024، واجهت انخفاضًا في السعر السوقي بأكثر من 25% خلال عام من الإدراج.

 

تحديات ومخاطر أخرى أمام الطروحات

 

رغم الزخم القوي للاكتتابات، فإنها تواجه تحديات عدة، على رأسها التقلبات والاضطرابات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدلات الفائدة، وتشديد السياسات النقدية، وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى.

 

فمع كل رفع للفائدة من قبل البنوك المركزية، تتقلص شهية المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر، ويصبح تمويل النمو أكثر تكلفة بالنسبة للشركات الناشئة أو سريعة التوسع، وهي الفئات الأكثر توجهًا نحو الطرح العام.

 

 

ومن أبرز مصادر الاضطراب، القرارات السياسية المفاجئة أيضًا؛ فعلى سبيل المثال، دفعت الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" قبل عدة أسابيع عددًا من الشركات لتأجيل خطط الاكتتاب، خاصة تلك التي تعتمد في سلاسل توريدها على .

 

وسجل مؤشر الاكتتابات العالمي تراجعًا بنسبة 12% في نفس الشهر، بحسب بيانات شركة "ديلوجيك".

 

كما تمثّل التوترات الجيوسياسية عامل ضغط إضافيًا، حيث تساهم في زيادة حالة عدم اليقين وتدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة، بعيدًا عن الاكتتابات الجديدة.

 

فعلى سبيل المثال، شهد عام 2024 تباطؤًا ملحوظًا في سوق الطروحات بالأسواق الآسيوية تصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي، وانعكس ذلك في تراجع عدد الاكتتابات بنسبة 37% مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات "إرنست ويونج".

 

ولا تقف التحديات عند هذا الحد، إذ إنّ تغير المزاج الاستثماري والتقلب السريع في توجهات السوق خاصة في عصر التداول الخوارزمي والمنصات الرقمية، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمستوى الإقبال على الاكتتابات، حتى بالنسبة للشركات ذات السمعة القوية.

 

ويضاف إلى ذلك تعقيدات تنظيمية في بعض الأسواق، حيث تتطلب عمليات الإدراج مستويات عالية من الإفصاح والامتثال، وهو ما قد يشكل عبئًا على الشركات الصاعدة ويؤخر جدول الطرح.

 

نظرة مستقبلية

 

من المتوقع أن يستمر الزخم في الأسواق الناشئة، خاصةً في الهند ومنطقة الشرق الأوسط، حيث تُظهر الحكومات دعمًا قويًا للاكتتابات العامة كوسيلة لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات.

 

ومع ذلك، فإن المشهد المستقبلي لسوق الاكتتابات يبدو معقدًا، إذ يعتمد بدرجة كبيرة على تطورات الاقتصاد الكلي والتغيرات التنظيمية.

 

ففي حال استمرت البنوك المركزية في تشديد السياسة النقدية، قد يتعرض السوق لضغوط إضافية تؤجل خطط الطرح وتحد من شهية المستثمرين.

 

على الجانب الآخر، يمكن أن يسهم تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتوجه نحو شركات التكنولوجيا المستدامة في جذب جيل جديد من المستثمرين، مما يخلق موجة جديدة من الطروحات النوعية.

 

 

لكن يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التقييمات الجذابة والمبررات الواقعية، فكلما اتّسعت الفجوة بين القيمة المتوقعة والسوقية الفعلية، ارتفعت احتمالات الخسارة.

 

وفي عالم تتزايد فيه الضوضاء حول الطروحات العامة الأولية، لم يعد الاكتتاب مجرد فرصة للربح السريع، بل أصبح اختبارًا حقيقيًا لقدرة المستثمر على التمييز بين القيمة الحقيقية والتقييمات الوهمية.

 

فالرهان على الطرح الأولي قد يبدو مغريًا في ظاهره، لكنه يتطلب نظرة ثاقبة تتجاوز العناوين الرنانة ونسب النمو الافتراضية.

 

ولا تُقاس جدوى الاكتتاب بما يحدث في يوم الإدراج، بل بما يتحقق بعد سنوات من أداء الشركة في البورصة سواء من حيث نمو الإيرادات وربحية الأعمال، والتوسع في الأسواق، فالقيمة الحقيقية لا تُبنى على الضجيج المؤقت، بل على أساسيات صلبة تُترجم لنتائج ملموسة.

 

المصادر: أرقام- إنفستوبيديا- إرنست ويونج- بيزنس إنسايدر- رويترز- إيكونوميك تايمز- جامعة فلوريدا- ذا وول ستريت جورنال- ذا تايم- بيزنس تودي

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا